رحلة انطونيو غوتيريس إلى العراق ومغناطيس الكذب
في تعليقه على الاجتياح الروسي لأوكرانيا قال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس "إن العالم في خطر كبير".
وحين يقوم غوتيريس نفسه بزيارة العراق فإنه يقوم بذلك من أجل تقديم الدعم لحكومة الإطار التنسيقي الموالية لإيران ولا يفكر في أن الشعب العراقي في خطر.
ومن الضروري هنا تذكير غوتيريس بأن ممثلته في العراق كانت قد أكدت قبل أشهر أن النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي أو حتى أسوأ من ذلك. إنهما يعملان بنشاط ضدها. وأضافت "إن إبقاء المنظومة كما هي سوف يرتد بنتائج سلبية عاجلا وليس آجلا".
كانت هناك دعوة أممية صريحة جاءت على لسان العلوية بلاسخارت كما يسميها العراقيون لتغيير المنظومة وليس استبدال الأفراد بأفراد آخرين من المنظومة نفسها.
كانت بلاسخارت تتكلم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة غير أنها كانت توجه كلامها مباشرة إلى رئيسها.
والآن يذهب غوتيريس لمباركة بقاء المنظومة، بل أسوأ مَن فيها. ما معنى هذا السلوك؟
لطالما شعر الشعب العراقي بأن العالم قد تخلى عنه. فمنذ أن فُرض الحصار الظالم عليه منتصف عام 1990 لم تعد كذبة "المجتمع الدولي" تنطلي عليه. فلا وجود لذلك المجتمع. عبارة تجريدية يُراد منها التغطية على تحكم الولايات المتحدة بمصائر الشعوب. وحين أطلق وزير الخارجية الأميركي كولن باول كذبته الشهيرة عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل عام 2003 فإنه لم يطلقها عبر وسائل الإعلام الأميركية أو في البيت الأبيض، بل في مجلس الأمن وكان الجميع يعرفون أنه يكذب غير أنهم لم يستطيعوا أن يمنعوا وقوع الحرب بالرغم من أن الولايات المتحدة فشلت في استصدار قرار دولي يبيح لها غزو العراق واحتلاله.
وبالرغم من أن باول عاد بعد سنوات واعترف أنه كان يكذب فإن أحدا في المؤسسة الدولية لم يعلن عن أسفه لما آلت إليه أمور مؤسستهم وبالتأكيد فإن أحدا لم يعتذر من الشعب العراقي بسبب ما تعرض له من ظلم.
في تسعينات القرن الماضي كانت فرق التفتيش الأممية تصول وتجول في العراق بحثا عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة وكل العاملين فيها يعرفون جيدا أنهم يطاردون وهما، غير أن ذلك البحث لم يتوقف. أما حين أعلن الفريق الأخير عن يأسه من العثور على تلك الأسلحة فإن تقريره تم طيه والتكتم على نتائجه من غير أن يتعرف العالم على الحقيقة.
وما لا يُنسى للأمم المتحدة أنها حين استشعرت أن الشعب العراقي على وشك الانزلاق إلى مجاعة كبرى دلتها عبقرية خبرائها إلى برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء. كان اختراعا فيه الكثير من الإذلال للشعب العراقي كما تخلله الكثير من الفساد حيث كان الموظفون الأمميون العاملون في البرنامج يستهلكون جزءا لافتا من الأموال العراقية المخصصة له.
لم تكن الأمم المتحدة محايدة في التعامل مع المسألة العراقية يوما ما ولم تكن معنية بإرساء السلام في ذلك البلد الذي دمرته الحروب. ولو عدنا إلى الماضي فإن الكثير من الشبهات تحوم حول موقف المنظمة الدولية من الحرب العراقية ــ الإيرانية التي استمرت ثمان سنوات بالرغم من أن العراق كان قد وافق على قرار إيقافها بعد أسبوعين من بدئها. لم تتخذ المنظمة التي أُسست من أجل السلام أي إجراء رادع ضد الطرف الذي كان مصرا على استمرار تلك الحرب العبثية التي دفع ثمنها شعبا الدولتين.
اليوم يذهب الأمين العام للأمم المتحدة إلى بغداد ليلتقي الفاسدين وزعماء الميليشيات الموالين لإيران الذين دعت ممثلته في بغداد إلى رحيلهم عن الحكم، كونهم السبب في انهيار العراق شعبا ودولة واقتصادا ومؤسسات. فهم الذين قادوا الحروب الأهلية وهم الذين مزقوا النسيج الاجتماعي العراقي وهم الذين وضعوا ثروات العراق في خدمة المشروع التوسعي الإيراني بكل ذيوله الارهابية وهم الذين قتلوا المحتجين السلميين وارتكبوا جرائم لا يزال بعضها مسكوتا عنه.
هل يكفي أن نقول إن الأمين العام يخون وظيفته لكي تكون الحقيقة كاملة؟ ذلك ليس صحيحا. فالرجل انما ينفذ حرفيا ما تمليه عليه وظيفته. كان كولن باول قد كذب واعترف بكذبته قبل موته مخافة أن يواجه ربه وهو كاذب غير أن الكذب لا يزال هو المقياس في النجاح في معالجة المسألة العراقية. ما يقوم به غوتيريس في العراق هو الكذب بعينه.