'فتاة السكريبت' حجر الزاوية المنسي في السينما المغربية

العمود الفقري وصمام الأمان في صناعة الأفلام يتعرض للتجاهل والنكران في الوسط المهني.

تُعتبر مهنة "فتاة السكريبت" إحدى الدعائم الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها لضمان استمرارية العمل السينمائي وانسيابيته، ورغم أهميتها البالغة فإنها تظل مهنة مظلومة إعلاميًا ونقديًا، تُمارس في صمت بعيدًا عن الأضواء، فالمخرج الذي يُنسب إليه عادة الفضل الأكبر في نجاح أي عمل يعتمد بشكل كبير على السكريبت التي تمثل ذاكرة الفيلم وميزان التوازن الدقيق بين مشاهد العمل، بينما تظل السكريبت مجهولة لدى الجمهور وحتى بين الكثير من المهتمين بالشأن السينمائي، وهذا ما يطرح تساؤلات عن أسباب هذا التهميش والتجاهل.

"فتاة السكريبت" هي العقل المدبر الذي يعمل خلف الكاميرا لضمان سلامة الخط الزمني والدرامي للفيلم، إذ تعد التزامن بين المشاهد الذي غالبًا ما تُصور خارج ترتيبها الزمني وهو أحد أصعب التحديات التي تواجه أي إنتاج سينمائي، وهنا يظهر دور السكريبت جليًا، حيث تتأكد من تطابق كل مشهد مع ما قبله وما بعده، سواء على مستوى الإكسسوارات أو الملابس أو حتى تفاصيل أداء الممثلين، كما تتابع التفاصيل التقنية لكل لقطة لكي تسهل مهمة المونتير لاحقًا وتضمن ترابط الفيلم دون ثغرات، لكن يظل دورها محصورًا في الكواليس وكأن حضورها مجرد ترف وليس ضرورة قصوى لإنجاح العمل.

ويعكس غياب الاهتمام الإعلامي والنقدي بمهنة "فتاة السكريبت" تجاهلاً عامًا للأدوار الخلفية في صناعة السينما المغربية، فغالبًا ما يُركز النقاد على إخراج المشاهد أو أداء الممثلين، بينما يُهملون الحديث عن تفاصيل العملية الإنتاجية التي تجعل هذه العناصر ممكنة، وهذا القصور يمتد إلى برامج التدريب السينمائي التي نادرًا ما تُولي السكريبت اهتمامًا كافيًا، بينما هذا التهميش يُضعف من مكانة المهنة ويُعرقل تطورها وينعكس بشكل مباشر على جودة الأفلام، إذ أن غياب السكريبت المحترف يؤدي إلى أخطاء كارثية تُضعف تجربة المشاهد جملة و تفصيلا.

ومن أبرز أسباب تجاهل مهنة "فتاة السكريبت" في المغرب، نقص الوعي الثقافي بدورها الحقيقي وأهميتها سواء من قِبل الجمهور أو حتى بعض العاملين في المجال الفني او جنون العظمة الذي يطبل للمخرج او الممثل في حين أن السينما كغيرها من الفنون، تُعاني من رؤية سطحية تقتصر على تقدير الأدوار الظاهرة فقط، مثل الإخراج أو التمثيل او الإنتاج، بينما يتم إغفال المهن التي تدعم هذه الأدوار وتجعلها ممكنة، وأضف إلى ذلك غياب المحتوى التثقيفي الذي يُعرف بأهمية هذه المهنة، سواء في وسائل الإعلام أو ضمن المناهج التعليمية، والنتيجة هي انحسار المهنة في نطاق ضيق من العاملين الذين يفتقرون غالبًا إلى الاعتراف والتقدير.

نقص في الوعي الثقافي بدورها الحقيقي وأهميتها

إن إعادة الاعتبار لهذه المهنة يتطلب رؤية شاملة ومتكاملة تأخذ بعين الاعتبار ضرورة توعية العاملين في المجال السينمائي، بدءًا من المخرجين بأهمية السكريبت مرورًا بإنشاء برامج تدريبية متخصصة لتأهيل كوادر جديدة، وصولاً إلى نشر الثقافة السينمائية لدى الجمهور، كما ينبغي أن تُخصص وسائل الإعلام مساحة أكبر للحديث عن السكريبت، للتركيز على دورها المحوري في العمل الفني، فالسينما ليست قصة وأداء ممثلين ومنظومة متكاملة تُشارك فيها العديد من المهن التي تعمل بتناغم لتحقيق رؤية فنية متكاملة.

ويمكن منح دور "فتاة السكريبت" الأضواء المستحقة وتحسين ظروف العمل الخاصة به كمنحهم جوائز، فالسكريبت غالبًا ما تعمل في ظل ضغوط كبيرة تتطلب منها التركيز المستمر والدقة البالغة، فلا يمكن للسينما المغربية أن تحقق تطورًا حقيقيًا دون الاعتراف بدور كل فرد في هذه الصناعة، بدءًا من المخرج وصولاً إلى أصغر أعضاء الفريق، فهي صمام أمان يضمن سلاسة العمل واستمراريته وتجاهل هذه المهنة يُفقد السينما المغربية الكثير من التميز الذي يمكن تحقيقه إذا ما تم استغلال الطاقات الإبداعية بشكل متكامل. 

وتبقى الحقيقة التي يتجاهلها مرضى جنون العظمة أن مهنة "فتاة السكريبت" مرآة تعكس مدى احترام الصناعة السينمائية المغربية لنفسها، فإذا كنا نسعى لخلق سينما قوية تُنافس عالميًا، فلا بد أن نبدأ بتقدير كل الأدوار وخاصة تلك التي تعمل في الخفاء، فالسكريبت هذه الجندية المجهولة تستحق أن يُرفع عنها ستار الإهمال لتصبح جزءًا من الحوار السينمائي والثقافي في المغرب، لأنها بالفعل لا مخرج يستطيع العمل بدونها كما لا يمكن ان يعمل بدون مونتاج وبدون سيناريو وهلم جرا.

ويبرز غياب ثقافة الاعتراف في الوسط السينمائي المغربي تفشّي العقد النفسية والأمراض الاجتماعية التي تهدد هذا المجال الإبداعي، فالاعتراف بالجهود والتضحيات يُعدّ حجر الزاوية لأي تطور مهني، بينما نجد نكران الجميل مسيطراً، خاصة في المهن السينمائية الحيوية مثل مهنة "فتاة السكريبت" التي تُعتبر العمود الفقري لضمان تماسك الأعمال الفنية واستمراريتها، وهذا التجاهل المتعمد أو غير الواعي يعكس أزمة أخلاقية ومهنية عميقة، حيث يتم تهميش الأدوار الأساسية التي تساهم في نجاح الإنتاج السينمائي، وهذا يؤدي إلى خلق بيئة عمل غير صحية تتسم بالأنانية والمنافسة غير النزيهة، ويعتبر هذا الواقع انعكاس لعجز ثقافي وأساس لعراقيل حقيقية تحول دون بناء صناعة سينمائية مغربية مستدامة تحترم جميع عناصرها.