رفيقة حواس تدعو للاستغراب بطعم الفوضى

الفنانة التشكيلية تقدم أعمالا تعتمد على الأشكال الهندسية والخطوط المتداخلة، مما يخلق فضاءات مليئة بالحركة والتعبير البصري وتستخدم تقنيات إبداعية لتجسيد حالات إنسانية معقدة، مستندة إلى رموز وزوايا تحمل دلالات جمالية وتأملية.

"كل شيء في الطبيعة يُبنى على أحجام مختلفة: المكعب، الأسطوانة، المخروط، جذع المخروط." تذكرت هذا القول لبول سيزان وأنا أقف أمام أعمال الفنانة التشكيلية التونسية رفيقة حواس، حيث الأشكال الهندسية هي المفردات الحية والناطقة والجامعة لمجمل أعمالها. بها تبني مساحاتها المتقطعة، وبروح الإبداع المتجدد تجعل لوحتها مهداً لسطوح متداخلة بالعلامات والرموز والحركات التي تستمد معالمها من احتياجات المجتمع أولاً، ومن تكويناتها التصويرية ثانياً، لترسيخ قيم جمالية واحتفالية شكلانية في بعدها التعبيري.

فرفيقة حواس تنطلق ببطء، وغالباً ما يرافقها في هذه الانطلاقة تيه صارخ، يتجسد بتجسيم الفضاء بتركيبات مخططة، أو لنقل خطوط تركيبية، يرافقها أشكال ذات طابع يجمع العويل الذي يذهب بالكائن لإدراك رعب الحياة، وآليات تعبر عن قلق الإنسان في محوريه الأفقي والعمودي معاً. فحواس تهتم على نحو كبير بالحركة الخاصة لوسيلتها المفضلة، والتي قد تكون تقنية تعبيرية لتثبيت إمكانية استجواب الواقع وتسجيله بما يحدده فضاؤها، وفي هذه الحالة فإن الوضع الداعم لملفوظاتها هو ذات الصراخ الصاعد من داخل سيرورة إنجازها، والقادر على ترتيب أشكالها كلحظة لامتناهية الامتداد في فضاء يتم خرق صمته في كل نقاطه، لتشكل سلسلة ارتباط من أشياء قد تكون هي الفاعلة والصانعة لكينونتها.

ومن زاوية أخرى، فإن معرفة الحالات المتنوعة التي تنبض بها أعمال حواس لا بد أنها ستكشف لنا عن تلك الدلالات التي تصوغها ملامساتها لمجمل محطاتها الجمالية، والمتعلقة بحسها الفني، وبكيفية ميلها إلى الدعوة للاستغراب بطعم الفوضى، في سياق مشاعر قادرة على تحويلها إلى دوائر الحب المباح، وإن برداء قديم وجميل توهم الناس به، وبإعادة الأنساق الداخلية بمفرداتها المتداخلة على مستوى السطوح. فهي تعتمد على الزوايا بأنواعها المختلفة (القائمة والمنفرجة والحادة)، وكان ذلك سيكون جميلاً منها لو جعلت كل نوع من زواياها مرتبطاً بلون معين لترسيخ دلالاتها. كذلك تعتمد حواس على الخطوط، المنحنية منها والمستقيمة، وتنتقل بينهما بخلق تداخلات استبدالية تساعدها في إطلاق تعبيراتها التشكيلية، وبانفتاح عناصرها على محوري التحقق (عمودي، أفقي)، ومن خلال وجود نوع من التناظر بين أشكالها باعتبارها ملفوظاً خارجياً للحالة، وبين وحداتها اللونية الحاملة للممارسات الإنسانية الجمالية باعتبارها ملفوظاً داخلياً للحالة. وهذا التناظر بدوره يرتبط بحساسية خاصة تصنف ضمن تجسيد اللون والخط في حالة من الحالات الإنسانية، ومع الارتباط الكلي بإدراكات الإنسان وأشيائه.

رفيقة حواس حاضرة على نحو ما في واقعاتها البصرية، وداخل المساحات التي تمثل علاقاتها المبصرة لأبعاد معطياتها الأولية، وبالدرجة نفسها لإرساليات تراكيبها القادرة على استيعاب انفعالاتها دون أي إقصاء لأي جزء يقع ضمن دائرة محور ذاتها. فهي تشير إلى احتمالية حركة حالاتها التي تختزن توازن العمل ذاته، مع عناصره الغائرة لإدراكاتها، والمتفاعلة إلى حد ما مع وحداتها الشكلية، وإن وفق خطوط لا تسير بالاتجاه ذاته.