كمال نشأت بين نقد الشعر والحديث عن النفس
أهم ما يميز كتاب "في نقد الشعر رؤية نقدية"، ويُحسب له، تقسيماته الثلاثة، وأهم ما يعيبه حديث المؤلف عن نفسه بدرجة ملفتة، فيظن القارئ أحيانا أن بعض صفحات الكتاب ما هي إلا سيرة ذاتية أو ترجمة لحياة مؤلفها، الأمر الذي يوحي إليك أحيانًا بأن الآراء الانطباعية قد تغلَّبت على النظرة النقدية الموضوعية لبعض الشعراء الذين تناولهم المؤلف أو لبعض أعمالهم الشعرية.
وعمومًا فإن دارس الشعر المعاصر وقارئه المثقف لا بد أن يمر على هذا الكتاب لعدة أسباب منها: أن مؤلفه د. كمال نشأت (1923 – 2010) كان شاعرًا وناقدًا شارك في مسيرة الشعر التفعيلي منذ بدايتها في أوائل الخمسينيات وحتى رحيله، وأنه إلى جانب هذا يكتب الشعر العمودي أو البيتي، وأنه لم يتحيز لشكل على حساب الآخر إلا بمدى جودة القصيدة نفسها، كما أنه في هذ الكتاب تحدث عن العديد من الدواوين الشعرية الصادرة في أوقات مختلفة ولأجيال شعرية مختلفة، ولا نبالغ إذا قلنا إنه تحدث عن شاعر صغير السن، ربما ينتمي إلى جيل الثمانينيات – إذا صحت التسمية – هو الشاعر الشاب (وقتها) السماح عبدالله من خلال ديوانه "خديجة ابنة الفضاء الواسع"، إلى جانب حديثه عن شاعر راحل مثل كامل الشناوي من خلال ديوانه "لا تكذبي"، وهو في هذا يعطي كلا الشاعرين حقهما من النقد الموضوعي، وإن كان تحدث عن نفسه كثيرًا والظروف الصعبة التي صاحبت نشر ديوانه الأول "رياح وشموع" عام 1951، وكيف تسربت منه 17 قصيدة، ونُسبت إلى الشاعر إبراهيم ناجي أثناء طباعة الديوان، وذلك في مقدمة الحديث عن ديوان الشاعر الشاب.
هذا فضلا عن حديثه عن عدد كبير من الشعراء المعاصرين في فصل خصَّصه لذلك بعنوان "شعراء معاصرون" منهم شعراء طوتهم صفحات النسيان، ولم يعد يذكر اسمهم كثيرًا من أمثال الشاعر السوري عبدالباسط الصوفي، والشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير، والشاعر المصري محمد الجيار، وغيرهم.
إن أهم ما يحسب لكتاب "في نقد الشعر رؤية نقدية" هو التقسيمات الثلاثة: آراء في الشعر، رؤية نقدية في بعض الدواوين، شعراء معاصرون. فلا نجد تداخل بين القضايا الشعرية النظرية والتطبيقات النقدية على بعض الدواوين إلا في حدود ما يسمح به التدليل النقدي، كما لا نجد تداخل بين الرؤية النقدية للنص الشعري أو الديوان، وحديث المؤلف عن بعض الشعراء المعاصرين إلا في حدود ما يسمح به ضرب الأمثلة، وعلى سبيل المثال تحدث كمال نشأت عن الشاعر محمد الجيار (1927 - 1975) مرتين في هذا الكتاب، المرة الأولى ص 56 في الفصل الثاني فتناول ديوانه الشعري "وعلى الأرض السلام"، والمرة الثانية ص 172 في الفصل الثالث فتناوله كشاعر عرفه وصاحبه وتحدث عن ميلاده وحياته وموته وأصدقائه وأسماء دواوينه وأعماله، وهو في هذا يخطئ في ذكر اسم ديوان من دواوين الجيار، فللجيار ديوان صغير الحجم صدر عام 1975 بعنوان "الحب لا يعرف الخريف"، ويذكر المؤلف أن عنوان الديوان هو "الحب لا يعرف الخوف".
لا ريب أن الشاعر والناقد كمال نشأت كتب المقالات والدراسات الواردة في هذا الكتاب لنشرها في الصحف والمجلات التي يكتب لها، ثم رأى تجميعها في كتاب يحفظها من الضياع والنسيان كشأن العديد من الكتاب والنقاد، ولكن تقسيم الكتاب على هذا النحو الذي رأيناه جعله أقرب إلى التأليف منه إلى مجرد التجميع، فتحس بأن هناك خطًّا واحدًا أو منهجًا معينًا أو روحًا واحدة تسري في صفحات الكتاب.
يذكر أن الشاعر كمال نشأت ولد في حي رأس التين بالإسكندرية في مارس عام 1923. وفي عام 1948 حصل على ليسانس الآداب من قسم اللغة عربية بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية، وواصل الدراسات العليا حتى حصل على درجة الدكتوراه عن "أحمد زكي أبو شادي وحركة التجديد في الشعر العربي الحديث" من كلية الآداب جامعة عين شمس بالقاهرة.
كان عضوا في لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة, وعضوًا مؤسسًا باتحاد كتاب مصر, وعضو مجلس إدارة جمعية الأدباء, ومن مؤلفاته: في النقد الأدبي, في نقد الشعر, في النقد القصصي, شعر المهجر, المسرحية الشعرية بين شوقي وعزيز أباظة, وغيرها.
أما عن دواوينه الشعرية فمنها: "رياح وشموع"، "أنشودة الطريق"، "مسافر ولا وصول"، "سحابة من بجع مهاجر" وغيرها.