أحمد سويلم... خمسون عاما من الشعر والمسرح الشعري

ملامح نبوغ شاعرنا المصري ظهرت منذ الصبا، فقد كان سببا في تفجير ثورة طلابية بمدارس بلدته بيلا بمحافظة كفر الشيخ، وقد كان ذلك عام 1958 اعتراضا منه على سياسات عبد الكريم قاسم بالعراق.
توقف أنشطة كيانات ثقافية كبيرة وناجحة هو كارثة ثقافية لم تحدث في تاريخ مصر
الأجيال السابقة غرست فينا مسؤولية دعم المواهب الشابة

ظهرت ملامح نبوغه الشعري منذ الصبا، فقد كان سببا في تفجير ثورة طلابية بمدارس بلدته بيلا بمحافظة كفر الشيخ، وقد كان ذلك عام 1958 اعتراضا منه على سياسات عبد الكريم قاسم بالعراق، فكتب قصيدته “خطاب مفتوح إلى (قاسم) العراق”، لتتفجر معها موهبته الشعرية وروحه الوطنية وشخصيته القيادية.

هو الشاعر الكبير أحمد سويلم، الذي صدر له أول ديوان عام 1967 بعنوان “الطريق والقلب الحائر”، ثم توالت كتاباته بين شعر ودراسة ومسرح شعري وكتابات للطفل، حتى بلغ إجمالي إصداراته 108 كتاب، وهي موزعة كالتالي 29 عملا شعريا، 5 مسرحا شعريا، 36 دراسة، و38 كتابا للطفل، وكان لي معه هذا الحوار بداية من طفولته في بلدة بيلا ونشأته الاجتماعية مرورا بكتاباته للطفل وصولا لدعمه للمواهب الشابة.

عاش سويلم طفولته ببلدة بيلا بمحافظة كفر الشيخ وتعلم بمدراسها الابتدائية والإعدادية والثانوية، وكان الحس القومي هو الرابط المقدس بينه وبين هذا الوطن الحبيب، وكانت ثورة 23 يوليو مفجرًا لطاقاتههو وزملائهاللاواعيةوالوطنية.

ومن خلال هذه القيم تجلي الشعر على لسانه، وجعله لا يترك مناسبة وطنية أو حدثًا سياسيًا إلا ويسرعإلى الإذاعة المدرسية ليلقيه بحماسة ووطنية على زملائه في طابور الصباح، وعُرف حينها بشاعر المدرسة.

وفي عام 1958 كان مهمومًا لما يحدث في العراق على أيدي عبد الكريم قاسم وأعوانه فكتب "خطاب مفتوح إلى (قاسم) العراق" وكان يعني أنه قسمه بعد أن كان موحدًا، وكان مطلع القصيدة: يا قاسم التوحيد يابئس الأعادي، والجناة قسمت أحرار العراق وسرت أزكي دماه، وقد أدرك حينها أنه لو عرضها على مدرس اللغة العربية الذي كان مسؤولا عن الإذاعة المدرسية حينها لرفض إلقائها، لغموض ما يحدث في العراق ولهذا تسلل إلى الإذاعة وألقى القصيدة بحماسة قوية، وحينما انتهى سمع هتافات زملائه في فناء المدرسة يهتفون ضد عبد الكريم قاسم ويخرجون من المدرسة في (مظاهرة) صاخبة، فأسرع إلى الانضمام إليهم ومروا على كل مدراس بيلا وأخرجوا التلاميذ لينضموا إليهم، وظلوا طوال اليوم في هتاف وخطابة في كل مكان في البلدة إلى آخر النهار.

وفي اليوم التالي استدعاه ناظر المدرسة وسأله لماذا لم تعرض القصيدة على مدرس اللغة العربية، فادعى أنه لم يكن موجودًا المهم أن العقاب كان حرمانه من الإذاعة أيامًا؛ لأن أمن كفر الشيخ جميعًا كان في المدرسة طوال اليوم.

يسترسل سويلم فيقول أنه بالطبع كان سعيدًا أن قصيدة له أقامت (ثورة) طلابية،وبكل الفخر يقول أنه هكذا كان جيله الذي فتح عينيه على التغيرات السياسية والاجتماعية، وكان متمسكًا بانتمائه الشديد، الذي فجر ما في داخله منطاقة إبداعية، أخذت تتشكل وتتطور وتواكب هذه التغيرات حتي يومنا هذا.

ولظروفه الاجتماعية تأثيرا ودورا يذكره لنا سويلم، حيث قد طبعت حياته كلها بطابع الجدية، فقد توفي والده وهو لم أبلغ العاشرة من عمره وهو أكبر إخوته الثلاثة، وأمه رحمها الله رفضت أن تتزوج بعد أبيه لكي تتفرغ تمامًا لتربيتهم.

فأحسبا لمسئولية منذ الصغر، وحينما حصل على الثانوية العامة رحل مع أسرته الصغيرة إلى القاهرة، حيث التحق بالعمل في دار النشر الذييملكها خاله رحمه الله (محمد المعلم)، وأكمل دراسته في كلية التجارة وهو في العمل.

ولم يهجر الشعر، بل جعلهيتوقف أمام المدرسة الجديدة وينهل منها ومن روادها ونقادها الكثير ومن ثم وضع ما كتب في بيلا في ملف وكتبعليه (ما قبل التاريخ) كان ذلك في منتصف عام 1959، وكان لابد أن يعيد بناء موهبته وطاقته وثقافته من جديد.

وخلال ثلاث سنوات وكان كل شئ يتعلق بالإبداع قد اكتمل داخلي، أما عن دخوله الساحة الشعرية فقد بدأت بنشر أولقصائده عام 1963 في مجلة في بيروت، وكانت فرحته كبيرة حينما رآها منشورة إلى جانب شعراء كبار وكانت هذه القصيدة بطاقة العبور إلى المجلات والصحف المصرية.

وفي عام1967 أشار عليه أصدقائه بنشر أول ديوان له؛ فقدمه إلى دار الكاتب العربي - هيئة الكتاب حاليًا – وبالبطبع خضع للفحص الدقيق من ثلاثة نقاد كبار، وهو ديوان "الطريق والقلب الحائر".

ويشير سويلم إلى أنه لم يكتف بصدور الديوان، لكنه أسرعإلى إذاعة البرنامج الثاني (البرنامج الثقافي حاليًا) وإلى البرنامج الشهير "مع النقاد" وطلب من مقدم البرنامج مناقشة الديوان، اندهش مقدم البرنامج وقال: "إن برنامج مع النقاد لا يناقش الديوان الأول، وهناك برامج أخري مخصصة لذلك.

ولكن الشاعر الشاب -حينها- الواثق فيما كتب لم يقتنع بما قاله مقدم البرنامج وصمم على مناقشة الديوان في هذا البرنامج،وربما أراد أن يتخلص من إلحاح الشاعر صاحب الديوان الأول، فسأله عمن يريده أن يناقش ديوانه، ليفاجئ بما هو أكبر، حيث طلب منه سويلم أن يناقشه الناقد الكبير د. عبد القادر القط والشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، الأمر الذي زاد دهشة المذيع الذي ابتسم ابتسامة غامضة، وطلب منه ثلاث نسخ من الديوان ليعلق الأمر برمته على موافقتهما.

وكانت المفاجأة وهي موافقة الأستاذان الكبيران على المناقشة، مما أثار فضول المذيع ليسأله، ماذا لو لم يوافقا على مناقشتك؟ليجيب سويلم أنه كان سيتوقف عن كتابة الشعر، لأن أكبر ناقد وأكبر شاعر لم يعترفا به.

أما عن كتاباته للطفل فأشار سويلم إلى أنه في داخل كل شاعر طفل مشاكس، وأنهاستجاب لهذه المشاكسة في عام ،1980 عندما كانت ابنته ريهام في الثامنة من عمرها، وأراد أن يحضر لها بعض قصص الأطفال، فلاحظ أن تراثنا العربي العريق غائب عن الطفل، فرأى أن يجرب، وكتب خمس قصص من ألف ليلة وليلة، نشرتها دار الشروق بقطع (50 ×30)، وبرسوم بديعة من الفنان الراحل مصطفي حسين، تلقى بعدهااتصالًا هاتفيا من مستشارة وزير التربية والتعليم (د. كامليا عبد الفتاح) تطلب منه كتابة أشعار لأطفال ما قبل المدرسة.

لتندهش الدكتورة كاميليا حينما أخبرها أنه سيكتب لهم بالفصحي،بل وأخذ الموضوع كتحدي لنفسه، فطلب منها أن تعيد له كل النصوص إن لم تجد فيها ما يناسب المرحلة العقلية للأطفال،وبالفعل كتب نحو خمسين نصًا، صارت دليلًا للمعلم لسنوات طويلة.

وبعد نجاح هذه التجربة، وجد الشعر يجذبه إليه جذبًا، إلى جانب بعض الأعمال القصصية المستمدة من التراث مثل: حكاية الفرعون الصغير (7 حكايات من تراث مصر القديمة في مجلد واحد)، طفولة عظماء الإسلام (7 كتب) – سير وملاحم عربية (جزاءن) أشهر الأساطير والملاحم العالمية والأمثال والحكايات وغيرها.

أما الشعر فلم يترك مرحلة عمرية حتي (سن 18 عامًا) إلا كتب لها ديوانًا أو أكثر، وقد سعد باختيار بعض أعماله في المرحلة الإعدادية، كما كتب المسرح الشعري للأطفال، ويعتقد سويلم أن الكتابة للأطفال أصعب كثيرًا من الكتابة للكبار، أما مستوي اللغة، فتأتي في مقدمة هذه الصعوبات، من البساطة إلى التعقيد، والقابض علي لغته قبضًا جيدًا يستطيعببساطة اختيار المستوي اللغوي المناسب لأي مرحلة عمرية بلا صعوبة، وإلى جانب المستوي اللغوي تأتي الفكرة المبتكرة والمضمون التربوي والثقافي المناسب والخيال والصورة والقيم الإيجابية المختلفة.

وفي عصر التكنولوجيا لابد لكاتب الأطفال أن يعيش هذا العصر ويكتب ما يناسب طفل اليوم إلى جانب جذبه إلى هويته وانتمائه العربي.

وأكد سويلم على يقينه أن الإبداع لا يتوقف، بل يتطور، وبه تجارب متنوعة متجاوزة، وهذه سنة الحياة.

وأشار إلى أن جيله استفاد كثيرًا من الأجيال السابقة عليهم، الذين غرسوا فيهم المسئولية نحو الأجيال التالية عليهم، وأكد أنه أحد الذين استجابوا بقوة في دعم المواهب الإبداعية للشباب ومتابعتها بالنقد والمناقشة ونشر إبداعهم بسعادة وحماسة، خاصة وأنه لكل جيل تجربته الخاصة التي تختلف عن تجارب من سبقه من الأجيال؛ ولهذا فحينما يجد صوتًا مختلفًا يسعد به ويظل يتابعه ويشجعه على شق طريقه وإفراغ تجربته الإبداعية.

ولم يشر سويلم إلى أسماء بعينها ممن يملؤون الساحة الإبداعية من الشعراء الآن، ولكنه أكد أنهم حققوا هذا النجاح بجهدهم واخلاصهم لهذا الفن الجميل، وبالطبع كان  هناك شعراء تمنى لهم الاستمرار لكنهم إما تكاسلوا عن بذل مزيد من الجهد، أو تحولوا إلى فنون الكتابة الأخرى الأقل صعوبة، والتي لا تحتاج هذا الجهد.

أما حين يجد موهبة ضعيفة، فيبدأ بنصح صاحبها بالقراءة والمحاولة وعدم التعجل، وقد يستجيب، وقد يضيع في دروب النسيان.

ولشاعرنا الكبير قصة طريفة مع الجوائز، فقد كان مقتنعًا ومازال أن الجائزة لا تصنع الشاعر،

وفي عام 1977 كان له سبعة دواوين لم يتقدم بأي منها إلى أي جائزة، حيث قال لنفسه أنه لا يطمع في أي جوائز المهم عنده أن يستمر ويضيف في إبداعه، ليرد عليه الناقد الكبير:ارفض كما تشاء، لكن الجائزة لابد أن تكون في تاريخك، تقدم بديوانك "الشوق في مدائن العشق" وستفوز إن شاء الله.

لتبدل هذه الإجابة قناعته، ويتقدم للجائزة ويحصل عليها،ولتتوالى جوائز الدولة بعد ذلك، جائزة التفوق 2006 والجائزة التقديرية 2015 وهناك ترشيح لجائزة النيل.

ويؤكد سويلم أن سعادته بجوائز دولته مصر أثمن كثيرًا من أي جائزة عربية أخري.

أما عن باقي التكريمات، فهي كثيرة لا تقع تحت حصر تأتي كلها تقديرًا لإبداعه الذي بلغ خمسين عامًا بين الشعر والمسرح الشعري والدراسات النقدية والكتابات الموجهة للطفل.

ويشير سويلم إلى أهمية حضور الفعاليات الثقافية، والتي يحرص عليها نظرا لأهميةالتواصل المتبادل والاستفادة المتبادلة، خاصة وأن ذلك يجعله يقف بصدق على مسيرة الإبداع، ويجعلهيكتشف أصواتًا جديدة سرعان ما يتابعها ويدعوها إلى المشاركة في الأمسيات الشعرية في لجنة الشعر التي يرأسها.

والأمر منوط بقيمة هذا الفعالية، وما إن كانت تستحق أن يشارك فيها أم لا، فهناك كثير من الفعاليات  والصالونات التي تعقد لمجرد الشهرة والدعاية، وروادها من أنصاف المواهب،ولا يحب سويلم أن يورط نفسه في مثل هذه الفعاليات بل يحسب خطاه حسابًا دقيقًا حينما يستجيب لأي فعالية.

طقوس الكتابة (كلاسيكية)

أما بخصوص ما يتعلق بطقوسه للكتابة، فإنه يرى ببساطة أن أجمل تلك الطقوس تتمثل في الجلوس إلى مكتبه في بيته، ويكتب بقلم جاف أسود على ورق أبيض ناصع بلا سطور.

وهذه الطقوس تشعره بالحرية في الإبداع، وتختلف الحال حينما يكتب قصيدة عن الحال حينما يكتب دراسة أو للأطفال.

فكتابة القصيدة لابد أن ينتهي منها في جلسة واحدة، ثم يتركها لساعات حتي يستعيد حالته العادية،ثم يعود إليها – قارئًا وناقدًا- يحف منها ويصلح فيها ويضيف.

ويظل كذلك حتي يشعر بقربها من الاكتمال فيكتبها بخط جميل على ورق صاف بلا سطور، أما إذا كانت جلسته كتابة دراسة مطولة يضمها كتاب،فيكون مكتبهمكتظ بالمراجع والمصادر المتعلقة بهذه الدراسة،وقد تستغرق الكتابة شهرًا أو أكثر حتي يكملها، ويظل اهتمامه ليل نهار بإنجازها دون غيرها حتي ينتهي منها.

وكذلك الحال في المسرحية الشعرية للكبار وللصغار، فهي تستغرق وقتًا أيضًا.

توقف أنشطة كيانات ثقافية كبيرة وناجحة هو كارثة ثقافية لم تحدث في تاريخ مصر.

وعن موقفه ورأيه من استعادة القصور والمباني، التي كانت صرحا ثقافيا كبيرا، مثل أتيليه الإسكندرية وقصر السينما، فيرى سويلم أن ما يحدث بالفعل كارثة ثقافية لم تحدث على مدي التاريخ في مصر، فهذا أتيليه الإسكندرية الذي كان منارًا ثقافيًا متميزًا، يسترده أصحابه ليعلوا برجًا سكنيًا.

وهذه دار الأدباء التي ظلت نحو ستين عامًا تقدم الثقافة والأدب والإبداع ويتوالي على رئاستها عمالقة الفكر والأدب، ثم تفاجأ بصدور حكم قضائي باستردادها لورثة عبد الرحمن فهمي أحد ثوار 1919.

وهذا نادي القصة ينال نفس المصير، والبقية تأتي، والدولة مكتوفة الأيدي وقد كتب يومًا يقترح على وزارة الثقافة جمع هذه الكيانات الأدبية في مجمع واحد حتي تمارس أنشطتها ولا تتوقف فلم يستجيب أحد، وكأن هناك قصدية ممنهجة لتوقف نشاط هذه الكيانات الناجحة.