التونسيون يستعدون لمعركة دستور الجمهورية الجديدة والإسلاميون يتربصون

الصادق بلعيد لميدل إيست أونلاين: الدستور الجديد سيكون جديرا بتونس الجديدة وسيتم من خلاله العمل على معالجة الإخلالات في دستور 2014.
ضيق الوقت سيكون التحدي الأكبر أمام لجنة صياغة الدستور التونسي الجديد
الدستور الجديد سيُعرض على الاستفتاء الشعبي في 25 يوليو المقبل

تونس - تُسرع تونس الخطى نحو رسم معالم "الجمهورية الجديدة" التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيّد. ويعتبر محللون في تونس أن أول ملامح الجمهورية الجديدة ستتوضح إبان الاستفتاء على الدستور الجديد الذي سيُجرى في الـ25 من تموز/يوليو المقبل.
وأعلنت رئاسة الجمهورية التونسية الجمعة، عن تكليف أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد برئاسة اللجنة الاستشارية المكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد سينقل تونس "من الألم إلى الأمل"، حسب تعبير الرئيس سعيّد. 
وأوضح سعيّد أن مسألة وضع الدستور الجديد تمر بمرحلتين، مرحلة الإعداد التي بدأت مع انطلاق الاستشارة الوطنية التي يعتبرها سعيّد ناجحة "رغم كل العقبات التي وضعوها". والمرحلة الثانية هي مرحلة إعداد دستور جديد تبدأ بتشكيل لجنة استشارية تنكبّ على اقتراح مشروع الدستور وتعرضه على رئيس الجمهورية، وتنتهي بدعوة سعيّد التونسيين لقول كلمتهم الفصل عبر استفتاء شعبي عام.
وهي مرحلة يعتبرها سعيّد "هنا مرحلة العمق الشعبي" مردفا بالقول "هو (الدستور) سندنا للمرور من دستور كان سيؤدي إلى تفجير الدولة من الداخل إلى دستور يعبر عن إرادة الشعب".
وكان أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد أول من دعا إلى تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان منذ ديسمبر 2020 بسبب "تعفن" الحياة السياسية وخاصة البرلمانية بالبلاد.
ولدى الاتصال برئيس "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" الصادق بلعيد امتنع عن تقديم معطيات دقيقة حول ملامح الدستور الجديد، مشيرا إلى أن اللجنة الاستشارية ستعقد ندوة صحفية خلال يومين لتعلن عن برنامج عملها.
 لكن بلعيد أكد لـ "ميدل إيست أونلاين" أن الدستور الجديد سيكون جديرا بتونس الجديدة وسيتم من خلاله العمل على "الإخلالات" التي وقع فيها دستور 2014 المعطلة أغلب فصوله من قبل الرئيس سعيّد بعد الإجراءات الاستثنائية التي أقرها في 25 يوليو الماضي.
في المقابل يعارض سياسيون ونواب سابقون بالبرلمان المنحل خاصة من الإسلاميين التابعين لحركة النهضة وتوابعها مسألة تغيير الدستور، مشددين على أن دستور 2014 بالخط الأحمر.
ويتطرق المرسوم عدد 30 لسنة 2022، الذي نشر الجمعة، في الجريدة الرسمية للبلاد (الرائد الرسمي) في بابه الخامس والأخير، إلى لجنة الحوار الوطني التي ستتولى "التأليف بين المقترحات التي تتقدم بها كل لجنة بهدف تأسيس جمهورية جديدة تجسيما للتطلعات الشعبية المشروعة" على أن تقدم اللجنة إلى رئيس الدولة التقرير النهائي في أجل أقصاه يوم 20 الشهر القادم.
واستبق رئيس حركة النهضة الإسلامية ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي المرسوم الرئاسي بإعلانه الأسبوع الماضي مقاطعة الاستفتاء ودعا أنصاره إلى عدم التصويت على الدستور الجديد. وهي مناورة من الغنوشي حسب بعض المتابعين لإضعاف الدستور الجديد وإفراغه من العمق الشعبي. 
وفور المصادقة على دستور 2014 من قبل أعضاء المجلس الوطني التونسي والذي كانت تصفه حركة النهضة الإسلامية بأنه "أفضل الدساتير في العالم"، لم يتردد الصادق بلعيد عن توجيه انتقادات عميقة لبعض فصول هذا الدستور، واصفا إياه بـ "المفخخ"، خاصة في ما يتعلق بالفصول المنظمة للعلاقات بين السلطات.
وينتقد الكثير من التونسيون النظام السياسي الذي أفرزه دستور 2014 والذي استبدل النظام الرئاسي بنظام شبه برلماني هجين يخلط بين الرئاسي والبرلماني ويوزع سلطات السلطة التنفيذية بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. وهو أمر ساهم في خلق أزمات عديدة وطويلة على مستوى رأسيْ السلطة التنفيذية عانى منها التونسيون طيلة السنوات الماضية.
لذلك يقول الخبير في القانون والرئيس السابق للمحكمة الإدارية التونسية أحمد صواب لميدل ايست اونلاين ان مسألة تغيير النظام السياسي للجمهورية الجديدة ستكون على رأس أولويات اللجنة الاستشارية كما يتبين من نص المرسوم عدد 30 فضلا عن مسائل أخرى تتعلق بـ"تكريس دولة القانون والمؤسسات والفصل بين السلطات والعمل على التوازن بينها ودعم الحقوق والحريات ودعم تطلعات الشباب".
ولم يُخف الرئيس السابق للمحكمة الإدارية التونسية مخاوفه من عدم تمكّن اللجنة الاستشارية من إنهاء عملها في الآجال القانونية المحددة، مضيفا أنه لم يتبقّ أمامها انطلاقا من اليوم إلا 23 يوما لصياغة مشروع الدستور الجديد. وهي في تقديره مهمة صعبة جدا.
وبرز بلعيد لدى عموم التونسيين ليلة 14 يناير 2011 عندما غادر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي البلاد وتم سد شغور منصب رئاسة الجمهورية بناء على الفصل 56 من دستور 1959 الذي ينص على تعيين الوزير الأول للقيام بمهام رئيس الجمهورية. بلعيد دعا وقتها إلى تطبيق الفصل 57 من الدستور بدل الفصل 56، والذي ينص على تولي رئيس مجلس النواب مؤقتا منصب رئيس الجمهورية.
وهي مسألة أثارت وقتها جدلا كبيرا في الأوساط القانونية والسياسية والشعبية التونسية، خاصة بعد أن تردد أن تطبيق الفصل 57 بدل الفصل 56 قطع الطريق على أطراف كانت تتربص بالسلطة آنذاك.
وبعد الفراغ من مسألة الدستور التي يعتبرها الكثير معركة حقيقية بين وطنيين و"لا وطنيين" كما يصفهم الرئيس التونسي، تنتظر التونسيين محطة سياسية أخرى ستكون في الـ17 من ديسمبر المقبل، موعد الانتخابات البرلمانية الذي أعلن عنه سعيّد في خارطة الطريق.