"لبنان إن حكى" عن بركة الفساد
يحرق اللبنانيون الإطارات ويقطعون الطرق. واقعة تتكرر كل يوم وفي أماكن متفرقة من بلدهم. تلك رسالة موجهة إلى لا أحد.
سواء كان السياسيون في بيوتهم أو في أماكن عملهم فإنهم محصنون من استلام تلك الرسالة أو فهم المغزى منها.
ليست المشكلة في ما تنطوي عليه تلك الرسالة من إشارات غامضة بل في العلاقة المرتبكة وغير السوية بين المرسل والمستلم.
لا يثق الطرفان ببعضهما. الجمهور الذي يحرق الإطارات لا يثق بالسياسيين الذين هم من جانبهم أيضا لا يثقون بذلك الجمهور.
الجمهور من جهته يرى أن الطبقة السياسية قد استهترت بمصير البلد وأهملت القيام بواجباتها وسرقت أمواله وتركت الشعب يواجه عاقبة تلك الأفعال غير المسؤولة.
في المقابل فإن السياسيين يرون أن كل مظاهر الاحتجاج التي يمارسها الجمهور انما هي نوع من العبث الذي لا يمكنه أن يصيب كبد الحقيقة. ما لا يعرفه الجمهور من أسباب الانهيار الذي تعرض له لبنان لا علاقة مباشرة له بما يُسمى فسادا.
الجمهور يعرف جزءا من الحقيقة. يحدث الاختلاف بين الجمهور والطبقة السياسية في تقدير حجم ذلك الجزء. فالجمهور يعتقد أن ما يعرفه هو الجزء الأكبر من الحقيقة فيما يؤكد السياسيون أن ذلك الجزء الذي يعرفه الجمهور ويضعه على اللافتات هو مجرد فقاعة أُريد من خلالها أن يتسلى الجمهور بشيء ما يظن أنه الحقيقة ولكنه لا يمت لها بصلة.
ولكن لمَ يلتزم السياسيون الصمت ويقبلون أن يُشتموا في الشوارع ومن خلال قنوات البث التلفزيوني؟ لأنهم يتحاشون الاقتراب من الحقيقة لا لأنهم يرغبون في ذلك بل لأن ذلك سيؤدي بهم وبعوائلهم إلى التهلكة.
ما لا يعرفه العامة أن الفساد الإداري والمالي لا يمكن مثلا أن يؤدي إلى افلاس المصارف ودفع المودعين فيها إلى الهاوية. المشكلة أكبر من ذلك. بدليل أن الدولة لا تقوى على استرداد أموالها أو مراجعة حساباتها فهي ممنوعة من القيام بذلك.
لا توجد دولة في محيط لبنان لا تعاني من فساد يفوق المعدل الطبيعي. والعلة في ذلك تكمن في أن الأنظمة السياسية تهب السياسيين فرصا استثنائية للقيام بعمليات فساد تقع ضمن صلاحيتهم. بمعنى أن الإفساد المنظم هو جزء من سياسة تلك الأنظمة.
ولكن تلك الدول حافظت على شيء من كرامتها السيادية ولم يصل بها فساد موظفيها إلى الوقوف عند حافات الهاوية.
السؤال الآن "متى لم تكن الدولة في لبنان فاسدة؟"
كان الفساد وفي كل العهود ساري المفعول من غير أن يهيمن على مصير الدولة ويضرب الشعب بفجائعه الكارثية حين يصل إلى مرحلة سرقة أموال الشعب المودعة في المصارف.
لا يوجد سياسي لبناني نزيه إلا في ما ندر. ذلك أمر طبيعي يمكن أن نراه في دول عديدة ومنها دول الاقليم. هل يجرؤ سياسي لبناني على قول ذلك اليوم من أجل أن ينهي الجدل الواقف على حبل واه.
"الجمهور الذي يحرق الإطارات وبُح صوته من الهتاف لا يعرف شيئا" ولكن مَن يقوى على قول ذلك علنا.
لبنان دولة فيها القضاء معطل. يعمل حين يتم الضغط على أزرار موجودة في أماكن مختلفة حسب توازنات مدروسة.
لم يستدع القضاء يوما ما فاسدا. فالفاسد لن يكون فاسدا إلا إذا كانت لديه حماية. وتلك الحماية يمكنها في لبنان أن تحرق بلدا. لذلك لا احد يقترب من الفاسدين حرصا على البلد!
ليس الفاسدون وحمايتهم ظاهرتين دخيلتين ولكن الحماية التي تحرق البلد هي الظاهرة التي يتميز بها لبنان. حماية هي أقوى من دولة وأشد تشعبا من مافيا.
لا أحد من سياسيي لبنان أراح الجهور واستراح وقال "لبنان تحكمها ميليشيا مسلحة اسمها حزب الله." تلك هي الحقيقة التي توضح كل شيء. لولا تلك الحقيقة لما استطاع الفساد أن يلتهم دولة ويلقي بشعبها على أرصفة الشوارع ويضعها في مواجهة المجهول.
سياسيو لبنان يخبئون رؤوسهم لا خوفا من الشعب بل خشية أن تُقطع رؤوسهم من قبل حزب الله. يكثر الحديث بين حين وآخر عن سلاح حزب الله غير أن أحدا من السياسيين لم يجرؤ على القول علنا إن حزب الله كان يقف ولا يزال وراء الوضع الاقتصادي المزري الذي وصل إليه لبنان بسبب اقتصاده المجاور. فإذا كان اللبنانيون قد فقدوا أموالهم فإن حزب الله لم يفقد شيئا من مدخراته. هل هي بركة الاقتصاد الإسلامي؟
لا أحد يحكي عن فساد حزب الله.