شبكات التواصل الاجتماعي تعفّن صناعة الأفلام في المغرب
الرباط - يعتمد يعض صناع الأفلام المغاربة على مشاهير السوشال ميديا لاستقطاب جمهور واسع، وهو ما أدى إلى تغيير كبير في معايير اختيار الممثلين والمشاركين في الأعمال الفنية، إذ باتت الأرقام على المنصات الرقمية مثل عدد المتابعين والإعجابات المعيار الأساسي لتحديد قيمة الشخص بدلاً من مهاراته الفنية وخبرته، وهذا التوجه ينتج أعمالا سينمائية و تلفزيونية تعتمد على شهرة الأسماء الرقمية أكثر من التركيز على الأداء الفني والتمثيلي، فالنتيجة تراجع جودة التمثيل وفقدان الجمهور الثقة في القيمة الفنية لهذه الأفلام، خاصة عندما يتم استبدال الجهد الإبداعي والتمثيلي الحقيقي بمظاهر شهرة زائفة لا تضيف للعمل أي مضمون حقيقي.
ويتأثر بعض صناع الأفلام المغاربة بظاهرة "البوز" على السوشال ميديا، أصبحت من خلالها المواضيع المثيرة للجدل هي المحرك الأساسي لخياراتهم الإبداعية، وليس التركيز على قضايا مجتمعية أو ثقافية ذات أهمية، والخطير يتجه البعض إلى استلهام أفكار من التريندات الرقمية التي تعتمد على الصدمة والإثارة السطحية، و يظهر هذا النهج في الأفلام التي تحتوي على مشاهد جدلية لا تخدم السرد القصصي وتهدف فقط لجذب الانتباه وتحقيق مشاهدات واسعة، وهذا التأثر يؤدي إلى انحدار قيمة الدراما والسينما المغربية كفن يحمل رسالة.
ويستعين بعض كتاب سيناريوهات الأفلام بمهازل السوشال ميديا كمصدر للإلهام، فأصبحت المشاهد الساخرة والمواقف السطحية التي تنتشر على هذه المنصات مادة أولية لبعض الأفلام، بينما قد يبدو هذا التوجه محاولة لنقد المجتمع الرقمي، لكنه غالبا ما يقع في فخ ترويج نفس التفاهة التي ينتقدها، ويتم تقديم هذه المواضيع بشكل سطحي وغير مدروس، فمن خلالها تبدو الاعمال الدرامية و السينمائية كامتداد للمنصات الرقمية، وهذا النهج يخلق أعمالا تفقد هويتها الفنية وتكرس المحتوى التافه بدلا من مواجهتها.
و تستغل بعض شركات إنتاج الأفلام السوشال ميديا كأداة للترويج والتفاعل مع الجمهور، لكن هذه الاستراتيجية غالبا تقتصر على محاولات سطحية للتفاعل المصطنع، رغم ادعاء هذه الشركات الابتعاد عن تقديم محتوى مبتذل، فإن ما تقدمه غالبًا ما يتلخص في نشر مشاهد من خلف الكواليس أو تنظيم نقاشات مباشرة مع المتابعين، فتتحول السوشال ميديا إلى أداة تجارية تهدف لجذب الانتباه عبر محتوى سطحي، يعبر عن فقرا في الأفكار ويرسخ من الهيمنة على مسار الإبداع بدلً من دفعه للأمام، وهذه الاستراتيجيات،رغم أنها قد تبدو إيجابية في ظاهرها، فإنها تكشف عن تجاهل للقيم الفنية الحقيقية، وتقدم للدراما والسينما المغربية في صورة لا تتجاوز التسويق السريع بعيدا عن الابتكار الفني الذي يعكس هوية الثقافة المحلية.
ويكرس بعص صناع الأفلام المغاربة اليوم ازدواجية خطيرة بين المحتوى الفني ومتطلبات السوشال ميديا، إذ باتوا محاصرين بين رغبتهم في تحقيق الانتشار السريع وبين الحفاظ على جودة أعمالهم، وهذا الصراع في طبيعة الأفلام التي تنتج يميل البعض إلى التضحية بالجودة والرسالة لصالح تلبية إملاءات السوق الرقمي، بينما تظل هناك فئة تحاول مقاومة هذا الانحدار من خلال تقديم أعمال تجمع بين الأصالة والإبداع وتقصف بالتفاهة، وهذه الازدواجية تبين الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في العلاقة بين الفن الرقمي والدراما و السينما للحفاظ على الهوية المغربية بعيدا عن تعفن الدماغ بما يحصل بالسوشال ميديا.
وأصبح اختيار الممثلين في الدراما خاصة يعتمد بشكل متزايد على الوجوه الأكثر متابعة على منصات السوشال ميديا مثل إنستغرام وفيسبوك، وهو تحول يدل على تراجع حاد في معايير الكاستينغ، وليس التركيز على المهارات التمثيلية والخبرة الفنية كما يدعي المنتج او المخرج عبر وسائل الاعلام، بينما الحقيقة هي أن عدد المتابعين هو العامل الحاسم في اختيار الممثلين، وهو ما يتبث تسيد منطق السوق التجاري على حساب جودة العمل الفني.