نهاية الميليشيات
عاد الخميني إلى طهران بعد 14 عاماً من النفي في 1 شباط/فبراير 1979، لتبدأ من يومها حقبة جديدة في الشرق بخطاب طائفي ومذهبي يؤسس لنار ودماء وصراعات استنزفت الشرق طوال أكثر من اربعة عقود. وخلال ذلك كان حلم تصدير الثورة الاسلامية وولاية الفقيه بحاجة لأدوات ووكلاء على الأرض ينفذون ما يُخطط له في طهران.
وإذا كان العراق حينها عصيّاً عليهم، فإن الايرانيين كانوا يدركون حينها أن سوريا هي واسطة العقد لمشروعهم، فأصبح حافظ الأسد حليفهم الأساسي ومؤيدهم في الحرب العراقية الإيرانية. ولأن أصابعه كانت تعبث بلبنان فإنه تولى مع الايرانيين تشكيل حزب الله كذراع مهم ومسلح هيمن عبر عقود على لبنان من أقصاه لأقصاه بمساعدة ودعم ايران وسوريا.
ثم جاء دور العراق بعد سقوط بغداد وتشكيل ميليشيات شيعية ايرانية الولاء والانتماء، وامتدت اليد الايرانية لليمن لتنبت ميليشيا الحوثي، وتكتمل معها أذرع المحور الشيعي الايراني الذي قضت إيران عقودًا من الزمن وأنفقت مليارات الدولارات في بناءه كشبكة من الميليشيات والحكومات التي مكّنتها من ممارسة النفوذ السياسي والعسكري عبر الشرق الأوسط، وردع الهجمات الأجنبية على أراضيها، واستخدام هذه الشبكة ورقة على طاولة مفاوضاتها على ملفها النووي.
لكن ما بنته ايران وأخذ أبعاداً كبيرة من السيطرة والهيمنة منذ 2003 وسقوط بغداد، كان لا بد له أن يتقوض وينهار، وهذا ما حدث منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 مع عملية طوفان الأقصى بعد هجوم حماس التي دمرتها اسرائيل وهي الحليف الفلسطيني الرئيسي لإيران، في غضون أكثر من عام من الهجمات وقتلت إسرائيل منذ أيلول/سبتمبر الفائت معظم قيادات حزب الله، الميليشيا اللبنانية التي تُعد أقوى حليف لإيران، وأجبرت قادتها الباقين على الاختباء. في الوقت الذي كانت ميليشياتها وقادتها في سوريا يتعرضون لضربات اسرائيلية موجعة أجبرتهم على التخلي عما كانوا يسمونه "الدفاع الأمامي" لايران وهو نظام بشار الأسد الذي انهار وسقط بسرعة مذهلة، وانهارت معه مقومات المحور الايراني الذي كان يعتبر سوريا شريانه الرئيسي.
ومع تبعثر ونهاية حماس وحزب الله والنظام السوري تبدو الميليشيات العراقية وجماعة الحوثي على قائمة القادم من الأيام، ومع نهاية هذه الميليشيات الدموية التي تحكمت بالقرار في عواصم عربية مهمة. ولعل جماعة الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا باتوا يتحسسون رأسهم بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على 70% من الجغرافية السورية لذا سارعوا لفتح قنوات اتصال مع دمشق الجديدة ورفع الاعلام الخضراء على المؤسسات في الجزيرة السورية، وقبل ذلك الانصياع للنصيحة أو القرار الاميركي والانسحاب من محافظة دير الزور، وحتى هيئة تحرير الشام التي استفاد داعميها من اللعب والتحرك في ربع الساعة الأخيرة قبل تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، ربما يصلهم تنفيذ قرار "نهاية الميليشيات" في المنطقة ولكن بعد انتهاء دورهم في السيناريو السوري الجديد.