منظمة شنغهاي.. "منظمة الدول المتناقضة"

قد تكون منظمة شنغهاي اتحاداً اقتصادياً ممتازاً، لكنها لن تكون حلفاً عسكرياً وأمنياً متجانساً كحلف شمال الأطلسي.

مع انعقاد قمة منظمة شنغهاي والقول إن هذه المنظمة هي الند لحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي وتهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2016 بالانضمام إليها بدلاً من الاتحاد الأوروبي، وصفت مراكز دراسات غربية المنظمة في حينها بأنها "نيتو الشرق" باعتبارها أكبر كتلة مناوئة للولايات المتحدة في المنطقة ولاسيما مع وجود أربع قوى نووية مهمة بينها وهي الصين وروسيا والهند وباكستان. لكن هل هذه القوى على قلب رجل واحد؟ الجواب: بالتأكيد لا، ولا يمكن أن تتحول هذه المنظمة إلى "منظمة دفاع " مناهضة لحلف شمال الأطلسي لوجود العديد من التناقضات.

أولاً: عندما يُقال إن منظمة شنغهاي تضم نصف البشرية، فهذا لا يعني أنها منظمة قوية بقوة نصف العالم، فالمنظمة تضم دولاً مثل الصين والهند الجارتين المتنافستين والمختلفتين في كل شيء والخلاف الأساس على هضبة التيبت ما زال قائماً، وهذا يعني أن وجود الهند في هذه المنظمة شكلياً وليس فعلياً كما هو في منظمة البريكس. فالهند لا يمكن أن تقف مع الصين ضد الولايات المتحدة والدليل على ذلك أن الهند عضو في تحالف "كواد" الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان والذي أُطلق العام 2004 لمواجهة إعصار تسونامي الذي ضرب أندونيسيا، ومن ثم تحول بعد ثلاث سنوات لمواجهة توسّع نفوذ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وقد شهد هذا التحالف تقلّبات في السنوات الماضية لكنّه اكتسب زخماً جديداً في أعقاب اشتباكات حدودية بين الهند والصين في 2020 وبعد تصعيد في المواجهات الدبلوماسية والتجارية بين كامبيرا وبكين.

 أيضاً الهند لم تنضم إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة "RCEP".. "اتفاقية التجارة الحرة" التي وقعتها الصين في 15/11/2020 مع دول رابطة آسيان واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزلندا، والتي تعتبر أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم.

 ثانيا: هذه المنظمة تضم باكستان وهي على علاقة وثيقة مع الصين، وعلى نزاع دائم مع الهند من أجل إقليم كشمير فكيف لهاتين الدولتين أن تُعطيا قوة للمنظمة؟ أعتقد أن وجودهما في المنظمة يُضعفها ولا يقويها.

ثالثا: تركيا قدمت طلباً لتصبح عضواً كاملاً في المنظمة بعدما قُبلت كشريك في الحوار، وهي عضو في حلف الناتو، فكيف يمكن لتركيا أن تضع رجلاً في حلف الغرب، ورجلاً في حلف الشرق؟

رابعاً: للعلم إيران أصبحت عضواً كامل العضوية في منظمة شنغهاي في أيلول/سبتمبر من العام 2021 وبدعم كبير من روسيا والصين، وفيما إذا قُبل طلب إسرائيل لتًصبح شريكاً في الحوار في هذه المنظمة، فإنها ستكون هي وإيران في منظمة شنغهاي! وما ينطبق على إيران وإسرائيل قد ينطبق على أرمينيا وأذربيجان المقبولتين كشريكتين في الحوار في المنظمة.

وهذا لا يشكل قوة للمنظمة وإنما ضعفاً، فالمنظمة تضم دولاً متناحرة تدبر المكائد ضد بعضها، وتستعد لشن الحروب ضد بعضها الآخر، فهل هذه منظمة تمثل حلفاً؟ أم منتدىً لأمم متحدة مصغرة؟

عندما بدأت المنظمة في العام 1996 كانت تضم خمس دول منسجمة هي الصين وروسيا وطاجكستان وكازخستان وقرغيزستان اتفقت هذه الدول الخمس في حينها على تعميق الثقة العسكرية والاستخباراتية وأمن الحدود.

ولعل القول إن المنظمة تتبنى عدداً من الأهداف منها تعزيز الثقة المتبادلة وسياسة حسن الجوار بين الدول الأعضاء، يؤكد أن هذه الأمور ليست موجودة بين دول بعينها مثل الصين والهند، والهند وباكستان، وإيران وتركيا، ومن هنا يكمن ضعف هذه المنظمة، فهي أيضاً تضم دولاً تدعم الإرهاب بطريقة أو بأخرى، أو لنقل بأن دول منظمة شنغهاي لا تنظر بعين واحدة إلى مفهوم الإرهاب.

قد تكون منظمة شنغهاي اتحاداً اقتصادياً ممتازاً، لكن لن تكون حلفاً عسكرياً وأمنياً متجانساً كحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولن تحل يوماً محل "حلف وارسو" الذي أنشأه الاتحاد السوفيتي البائد في حينه، كما أن كلام كل من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جي بينغ عن عالم متعدد الأقطاب أعتقد أنه يفتقد للواقعية للسببين. الأول، ما تكلمنا عنه فيما سبق؛ الثاني، أن الدولار ما زال هو العملة المهيمنة في العالم ولن تُفلح كل المحاولات الصينية والروسية في إزاحته، ومن يراقب تراجع اليورو وارتفاع قيمة الدولار يعرف أن من يطبع الدولار ويربط سعر البترول به هو من يُهيمن على العالم، وهذا ما يؤكد أننا لم نخرج حتى الآن من "عالم القطب الواحد" وأن ما تقوم به الصين وروسيا مجرد محاولات للوصول إلى "عالم متعدد الأقطاب"!