صحافة مغربية تلاحق حياة الفنان الخاصة وتفوّت أعماله
الرباط - تشهد الصحافة السينمائية في المغرب تحولات مقلقة في السنوات الأخيرة، فلم يعد التركيز على القيمة الفنية للأعمال السينمائية هو الشغل الشاغل في عقلية الصحفي الثقافي، إنما أصبح الركض وراء أخبار الفنانين وحياتهم الشخصية هو السمة الأبرز التي تميز الصحافة الفنية في البلاد، تسيطر العشوائية في التعامل مع صناع الأفلام، وتنقلب الموازين بحيث تكون الأخبار المتعلقة بحياة الفنانين الشخصية أكثر أهمية من تحليل الأعمال الفنية نفسها. فتحولت الصحافة السينمائية إلى ساحة للاستهلاك السريع، وهذا يعبر عن تراجع الوعي الثقافي ويقوض من احترام الفنون وصناعها، بينما الحقيقة أننا لن نستطيع تجاهل حقيقة أن الصحافة السينمائية المغربية تبتعد بشكل متزايد عن المعايير المهنية والنقدية.
تبدأ الصحافة السينمائية في المغرب بالركض وراء الأخبار التي تحمل طابع الإثارة والشهرة، مثل تصريحات الفنانين العفوية عن حياتهم الشخصية أو مشاهداتهم العامة، في حين تبتعد عن الاهتمام بالفن ذاته، وتبحث عن قصص فضائح وأسرار حياتية قد تكون بعيدة عن مضمون العمل نفسه، وهذا الركض وراء الإثارة يؤدي إلى تهميش أهمية النقد الفني الجاد، ويحول الصحافة السينمائية إلى مجرد أداة لتسويق الحكايات الرائجة دون أي اهتمام بتحليل جوهر العمل الفني، بالتالي تجد أن الفن يعاني من تشويه من خلال التركيز على ما هو غير جوهري، تاركةً الأعمال الفنية دون تقييم أو تحليل نقدي صحيح.
ويلجأ فريق هذا النوع من صحافة الحلقة إلى السطحية والتسطيح في تعاملها مع السينما، فتكتفي بنقل الأخبار الهامشية أو التصريحات غير المؤثرة دون أي محاولة لفهم أعمق لما يطرحه العمل الفني، ويتم تعميم صورة سلبية لهم، وليس محاولة فهم رؤاهم الإبداعية أو خلفيات أعمالهم، بينما يفترض أن تقوم الصحافة بدور المترجم للجمهور، وتحفزه على التفكير النقدي حول الأعمال الفنية، وهذا التسطيح يوضح عدم قدرة الصحافة على تحليل الجوانب الفنية للفيلم أو العمل المسرحي، في حين يتطلب الأمر تخصصا وعمقا في تناول هذه المواضيع، لا مجرد تقديم تقارير أو تقنيات إعلامية تفتقر إلى القيمة الفكرية.
وتفوت الصحافة السينمائية فرصا كبيرة في تقديم نقد فني جاد، قائم على تحليل مضامين الأفلام والمسرحيات، إذ يتطلب العمل الفني نظرة متمعنة تتجاوز السائد و الشهرة، لتستعرض الفكرة التي يحملها العمل والأسلوب الذي استخدمه المخرج في تبليغ رسالته، وكيفية تفاعل الجمهور مع هذه الرسالة، لكن الصحافة السينمائية غالبا ما تتجه إلى التغطية الإعلامية العامة دون أن تستعين بالخبراء أو النقاد المتخصصين في المجال السينمائي، فالتغطية السطحية تؤدي إلى خسارة فرص عظيمة في تقديم تقارير قيمة، فإذا كانت الصحافة تهدف إلى خدمة الفن وتثقيف الجمهور، فإن عليها أن تبتعد عن الابتذال الذي يسود بعض الوسائل الإعلامية اليوم وخفض نسبة العمولة لأن رائحتها انتشرت في الوسط.
ويتجاهل هذا النوع من الصحافة المقومات الفنية الحقيقية للأعمال السينمائية. كالتركيز على أهمية السيناريو والإخراج والإنتاج والتصوير والموسيقى التصويرية، فتتجه الأنظار نحو القصص الجانبية، مثل العلاقة بين الفنانين أو تصرفاتهم الشخصية، بينما تغفل عن أهمية التفريق بين نوعية العمل وسمعة الفنان. فالفيلم الذي يقدم عملً سينمائيا مميزا يستحق أن يحتفى به بناء على قيمته الفنية، لا على أساس التفاصيل الخاصة بالفنان الذي يقوم ببطولته، وهذا التوجه يجعل الصحافة السينمائية تتسابق إلى الخبر العابر، وليس السعي إلى تقديم قيمة مضافة يمكن أن تعود بالنفع على المشهد السينمائي ككل.
وتتلاعب بعض الاقلام الجاهلةالتي لا تقرأ كتابا واحدا في السنة وليس الشهر أو الأسبوع، بمعلومات حول الفنانين وأعمالهم بهدف زيادة التفاعل مع الجمهور، فتنشر أخبارا غير دقيقة أو مبالغا فيها من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من القراء والمشاهدين، وهذه الطريقة المبتذلة التي تعتمد على العناوين الجذابة والطعم المثير لجذب الانتباه يبرهن على الجهل الثقافي و الفكر المعطل، فتصبح الصحافة مجالا لعرض ما يثير الجدل أو الخلافات وما يساهم في تشويه العلاقة بين الجمهور والفن.
ومن احترام الذات و الضمير المهني وحب الثقافة و الفن العودة إلى الجادة والمهنية، إذ يتطلب الأمر الالتزام بالمعايير الدولية التي تحترم العمل الفني وتقدره وفقا لجوانبه الفنية الحقيقة، بعيدا عن الدوافع التجارية أو الشخصية. فالصحافة السينمائية هي مسؤولية ثقافية وفنية، وأكثر تخصصا وموضوعية في تناول الأعمال الفنية وأن تبتعد عن الانجراف وراء الأخبار السطحية والتجارية، وثمن قنينة الخمر مقابل مقال تطبيلي او ثمن قهوة أو عشاء أو غداء، فما هو إلا تعبير عن المستوى الرديء الذي وصل اليه بعض أهل الثقافة والفن.