خبايا الشعوذة والتفكك الأسري في مسلسل 'جرح قديم'

المخرج والسيناريست المغربي مراد الخودي يقدم سيناريو محبوكا بأداء تمثيلي قوي ورؤية اخراجية رصينة.

الرباط – تدور أحداث مسلسل "جرح قديم" حول الطبيبة النفسية "طام"، التي تعود إلى المغرب بعد سنوات من الغربة، حيث تقرر الانتقام من عائلتها التي حاولت قتل طفلة كشفت عن مشاريعهم المشبوهة. يُعرض المسلسل حاليًا ضمن السباق الرمضاني 2025.

المسلسل من سيناريو مراد الخودي، وبطولة كل من نادية آيت، زهيرة صديق، عزيز داداس، عادل أبا تراب، ماجدولين الإدريسي، راوية، وآخرين.

يناقش سيناريو المسلسل واحدة من أخطر الظواهر التي يعاني منها المجتمع المغربي، وهي انتشار الشعوذة وربطها بجرائم اختطاف الأطفال. فحبكة "جرح قديم" ترتكز على هذه الظاهرة من خلال شبكة من الأحداث المتداخلة، حيث يتم توظيف الشعوذة كوسيلة لتحقيق المصالح الشخصية، ما يؤدي إلى عواقب نفسية واجتماعية خطيرة. كما يُبرز العمل كيف يمكن للحسد والغيرة بين أفراد العائلة أن يتحولا إلى دافع رئيسي لارتكاب الجرائم، كما حدث مع الطفلة "زينب"، التي وضعتها عمتها "لباتول" وعمها "هاشم" في صندوق خشبي وألقيا بها في البحر. كانت الطفلة ضحية لهذه المشاعر السلبية المتجذرة في العائلة السامة، كما يوضح المسلسل كيف تعيش بعض العائلات في دوامة من التنافس المرضي، الذي قد يصل إلى حد القتل، وهو ما يجسد أحد أوجه الصراعات الداخلية في المجتمع المغربي.

وتطرح بعض الحلقات قضية ارتباط الفتيات القاصرات، كما في مشهد اكتشاف "بلال" ارتباط ابنته القاصر، وهو أمر شائع للأسف منذ المرحلة الابتدائية. لا يزال هذا الواقع يفرض نفسه في العديد من الأوساط، حيث يتجاهل الوالدان هذه النقطة، متحججين بأن بناتهم ما زلن في سن الطفولة. وفي مشهد آخر، يُجسد المسلسل نموذج الأب غير المسؤول الذي يزرع في أبنائه قيماً منحرفة، إذ تصبح السرقة سلوكًا متوارثًا بدلًا من أن يكون الأب قدوة حسنة. تسلط هذه الظاهرة الضوء على الخلل الأخلاقي داخل بعض الأسر التي تعاني من الفقر أو التفكك الأسري.

تركز بعض المشاهد الأولى على الهوس المتزايد بعمليات التجميل، كما حصل مع "شادية"، ابنة "لباتول"، التي تعرضت لتشوه في وجهها بسبب كثرة عمليات التجميل، ما أدى إلى خسارتها لزوجها ولنفسها، وانتهى بها المطاف في مصحة للأمراض النفسية. تعكس هذه المشاهد كيف أصبح الجمال الخارجي هاجسًا يسيطر على الكثيرين، ويدفعهم للخضوع لعمليات تجميل قد تكون لها عواقب وخيمة نفسيًا واجتماعيًا. هذا الطرح يعكس تحولًا ثقافيًا داخل المجتمع المغربي، حيث باتت الصورة الخارجية عاملًا مؤثرًا في تحديد قيمة الفرد.

تشكل عودة "طام" إلى المغرب بعد سنوات الغربة نقطة تحول رئيسية في الأحداث، إذ تضع أمامها هدفًا أساسيًا وهو الانتقام من عائلتها التي حاولت قتل الطفلة التي كشفت عن مشاريعهم غير المشروعة. هنا، تتجسد فكرة العدالة المؤجلة، والبحث عن الانتقام كوسيلة لاستعادة الحقوق، ما يخلق صراعًا داخليًا داخل الشخصية بين واجبها المهني كطبيبة نفسية، ورغبتها في الانتقام.

تعتمد دراما "جرح قديم" على تحليل سوسيولوجي للتحولات الخطيرة في العادات والتقاليد المغربية، إذ يناقش المسلسل حياة الطبقات الشعبية وما تواجهه من أزمات، مثل الفقر، التفكك الأسري، والصراعات العائلية التي قد تتحول أحيانًا إلى صراعات قاتلة، كما في حالة "زينب"، التي كانت ضحية لحقد وغيرة أقاربها. كما يتناول المسلسل قضية الشعوذة وربطها بجرائم اختطاف الأطفال، والاعتقاد الراسخ ببعض الخرافات، وكيف يتم استغلال هذه الممارسات لتحقيق المصالح الشخصية. يُبرز العمل أيضًا قضية خروج الأبناء عن سيطرة الآباء، وهو في الحقيقة يعكس خللًا في الوعي المجتمعي والتنشئة الأسرية.

يستخدم المسلسل مشاهد بسيكولوجية تُبرز الصراعات الداخلية للشخصيات التي تعاني من اضطرابات نتيجة الضغوط الاجتماعية والبيئية المحيطة بها. فالغيرة والحسد في عائلة "زينب" يتحولان إلى دوافع عدوانية تدفع أفرادها إلى ارتكاب الجرائم، مما يُظهر جانبًا نفسيًا معقدًا. أما تأثير الهوس بالمظهر الخارجي، فيتجسد من خلال شخصية "شادية"، التي دفعتها عمليات التجميل المفرطة إلى التشوه والانهيار النفسي والاجتماعي.

تميز اختيار الممثلين وإعدادهم في مسلسل "جرح قديم" بانتقاء موفق، حيث قدموا أداءً تمثيليًا رصينًا ومحكمًا. لم يشعر المشاهد أنهم يؤدون أدوارًا فقط، بل كانوا يعيشون الشخصيات بكل تفاصيلها. برزت ماجدولين الإدريسي في دور "حرية"، حيث جسدت شخصية هشة وقوية في الوقت نفسه، بينما أظهرت نادية آيت (في دور "زينب") وهاجر كعنان (في دور "شادية") أداءً طبيعيًا يعكس انسجامًا تامًا مع أدوارهما. تألقت زهيرة صديق في دور "لباتول" بتجسيد شخصية شريرة، وقدم عزيز داداس أداءً متوازنًا، بينما كان حضور راوية قويًا كأم وجدة. كما أظهر كل من سحر الصديقي ويسري مراكشي تناغمًا في تجسيد شخصياتهما، بينما قدم عبد العزيز وانزة أداءً دقيقًا ينسجم مع التوجه الواقعي للعمل كطبيب نفسي.

أما المخرج مراد الخودي، فقد أظهر قدرة عالية على التحكم في إيقاع الأحداث وتنسيق تسلسلها. ورغم أن الإيقاع الزمني كان بطيئًا، إلا أنه تجاوز الرتابة والملل من خلال الموسيقى التصويرية التشويقية، التي تعكس ترقب وقوع أحداث مهمة. برع المخرج في توظيف تقنيات السرد البصري، خاصةً في الانتقال بين الماضي والحاضر عبر الفلاش باك في مشاهد نجاة الطفلة "زينب"، والفلاش فوروورد الذي يُظهر تحولها إلى "طام". ساعد هذا الأسلوب على إشراك المشاهد في اللحظة الدرامية بكل تفاصيلها، دون الإخلال بتدفق السرد. كما جاءت المشاهد متناغمة من حيث الإضاءة وزوايا التصوير، خاصةً لقطات مدينة الدار البيضاء وأزقتها، بينما كانت لقطات الدموع القريبة، سواء في عيون "حرية"، "شادية"، أو "طام"، مؤثرة وفي محلها.