دراما الصراع الطبقي بين الواقع والمبالغة في 'الشرقي والغربي'

عمل المخرج المغربي شوقي العوفير يتنازعه ضعف وهشاشة سيناريو مسقط من جهة وإخراج محكم وكاستينغ معقول من الجهة الأخرى.

الرباط – تدور أحداث مسلسل" الشرقي والغربي"، للمخرج المغربي شوقي العوفير، حول صراع بين عائلتين متناقضتين، حيث تتشابك المصالح الاجتماعية وتتفاقم التوترات بين أفراد العائلتين.

المسلسل من تأليف سامية أقريو ونورا الصقلي، ويشارك في بطولته كل من نسرين الراضي، حسن فولان، حنان الإبراهيمي، عبد الله ديدان، عبد الله شاكيري، ونورا الصقلي.

تبرز الحلقات العشر الأولى للمسلسل فكرة الصراع بين العائلتين المتعارضتين، كما يعكسه عنوان "الشرقي والغربي"، حيث يتجسد التوتر الاجتماعي في اختلاف الطبقات والتقاليد المتباينة في بعض القرى المغربية، خاصة حين تتحكم العادات في اختيار شريك الحياة ومصير الأفراد. ويُطرح موضوع رفض العائلتين لعلاقة حب بين شاب وفتاة بسبب الفوارق الطبقية، مما يعكس صراعات اجتماعية مرتبطة بقضايا الإرث والنظرة التقليدية للزواج والعلاقات، والتي غالبًا ما ترتبط بالحفاظ على سمعة العائلة وتعزيز نفوذها.

تلعب العائلة دورًا محوريًا في تشكيل قرارات الأفراد، وعلى الرغم من أن المسلسل يعرض ذلك بشكل متطرف، فإنه يبرز واقعًا يعيشه كثيرون، حيث تظل العائلة القوة الأساسية في اتخاذ القرارات المصيرية، مثل الزواج والميراث.

يصور المسلسل تجارة الكوكايين كمصدر رئيسي للثروة والنفوذ لعائلة "إسماعيل الشرقي"، وهو ما يتناقض مع القيم الاقتصادية التقليدية في البوادي. ورغم أن تهريب المخدرات مشكلة حقيقية في بعض المناطق، فإن طرحها في المسلسل جاء بأسلوب مبالغ فيه يشوه صورة القرى المغربية الغنية بتقاليدها العريقة. ومع ذلك، يعكس المسلسل بوضوح الفوارق الاقتصادية بين العائلتين، حيث تتمتع الأسر الثرية بنفوذ قوي، بينما تعاني العائلات الفقيرة من التهميش والصراعات اليومية، كما يظهر في شخصية مليكة الغربي التي تكافح للحصول على الموارد الأساسية مثل المياه والأراضي الزراعية.

تطغى على المسلسل مشاهد الفساد الاقتصادي والإداري، إذ تتشابك المصالح الشخصية، مثل علاقة "مصطفى"، زوج "مليكة الغربي"، بالمال غير المشروع، مما يُظهر هشاشة السلطة أمام نفوذ المال في بعض المناطق المغربية التي تشهد تجاوزات وفسادًا واستغلالًا للموارد لمصالح شخصية.

كما تعكس العلاقات بين الشخصيات توترًا نفسيًا عميقًا، حيث تتفاقم النزاعات بين أفراد العائلتين، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية واجتماعية، خاصة في شخصية "عبلة" التي تواجه ضغوطًا كبيرة بعد تعرضها للاغتصاب. غير أن مشهد الاغتصاب بدا مقحمًا وغير مقنع، وكأنه مقتبس من دراما هندية، حيث جاء مفتعلًا دون أن يخدم الحبكة الدرامية. إلى جانب ذلك، يتناول المسلسل آثار الصراعات العائلية على الصحة النفسية، مثل تعاطي المخدرات أو الانتحار، كما يظهر في شخصية مهدي الغربي.

يبرز المسلسل أيضًا محاولات بعض الشخصيات لتحديد هويتها وفقًا لتوقعات المجتمع، كما هو الحال مع "خدوج"، زوجة "إسماعيل الشرقي"، التي تعيش صراعًا حول مكانتها الاجتماعية وطريقة تصرفها وفقًا للمعايير العائلية. وتؤدي هذه الضغوط إلى اختلالات في حياة الشخصيات، سواء في الزواج، العمل، أو حتى في اختياراتهم الشخصية.

يمر العديد من الشخصيات بتحولات درامية نتيجة الصراعات المستمرة، مثل يعقوب، ابن "إسماعيل الشرقي"، الذي يمثل الجيل الشاب المتمرد على القيود العائلية، ويعيش صراعًا بين رغباته الشخصية ومتطلبات أسرته. كما تواجه عبلة مشاعر متضاربة بين الحب والخيانة العائلية، مما يعكس محاولتهما التوفيق بين مشاعرهما الشخصية والتقاليد المفروضة عليهما.

قدمت مشاهد مصانع الكوكايين في المسلسل بأسلوب مبالغ فيه، أقرب إلى الدراما الهندية منه إلى الواقع المغربي. فقد تم تصويرها كإمبراطوريات مستقلة داخل القرى، وهو طرح يتنافى مع طبيعة المجتمع المغربي. وعلى الرغم من أن تهريب المخدرات يشكل ظاهرة في بعض المناطق، فإن تصويرها بهذا الشكل الأسطوري يسيء إلى صورة البوادي المغربية، التي تتميز بارتباطها القوي بالأرض والزراعة.

أما مشهد الاغتصاب، فقد افتقر إلى الحساسية الاجتماعية والثقافية، حيث تم تقديمه بطريقة درامية مقحمة لم تخدم الحبكة بقدر ما سعت إلى إحداث صدمة مفتعلة. فمثل هذه القضايا، رغم خطورتها، ليست بالطاغية في المجتمع المغربي بالشكل الذي صوّره المسلسل، مما جعله يبدو مفتعلًا بدل أن يكون جزءًا عضويًا من تطور الشخصيات، وهو ما يضعف من مصداقية العمل لدى المشاهد.

يتميز" الشرقي والغربي" بإعداد دقيق لاختيار الممثلين، وكاستينغ ناجح، إلى جانب رؤية إخراجية متقنة من شوقي العوفير، الذي اعتمد على أسلوب سينمائي أكثر منه دراما تلفزيونية، وهو ما تجلى في ترتيب المشاهد واستخدام اللقطات ذات الطابع السينمائي، خاصة في مشاهد "لطفي" ومشاهد دسّ الكوكايين داخل شُرطة كبيرة متعددة الخدمات. كما أن الإيقاع البصري والسرد الدرامي منحا المسلسل طابعًا ساعد في تعويض بعض ثغرات السيناريو.

قدم جميع الممثلين أداءً مقنعًا، سواء في أدوار "عائلة الشرقي"، التي ضمت عبدالله ديدان، ونورة الصقلي، وحسن فولان، ونسرين الراضي، وعبد الله شاكيري، أو في أدوار عائلة "الغربي"، التي تألق فيها كل من عزيز الحطاب، وسامية أقريو، والهاشمي بن عمر، وحنان الإبراهيمي، ومالك أخميس.

 كما برزت بعض الوجوه الشابة بأداء قوي ومبهر، مثل نهال سلامة في دور عبلة، وأشرف مسياح في دور يعقوب، وأيمن رحيم في دور مهدي، حيث استطاعوا تجسيد شخصياتهم بمهنية وإقناع، رغم أن بعض الأحداث، مثل قصص الكوكايين والاغتصاب، بدت مفتعلة وخارجة عن السياق الواقعي.