العقوبات الدولية جريمة يجب إيقافها

ليس بسبب روسيا ولكن بسبب العراق ينبغي تجريم العقوبات الدولية فهي وسيلة حقيرة للإساءة إلى كرامة الشعوب التي لا ذنب لها في الصراعات السياسية.
كذبة العقوبات ذبحت شعبا بأكمله وسلمته إلى هلاكه النهائي
العراقيون كانوا ضحايا لقوتين الواحدة منهما أسوأ من الأخرى

لم تُسقط العقوبات الدولية التي فرضت على العراق عام 1991 نظام صدام حسين بل مهدت عبر 13 سنة من تجويع الشعب العراقي لغزو أميركي أخذ العراق معه إلى مستنقع جريمة سيطول بقاؤه فيه إلى وقت غير معلوم.
أهذا ما أراده المجتمع الدولي يوم قرر أن يفرض ذلك الحصار عقابا للنظام لقيامه بغزو أراضي دولة جارة صغيرة واحتلالها؟ كانت كل المعلومات التي تصل إلى الخارج تؤكد يومها أن العراقيين الذين يعيشون وضعا إنسانيا رثا هم الذين يدفعون ثمن حماقة ذلك النظام الذي استمر في إحكام قبضته الأمنية عليهم. كانوا ضحايا لقوتين، الواحدة منهما أسوأ من الأخرى. ولقد كان النظام وعلى لسان رأسه يسخر من المجتمع الدولي لأن العقوبات لم تمسه ولم تمس أحدا من أفراد نظامه بل دمرت ما تبقى من البنية التحتية التي يستفيد منها الشعب الذي صار يتضور جوعا بالرغم من أنه يقف على أرض غنية بالثروات. 
ولزيادة بالذل تم اختراع اتفاقية الغذاء والدواء مقابل النفط. 
لم تكن تلك الإتفاقية ضرورية بالنسبة للشعب العراقي الذي وصل يومها إلى مرحلة الإنغلاق على اليأس وتكيف مع الحرمان الذي لم يشكل عنصر إزعاج للنظام. لقد بدا الأمر كما لو أن الطرفين (المجتمع الدولي والنظام السياسي الحاكم في العراق) قد اتفقا على أن يُدخلا الشعب العراقي في مرحلة الغيبوبة التي مهدت للإستعداد للإنهيار العظيم. 
ما يهم هنا أن الغطاء الإنساني للجريمة كان يتسع ويضيق في سياق عطاءات لا علاقة لها أصلا بالصراع. 
كانت هناك لجان رئيسة وفرعية قد شُكلت في أروقة الأمم المتحدة كان الهدف المعلن منها تطبيق القرارات الأممية ومساعدة الشعب العراقي في عملية مواجهة الموت الرحيم. لجان للعقوبات ولجان للبحث عن أسلحة الدمار الشامل ولجان لمراقبة النشاط الاقتصادي للنظام العراقي ولجان لتطبيق اتفاقية النفط مقابل الغذاء والدواء ولجان أخرى. 
في حقيقة الأمر كان هناك جيش من الموظفين يعمل في تلك اللجان. ولقد سُعد الكثيرون بالانضمام إلى ذلك الجيش الذي كان يعيش على حساب الشعب العراقي الذي جُمدت أمواله لكي يتم استعمالها لتمويل عمل تلك اللجان. 
كانت العقوبات كذبة ذبحت شعبا وسلمته إلى هلاكه النهائي. هي جريمة كاملة ارتكبها المجتمع الدولي (هكذا يُسمى دائما بطريقة تجريدية) في حق شعب لم يكن ذنبه سوى أنه يقيم على الأرض التي يحكمها صدام حسين. هل كانت تلك الإقامة اختيارية؟ كان شعبا سجينا تعرض عبر سني حياته الماضية إلى مختلف صنوف القتل والتعذيب والاضطهاد والإخضاع والاستلاب والإذلال فكان الجميع بعثيين وإن لم ينتموا حسب مقولة صدام حسين. 
كل الدول التي شاركت في ما سمي بحرب تحرير الكويت وكانت شاهدا على الفتك الذي مارسته الولايات المتحدة بالعراقيين لم تكن مستعدة للتراجع عن الحصار الذي فُرض على العراق بموجب قرار العقوبات الأممية وهي تعرف جيدا أن النظام السياسي كان في منأى عن أي ضرر. لقد تمكنت الجريمة من الجميع. ولم يكن لدى ذلك الشعب المظلوم مَن يمثله أمام العدالة الدولية. ولكن أين تقع تلك العدالة؟ لو كانت العدالة موجودة حقا لما نجحت الولايات المتحدة في إذلال العالم ودفعه إلى المشاركة في الجريمة. 
اليوم كل تلك الدول التي ساهمت في جريمة ذبح الشعب العراقي تمهيدا للإحتلال الأميركي تساهم في فرض العقوبات على روسيا انطلاقا من كون تلك العقوبات ستحد من طموحات الرئيس الروسي وستجعله يندم على قرار غزو أوكرانيا. طبعا روسيا ليست العراق. سينتظر الأوروبيون طويلا حتى يروا جائعا روسيا بسبب العقوبات. قد لا يرونه على الإطلاق. وهو ما سيقض مضاجعهم. العقوبات على روسيا لعبة غبية. هل كانت ضرورية من أجل أن يكشفوا عن رداءة الدور الذي مارسوه يوم الحرب على الشعب العراقي؟ يومها وضعوا إنسانيتهم على الرف من أجل أن يغتصبوا أموال الشعب العراقي.    
هناك نظرة غربية غبية إلى حد كبير تقوم على أساس الاستهانة بمصائر الشعوب الضعيفة. غير أن أغبى ما في تلك النظرة يكمن في محاولة تطبيقها على أي خصم آخر كما يحدث الآن مع روسيا وهي دولة عملاقة يمكن أن يجر إزعاجها العالم إلى نهايات سيئة. 
ليس بسبب روسيا ولكن بسبب العراق ينبغي تجريم العقوبات الدولية فهي وسيلة حقيرة للإساءة إلى كرامة الشعوب التي لا ذنب لها في الصراعات السياسية.