دمشق تسامح حماس كرمى فلسطين
ربما كان البعض يتوقع عودة حركة حماس إلى سوريا منذ فترة بعيدة ولاسيما أن قادة الحركة امتنعوا عن التصريحات العدائية ضد الدولة السورية، لا بل ذهب بعضهم منذ الثلاثين من ديسمبر/كانون أول 2020 لإدانة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، وهذا ما اعتبره كثيرون تمهيداً للتقارب مع سوريا. بدورها الحكومة السورية لم تتوقف يوماً عن إدانة الاعتداءات الاسرائيلية على قطاع غزة، واستمرت في إعلان وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولم تصنف حماس حركة إرهابية يوماً، وإن كانت في وسائل إعلامها الرسمية شنت حملات إعلامية عنيفة عليها باعتبارها وقفت إلى جانب تركيا والمنظمات الإرهابية الأخرى التي حاربت الدولة السورية.
لكن لابد من التوقف عند أمور عدة. الأول: أن زيارة وفد من حركة حماس إلى سوريا يأتي ضمن وفد للفصائل الفلسطينية، وأن الزيارة ليست خاصة بحماس وحدها ما يؤكد أن الحركة وإن خرجت عما يُسمى "محور المقاومة" ووقفت إلى جانب منظمات إرهابية في الحرب ضد الدولة السورية، وخان قادتها دمشق وعلى رأسهم خالد مشعل وبصقوا في الصحن الذي أكلوا منه، إلا أنهم وبحكم عدائهم العلني لإسرائيل قادرون على العودة إلى دمشق من باب ما يُسمى "محور المقاومة" باعتبار أن إيران التي تُسلح حماس هي على علاقة ممتازة مع سوريا ومع حركة حماس معاً وصديق صديقي هو صديقي أيضاً كما يقال.
الثاني: أن صمود دمشق وانتصارها على أعدائها ببقائها دولة ذات سيادة، وإن كان هناك الكثير من المساحات ما زالت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام - النصرة سابقاً – أو ما يُسمى "الجيش الوطني" لكن الكل خاضع لأوامر الاحتلال التركي، كما هي "قسد" واقعة تحت الهيمنة الأميركية، وهي التي تساهم بسرقة النفط والقمح، وتسعى للانفصال عن الدولة السورية تحت أي مسمى، إلا أن الحكومة السورية ما زالت قائمة، ولا زالت هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها.
قد يقول قائل: إن التقارب السوري التركي، أو لنقل المحادثات الاستخباراتية بين دمشق وأنقرة لا بد أن يكون لها دور في التقارب بين كل من دمشق وحماس. ربما يكون هذا صحيحاً، لكن هل ثمة عداوة دائمة؟ أليست حماس في النهاية فصيلاً من الفصائل الفلسطينية، ودمشق لم تعلن يوماً تخليها عن دعم القضية الفلسطينية.
أيضاً يمكن الأخذ بالحسبان أمرين آخرين. الأول: زيارة وفد فلسطيني إلى موسكو برئاسة اسماعيل هنية في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول الفائت ولقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. الثاني: التقارب السوري التركي والإعلان عن مفاوضات استخباراتية بين الجانبين ومنها زيارة رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان إلى سوريا، كما أعلنت وكالة رويتر في السادس عشر من أيلول/سبتمبر الفائت.
إذن زيارة وفد حماس إلى سوريا ليست إلا انعكاساً للإنفراج الحاصل بين تركيا وسوريا من جهة، وانعكاساً أيضاً للتفاهمات الحاصلة بين دول مسار آستانا من جهة أخرى.
ومن هنا يمكن القول إن حركة حماس الإخوانية وإن كانت فصيلاً فلسطينياً موجوداً على الساحة الفلسطينية وظاهرياً يقاتل إسرائيل، إلا أنها في النهاية ليست إلا دمية تحركها دول إقليمية كما تشاء! وعلى رأس هذه الدول كل من تركيا وقطر وعندما يتحرك رأس الأفعى اتجاه دمشق لا بد أن يتحرك الذيل.