أحمد عكو ومحاكاة لأحاسيس مضرّجة بالمكان

التشكيلي اصيل عامودا لم يلهث للأضواء ولم يتجاوز حدود البلاد إلى بلاد أخرى كما فعل الكثيرون، بقي يعمل بصمت مدقع يندد بالقبح كثيراً ويُهلّل للجميل كثيراً أيضاً.

أحمد عكو (1955- عامودا) لم يلهث للأضواء، ولم يتجاوز حدود البلاد إلى بلاد أخرى كما فعل الكثيرون، بقي يعمل بصمت مدقع، يندد بالقبح كثيراً ويُهلّل للجميل كثيراً أيضاً.

عكو غير قادر على إخفاء أريجه الذي يفوح بالمكان، أريج أعماله ذات الصِّلة الدقيقة بحقيقة مكنوناته الداخلية حيث أحاسيسه مضرَّجة بالمكان الذي يستنشقه طويلاً، وهو لم ينحاز إلى مظهر الأشياء وسطوحها المرئية بقدر إنحيازه إلى أعماق النفس الإنساني .

ولهذا جاءت الكثير من أعمال عكو محاكاة لعوالم تفصيلاته الداخلية، محاكاة لتلك الأحاسيس في إيقاعاتها المتصاعدة بقيمها الجمالية وفقاً مع توتُّر ذاكرته بوضعها المتخطية لمرحلة طويلة من التهكم، بإختراق الحكايات الكبرى التي تقربه من بوابات أفق يدرك عكو بأن كسرها وتجاوزها أمر لا مفر منه بمستوياتها المختلفة دون أي تبديد في رصيده الفني، فهو وبإملاءات وترسيخ لغة بصرية لديه تتيح له خلق ما يضفي طابع جمالي محلي غالباً على منتجه مع إستمرار الإستغراق في المشاهد التي يبلغها، فهو لا يستطيع حصر إستغراقاته في زوايا ضيقة من العمل بل يسردها في الجهات كلها فتصبح المساحات أمامه مفتوحة ليسرد عليها تفصيلاته الجميلة على ضوء رؤية إبداعية لا تغيب عنها ما تثيره من أسئلة جوهرية دون إطلاق ما يمكن أن يعرقل محاولاته البحثية.

اذ يسعى عكو إلى جعل اللون زاده الفني الأجمل وضمن مسافات يفعل فيها ما يفهم المتلقي بأنه يؤسس لمرحلة بغيضة حيث الحروب والصراعات غير المستقلة وغير المستقرة وحيث كل شيء في البلاد ينقسم على نفسه بدءاً من المكان والأحزاب ومروراً بالناس والرايات، فالمآثر لا تعد حسب نشرة الأخبار.

وسط هذه الجعجعة من الحالة وحيث المجاورة بين الأضداد يبحث عكو عن صوته الإبداعي لا كنوع من التلامس مع ثقافة التداول فهو ينطلق من رؤية تعتمد الإشتباك العميق بين جدولة المحاولات التي تحرّض المتلقي على التفكير والتأمل وبين الواقع بإضافاته الدينامية والمتفاعلة ضمن قوى هي التي تشكل بؤرة الحراك الجدلي في مجمل مكونات خطابه الفني الجمالي.

وإذا أردنا إصطياد اللحظات المحتدمة في عمله علينا الإلحاح في تحديد شبكة العلاقات الفنية بين مفرداته والتي بها ندرك طريقة نسجه لتلك الشبكة وبالتالي الوقوف على الكيان الذي أنتجه عكو، فهو ينتقل بين أصوات كثيرة في غير نظام متسق ولا ترتيب، نظام فيه الطابع التجريبي الذي يمزج بقليل من عبثية الإمتهان وإن بحرارة متفاوتة.

وإذا كان عكو يسترد وعيه المحمول على الهواجس عبر مرآة الذات فإنه بذلك يحضر صرخات مشاهده وعذابات ما يتراءى من إزدحام حين يحاول تجاوز المألوف كتوطئة لجر العصب الحساس للتقنية التي بها يواجه مشاهده ويختزل الزمن وعودته في ذلك الإستبصار كمظهر للوعي التاريخي بالوجود مع تقبل أهمية التقنيات التي يلجأ إليها وقد عرف عنه الرغبة الدائمة في الإكتشاف والبحث الدؤوب عن الصيغ الموازية للحالة المتاحة في تلاوة الرهافات الجمالية اللافتة والتي ستغدو على نحو دائم خلق مشاهد بصرية تنتمي إلى محاكاته الإيقاعية بما يلائم إبداعه، فهو يفصّل لنا جوانب كثيرة من تجلياته التي هي بمنزلة إنموذج لآماله الكثيرة والتي يشدّد فيها جوانب مهمة من تبايناته النسبية في إطار من منظومة قيمية جمالية.