قضايا زائفة تتزاحم على مائدة الدراما المغربية

الكتابة السيناريستية للمسلسلات تعتمد التفاهة كأسلوب لتحقيق الثراء والشهرة على حساب تقويض القيم الاجتماعية.

الرباط - تغرق الدراما المغربية في السنوات الأخيرة في بحر من المواضيع السطحية والتافهة التي تخاطب الغرائز وتبتعد عن الصواب والقيم الانسانية التي ترفع شأن المجتمع المغربي أخلاقيا قبل كل شيء، فمثلا يتصدر الطلاق والزواج قائمة المواضيع الأكثر استهلاكًا، ويتم تقديمهما كأحداث عابرة لا تتطلب أي تفكير أو تأمل في آثارها النفسية قبل الاجتماعية، و يُصور الطلاق كحل سريع وسهل لكل الخلافات وكأنه إنجاز عظيم، دون إظهار عواقبه على تفكك المجتمع قبل الأسرة، خاصة على الأطفال الذين يصبحون ضحية مباشرة لهذا التفكك، أما الزواج فغالبًا ما يُقدم في سياقات تُفرغه من قدسيته، ليصبح مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب درامية أو اجتماعية زائفة، وهذا الطرح يُشوه صورة الأسرة المغربية ويزرع في عقول الأبناء مفاهيم مغلوطة حول أهمية الروابط العائلية ودورها في بناء مجتمعات متماسكة.

وتُصور المرأة المستقلة في هذه الدراما بشكل يسيء إلى جوهر استقلاليتها الحقيقية، فبدلًا من أن تُعرض كنموذج للنجاح والعمل الجاد، يتم تصويرها على أنها شخصية متسلقة تعتمد على الحيل والخداع للوصول إلى أهدافها، من خلال خلق صراعات مفتعلة بينها وبين الرجل، وكأن استقلاليتها يجب أن يكون دائمًا على حساب الرجال، وهذا التصوير يسوق للصورة النمطية السلبية للمرأة المستقلة ويؤثر على وعي الأجيال الصغيرة التي قد تبدأ برؤية النجاح النسائي كظاهرة مرتبطة بالخداع والانتهازية، بدلًا من تقديم قصص تلهم النساء وتُبرز قوتهن الحقيقية، نرى انعدام القيم الأخلاقية في هذا الطرح، يجعل المرأة المستقلة تبدو وكأنها تهديد اجتماعي بدلًا من كونها مصدر إلهام، جميعنا نملك نساء يعملن ويكدحن من أجل لقمة العيش منذ زمن، لكن في إطار من الحشمة والوقار والثبات على الأصول والتربية.

ويُروج النجاح السريع في الدراما المغربية بأسلوب يهدم قيم العمل والاجتهاد، فالشخصيات التي تصل إلى القمة غالبًا ما تكون تلك التي تعتمد على النصب والاحتيال، في حين تُهمش الشخصيات التي تسلك طريقًا شريفًا.، بينما تُصدر هذه الأعمال رسالة مبطنة إلى الشباب مفادها أن الطرق الملتوية هي الأكثر فعالية لتحقيق النجاح، وهذه الرسائل تُربك فقط قيم المجتمع و تنقل للأبناء مفاهيم خطيرة حول الأخلاق والعدالة، فبدلًا من أن يُشجع الأطفال على المثابرة والالتزام، يتم تلقينهم دروسًا خفية تُشجع على الانتهازية والكذب كوسائل مشروعة للنجاح، ويعد استمرار هذه الرسائل  خطرًا كبيرًا يهدد مستقبل الأجيال القادمة التي ستشاهد هذا النوع من المسلسلات.

أسلوب يجعل القيم تبدو وكأنها ترف يمكن الاستغناء عنه

وتبرر الدراما الانحراف الأخلاقي بأسلوب يجعل القيم تبدو وكأنها ترف يمكن الاستغناء عنه،  فتُروج فكرة مفادها أن الكذب والخداع والسلوكيات غير الأخلاقية هي جزء طبيعي من الحياة اليومية، ويتم تمريرها على أنها عادي جدًا، هذه المعالجة الخطيرة تجعل المشاهد، خاصة الأطفال والشباب يُطبع مع هذه الانحرافات دون أي إحساس بالرفض أو النقد، بينما يتلاشى في هذا السياق دور القيم الإنسانية كعنصر أساسي في بناء المجتمع،  وهو ما يؤدي إلى انحدار تدريجي في مستوى الوعي الأخلاقي ويساهم في خلق بيئة اجتماعية متصدعة تفتقر إلى المبادئ.

وتُهمش الدراما القيم الأسرية في مقابل التركيز على الصراعات الفردية والانحرافات السطحية، حتى الوالدين و الاجداد لم تعد لهم مكانة هامة داخل هذا السياق،  فتختفي قصص الأم والأب والأخوة والعائلة الكبيرة، لتحل محلها موضوعات تعزز الأنانية وتفكك الروابط الاجتماعية، ولا تقدم هذه الأعمال أي رسائل تحث على التمسك بالعائلة كركيزة أساسية للمجتمع، في حين تُظهرها على أنها عائق أمام الطموح الفردي، وهذا التوجه يهدد بتدمير المفاهيم العائلية الراسخة في المجتمع المغربي، ويُحرم الأجيال الصغيرة من النمو في بيئة تدعم التماسك والاحترام المتبادل، بينما الحقيقة أن حتى هؤلاء الذين يساهمون في نشر هذه الحياة الزائفة التي باتت تتخذ طابعًا واقعيًا، سيتذوقون طعم هذا التخريب بطريقة أو بأخرى، لأن مستقبلها يُبنى على أسس مهزوزة.