الأدب يسلّح كتاب السيناريو في مواجهة تفاهة العالم الافتراضي
الرباط - يعد استهلاك الكتب الأدبية والمعرفية جزءا لا يتجزأ من عملية الإبداع لدى صناع الأفلام، خاصة بالنسبة لكتاب السيناريو الذين يعتمدون بشكل أساسي على جوهر الفكرة وقوة السرد، ويستهل الكاتب مسيرته الإبداعية بتأمل نصوصٍ أدبية غنية، ليغذي بذلك مخيلته ويساهم في تشكيل أعمال ذات عمق فكري، وفي ظل الهيمنة المتزايدة للتفاهة الافتراضية، تبرز أهمية الكتاب كمنارة تهدي العقول نحو الإبداع الحقيقي والبناء الفكري، فبدون هذا الاستهلاك الواعي للكتب، تفتقد الأفكار إلى بعدها الإنساني والمعرفي، وتغرق في بحر السطحية والتكرار، لذا يصبح الكتاب أداة حيوية لا غنى عنها لصناعة أفلام تتميز بالجدية.
ويعتبر الكتاب الأدبي والمعرفي بمثابة معين لا ينضب من الإلهام لصناع الأفلام، ويَفتح الكتاب أبوابا لا حصر لها للتصورات السينمائية الجديدةن كما يتيح النص الأدبي حكايات غنية بالتفاصيل والشخصيات المعقدة، يمنح للسيناريو بعدا دراميا وواقعيا وطابعا إنسانيا، كما أن الكتب المعرفية تثري المحتوى بمعلومات دقيقة وتحليلات عميقة، فتجعل من الفيلم تجربة فكرية استطاعت العديد من الأفلام العالمية أن تحقق نجاحًا استثنائيًّا لأنها استمدت أفكارها من روايات أو كتب فلسفية ذات قيمة عالية، مثل فيلم "A Clockwork Orange" الذي استلهم من رواية أنتوني بيرجس، الذي أضاف بُعدًا فلسفيًا للأحداث.
عندما يبتعد صناع الأفلام عن القراءة ويكتفون باستهلاك المحتوى الافتراضي السطحي، تتراجع جودة الأفلام، فتنتج الأفكار المكررة والأحداث التي لا تضيف شيئا جديدا للمتلقي، وتصبح الشخصيات نمطية ومسطحة لا تمتلك أي تأثير تمر مرور الكرام، وينتج عن هذا الإفلاس الفكري أفلامًا لا تترك أثرًا لدى الجمهور، بل تتحول إلى مجرد منتج ترفيهي مؤقت فيصبح المخرجون والكتّاب في هذه الحالة أسرى للموضة السائدة، التي تركز على التفاهة والسطحية بدلًا من تقديم أعمال فنية تضيف للثقافة وتساهم في بناء وعي اجتماعي مهم.
وتعتبر القراءة بمثابة فعل مقاوم يواجه التفاهة التي تكتسح العالم الافتراضي، وتمنح صُنّاع الأفلام القدرة على تطوير أفكارهم وتنمية وعيهم الثقافي والفكري، يساعدهم على خلق أفلام تتجاوز التفاهة وتتناول قضايا إنسانية ذات معنى حقيقي غير استهلاكي، وبناء الهوية الفكرية لصانع الفيلم، فهي تمكّنه من تحليل الواقع وإعادة صياغته بطريقة إبداعية تتناول مختلف أبعاد الحياة، فالكتاب يثير في القارئ أسئلة وجودية وأفكارا جديدة تجعله أكثر وعيًا وتعاطفًا مع العالم من حوله خاصة الفلسفية..
وتظهر العديد من الأفلام التي استلهمت قوتها من الكتب، والفيلم "The Godfather" الذي استند إلى رواية ماريو بوزو، و"Harry Potter" المستوحى من سلسلة كتب ج. ك. رولينغ، كلاهما حقق نجاحا معقولا على الصعيدين التجاري والفني، واستطاعت هذه الأفلام أن تصبح أعمالا خالدة لأنها مزجت بين قوة النص الأدبي والرؤية السينمائية،و بهذا الشكل يعتبر الركيزة الأساسية التي تقوم عليها معظم الأفلام الناجحة التي تركت بصمة في عالم السينما خاصة السير الذاتية التي تحصد في اغلبها جوائز السيناريو..
يقع على عاتق كاتب السيناريو مسؤولية كبيرة في إعادة الكتاب إلى دائرة الضوء من خلال توظيفه كأداة رئيسية في عملية الإبداع السينمائي، فمن الواجب أن يكون الكتاب جزءا من حياة الكاتب اليومية، ويشكل مصدرا مستمرا لتحفيز خياله وإثراء معرفته، إذ إن الكاتب الذي يقرأ بانتظام يمكنه أن يبدع حوارات غنية ومعقدة، ويصمم شخصيات تحمل أبعادا نفسية وإنسانية مثمرة، كما أن دمج الأفكار التي يتم استلهامها من الكتب داخل النصوص السينمائية يساعد في إنتاج أعمال قادرة على محاكاة الواقع بأسلوب فني مميز، بعيدًا عن التفاهة.
ويعد استهلاك الكتب الأدبية والمعرفية أمرا ضروريًا لصناع الأفلام في العصر الحديث، خصوصا في ظل التحديات التي تفرضها التفاهة الافتراضية على جودة الإنتاج الفني، فيعتبر الكتاب السلاح الأقوى للحفاظ على جودة الإبداع السينمائي، وهو الضمانة لبقاء السينما كأداة للتعبير الثقافي والفكري العميق، لذا فإن العودة إلى الكتاب خطوة حتمية لكل من يسعى لصناعة فيلم يحمل بصمة خالدة، ويتجاوز حدود التسلية إلى تقديم أفكار تؤثر في المجتمع وتنمي وعيه الثقافي.