
منى لملوم تكشف جوانب من مسيرة رضوى زكي
د. رضوى زكي أكاديمية باحثة متخصصة في الحضارة والآثار الإسلامية، تشغل حاليًا وظيفة كبير باحثين بمركز دراسات الحضارة الإسلامية بمكتبة الإسكندرية، وحاصلة على درجة الدكتوراة في الآثار الإسلامية من جامعة الإسكندرية. تلقت تدريبًا في مجال التراث الثقافي من جامعة Sapienza ومركز البحوث الوطني CNR بروما - إيطاليا، وفي التراث الإسلامي من جامعة غرناطة ومعهد الدراسات العربية بغرناطة - إسبانيا.
بدأت معها الحوار من منطلق علاقتها بالبحث الأكاديمي وهل كان ضمن خطتها أم لا؟ فقالت: أنها لم تكن تطمح بعد تخرجها مباشرة للدراسات العليا أو أن تسلك المسلك البحثي الأكاديمي وإنما تطلبت طبيعة عملها بمركز بحثي متخصص بقطاع البحث الأكاديمي بمكتبة الإسكندرية ذلك، فكان أن خطت خطوات حثيثة في هذا المجال، أما عن علاقتها بالكتابة فتقول زكي أنه شيء أصيل فيها منذ صغرها، حيث كانت تكتب في كراساتها، ولم يكن ما تكتبه له علاقة بالأدب، إنما كانت البداية كلمات أغاني، وأول كتابات نشرت لها كانت انطباعاتها عن الحياة، فمثلا كتبت عن الإسكندرية وملاحظاتها عن القاهرة، كما كتبت عن مترو الأنفاق بالقاهرة.
ولهذا فهي ترى أنها تسعى دائما من خلال كتبها لتوصيل المعلومة الأكاديمية بطريقة مبسطة تناسب المتخصص الذي تسمح له المراجع المذكورة أن يستزيد في البحث ويجد مراجع يعتمد عليها، والقارئ العام غير المتخصص بالضرورة،سواء بسواء.
وتعتبر رضوى من يكتب أو من يريد أن ينشر أفكاره على الملأ سواء كان في صورة مقال أو كتاب، أو مشارك بحدث ثقافي مثل الندوات وما شابه، أو من خلال تواجده في ندوة، فيجب عليه أن يعرف كيفية الوصول إلى جمهوره المستهدف.
وهنا يتضح الفرق بين من يكتب لنفسه، ومن يريد أن تصل أفكاره للناس، لذا يجب أن نعي جدًا كيفية مخاطبة كل فئة دون فرض أسلوب واحد لا يلائم الجميع، وترى أنه يوجد عندنا فكرة مفقودة في مصر وهي فكرة الجودة، لذا فهناك فرق بين أن تصدر كتاب لطلاب الجامعة وبين أن تقدم ندوة للمجلس الأعلى للثقافة أو في مكتبة عامة.
وتؤكد على أن هذا لا يقلل أبدًا من المحتوي والمجهود الذي يقدمه الآخرون، والذين قد يبذلون مجهودا أكبر منها، ولكنهم يفتقرون إلى مخاطبة قطاع أرحب من عامة الناس، ويقصرونجهودهم على الباحثين وحسب، وتشير زكي إلى أنه من سنوات طويلة قال د. جابر عصفور: "أننا في زمن الرواية" وعلى الرغم من أننا ما زلنا في زمن الرواية إلا أنه في الآونة الأخيرة (آخر خمس أو ست سنوات) انتشرت الكتابات التاريخية بشكل واسع سواء في سياق كتب أو روايات أو أعمال درامية فهذا انتصار لفكرة الكتاب الشباب خارج الأروقة الأكاديمية.
وعن تجربتها في إعداد وتقديم البرامج كانت لها تجربة عرضت عليها من قبل فريق دكتور محمد فتحي في الموسم الثاني من برنامج اسمه "مصر من البلكونة"، وتذكر لنا فكرة البرنامج حيث كان يرتكز على النظر لمصر من سياقات متعددة ثقافية واجتماعية في عصور ليست قديمة، بل هي أقرب للعصر الحالي بسبب أن مجهود فريق العمل كان فرديًادون داعم؛ لذا لم يلقي الانتشار المأمول، وإن كان ذلك لا يمنع نجاح الفكرة ورواجها إلا أنه كان ينقصها بعض التسويق، وعلى الرغم من ذلك فقد أفادت منها وأكسبتها تلك التجربة الكثير، ولا تخفي زكي أنه وجود تخوفات لديها من التجربة بحكم عملها الأكاديمي في مؤسسة ثقافية لها مكانتها، ففكرة تقديم برنامج ليس أمرا تقليديًا للباحثين، وقد أقدمت على هذه التجربة بغرض المشاركة؛ لأنها تحب أن تشارك بأي وسيلة تستطيع من خلالها توصيل المعلومة لمتلقي من نوع آخر، وزيادة المحتوي المحترم الذي له علاقة بهوية مصر.
وعن عناوين كتبها توضح أن فكرة العناوين تهمها كثيرًا لأن الكتاب الذي تختاره تستهدف به فئتين هما، الفئة المتخصصة وتعني بهم الباحثين المتخصصين القادرين على استيعاب قدر من المعلومات المتخصصة، والفئة الأخرى التي تهمها بشكل أكبر فهو القارئ العام الذي ينجذب بصورة أكبر للروايات، فهي تستهدف أن تجذبه أيضا، لذا فلابد أن يكون العنوان وتصميم الغلاف جاذبين، ومثال ذلك كتاب مصريات عربية، والذي كانت ردود الأفعال متباينة جدًا بين عدم الفهم والإعجاب الشديد والاستنكار وهذا الشيء أعجبها، وقد نصحها بعض المقربين من المتخصصين بتغيير هذا العنوان وخاصة أن محتوي الكتاب رائع، ولكنها صممت على عنوان الكتاب وكانت واثقة أنه سيجذب القارئ، وهو ما حدث بالفعل.

وعن علاقتها بالجوائز، تذكر رضوى أن أكثر كتبها الذي لم تتوقع فوزه بجائزة، هو مصريات عربية لأنه تجربة مختلفة عن كتبها السابقة فهو أول كتاب لها تخوض من خلاله تجربة مناقشة موضوعات متعددة تدور في سياق خصوصية الهوية -العربية، فهو كتاب يدور علي فكرة معينة وداخله يتحدث على موضوعات مفصلة، والمفاجأة أيضا أنه لاقي قبولا كبير لدي القراء واهتمام من الإعلام أيًضا، وكانت زكي قد حصلت قبله علي جائزة عن كتابها إرث الحجر في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020 وسلطت عليه الأضواء حينها.
كما تجدر الإشارة هنا إلى عرض الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد لكتابها "إرث الحجر: سيرة الآثار المنقولة في عمارة القاهرة الإسلامية" في كتابه الأخير الصادر في مطلع هذا العام بعنوان "استراحة بين الكتب"، وقد أشاد المبدع السكندري والأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد في خاتمة مقاله واصفًا هذا الكتاب بقوله: "وتقف الباحثة رضوى زكي بالتفصيل عند كل أثر إسلامي بالقاهرة، مما يجعل الكتاب أشبه بالموسوعة الشاملة، بذلت فيها كثيرًا من الجهد والدراسة التي تستحق كل تقدير".
من ناحية أخري كتاب إحياء علوم الإسكندرية لم يتم تسليط الضوء الكافي عليه نظرًا لأن طبعته الأولى قد نفذت، على الرغم من وصول هذا الكتاب للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد عام 2018 فرع المؤلف الشاب، وسيتم إعادة طباعته قريبًا.
وعن استضافتها في لقاء حول الإصلاح الثقافي والذي دار الحوار فيه حول الهوية المصرية، أشارت رضوى إلى أن الهوية المصرية ليس لها مفهوم ثابت لقياسها، وكانت قد أشارت سابقًا إلى مفهوم شامل ومكتمل للهوية المصرية وهو ما تحدثت عنه في مقدمة كتاب مصريات عربية على لسان الفارابي وهو : "الهوية هي الوقوف على ماهية الشيء بشكل واضح" فمن الصعب أن نحصر الهوية المصرية في مظهر واحد ومحدد ومتفق عليه، ولكن هناك بعض المفاهيم المرتبطة بالهوية المصرية تلقي قبولاً عامًا لدى المصريين، وأشارت في حديثها عن أنواع التراث بشكل عام والذي ينقسم إلى تراث مادي وتراث معنوي، وأوضحت أنه بالطبع الاهتمام الأكبر بالتراث المادي، لأنه ملموس أكثر لوجود المتاحف والاهتمام الكبير من الدولة بفكرة التراث، إلا أنه يجب التشجيع علي فكرة الأبعاد الاقتصادية للتراث، فالبعد الاقتصادي أوسع من أن نحصره في السياحة، ونحن نأمل بعد التغيير الوزاري الجديد والذي شمل عددًا من الوزراء ومن بينهم وزير السياحة والآثار د.أحمد عيسى طهووزيرة الثقافة دكتورة نيفين الكيلاني والتي تعد من أبرز المهتمين بموضوع الصناعات الثقافية الاهتمام بالأبعاد الاقتصادية للتراث، مثل الحلي المستوحاة من تصميمات الزخارف الإسلامية فالبعد الاقتصادي لا يجب أن يرتبط بشكل أو بآخر بالسياحة فقط، فهناك مجالات كثيرة لها بعد اقتصادي مرتبط بالتراث والآثار المصرية، وفي نفس الوقت يوجد البعد الآخروهو الحفاظ علي التراث، وبطبيعة الحال يوجد خلاف دائم بين فكر الراغبين في التطوير والمتمسكين بالماضي، وهذه الإشكالية ستظل موجودة، ولكننا نحاول إيجاد حلول للتوفيق بين الحداثة والأصالة، والجمع بين التطوير والحفاظ على التراث.
وترى زكي أهمية ملف الإصلاح الثقافي في الحوار الوطني بصورة ملحة، أشمل من الاهتمام بالتراث المادي والثقافي فحسب؛ لتتضمن عملية الإصلاح الثقافي المرتقبة والتي تواكب أهداف الحوار الوطني المنشود ، في تقديم خدمات ثقافية تشمل كافة أطياف المصريين من أعمار مختلفة، وكذلك التوسع في تقديم أنشطة فنية هادفة خارج مركزية العاصمة المصرية بحيث تكون أحد المرتكزات الثقافية في كافة ربوع مصر ومدنها، التي تتعلق بالتراث أو سواء الحوار الوطني الذي تقول أنها تشرفت بالمشاركة فيه بتنسيق مشترك بيني وبين زميلي د. رامي عطا وبإشراف د. يوسف الورداني، أو في هيئة ندوات، أو إبداء الرأي والمشاركة مع صناع القرار من المسؤولين المعنيين بالثقافة في مصر،مع ضرورة البدء في التعامل مع المعنيين بالملف وسؤالهم وعمل جلسات استماع وحوار لمساعدة متخذ القرار لعدم بناء قرارامنفردا.
عادة، لا تفضل رضوى زكي الحديث عن مشاريعها المستقبلية؛ حيث أن لديها العديد من المسودات غير المكتملة في طور البحث أو الكتابة، وقد تعود إليها في وقت لاحق، ومنها الكتاب الذي تعمل عليه في الوقت الحاضر وهو مشروع من 2018 وتأمل أن يصدر قبل معرض الكتاب القادم وسيكون هذا كتابها الخامس لها، وتتمني أن ينال اعجاب الجميع وبخاصة أنها لديها تخوفًا من توقعات القراء لأعمالها القادمة عقب حصولها على جائزتين متتاليتن لا يفصلهما أكثر من عام، وقد فضلت أن تدرس مشروعها المرتقب لفترة أطول لتكون على أكبر قدر من الاستعداد والمسؤولية، كما تتطرق لمنطقة تاريخية جديدة ستكون بمثابة مفاجأة سارة للمتخصصين والقراء على حد السواء، وهو ما اختصتنا به دكتورة رضوى زكي في هذا الحوار، حيث تفصح للمرة الأولى عن مشروعها القادم..
جدير بالذكر أن د. رضوى زكي صدر لها أربعة مؤلفات وهي:
1- مصريات عربية: حكايات وملامح من تراث مصر العربية" (القاهرة: دار نهضة مصر، 2020)، و«إرث الحجر.. سيرة الآثار المنقولة في عمارة القاهرة الإسلامية" (القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب، 2019)، و"العناصر المعمارية الفرعونية المستخدمة في آثار القاهرة الإسلامية" (القاهرة: بتانة للنشر، 2019)، وكذلك "إحياء علوم الإسكندرية.. من اليونانية إلى العربية" (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2017).
وهي عضو هيئة تحرير مجلة "ذاكرة العرب" دورية علمية مُحّكمة، تهتم بالتراث الثقافي والتاريخي والحضاري للبلدان العربية والإسلامية، تصدر عن مشروع "ذاكرة العرب" بقطاع البحث الأكاديمي بمكتبة الإسكندرية. وقامت بالاشتراك في تحرير "موسوعة المزارات الإسلامية والآثار العربية في القاهرة المعزية" لمؤلفها حسن قاسم الصادرة في ثمانية أجزاء (الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية، 2018). كما نُشر لها عددًا من الأبحاث المحُكّمة في دوريات علمية وأعمال مؤتمرات دولية، فضلاً عن العديد من المقالات الثقافية في مجلات مصرية وعربية. وقد حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية - فرع التاريخ لعام 2021 عن كتاب "مصريات عربية: حكايات وملامح من تراث مصر العربية" الصادر عن دار نهضة مصر.
كما فاز كتابها إرث الحجر - سيرة الآثار لمنقولة في عمارة القاهرة الإسلامية بجائزة أفضل كتاب في مجال الفنون في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال 50 لعام 2020. وقد رُشح كتابها "إحياء علوم الإسكندرية" في القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد – فرع المؤلف الشاب لعام 2018.