'الليل حين ينتهي' يقدم شريطا تلفزيونيا بسرد روائي وروح سينمائية

المخرج عبدالسلام الكلاعي يستعمل الفضاء البصري الشاسع ليبرز صراعا نفسيا رمزيا في قصة تشبه السير الذاتية لمخرج أفلام مغربية في أزمة.

الرباط - تدور أحداث الشريط التلفزيوني "الليل حين ينتهي" للمخرج المغربي عبدالسلام الكلاعي حول موضوع فقدان الحب وتأثيره العاطفي العميق، من خلال سرد حكاية مخرج سينمائي يواجه فقدانًا عائليًا كبيرًا، ويحاول تجاوز محنته وإعادة ترتيب حياته بعد الانهيار. العمل من سيناريو محمد الميسي، وبطولة أمين الناجي، فريدة بوعزاوي، سامي الكلاعي، محمد الشوبي، رشيدة منار، وأحمد حمود.

ويبرز الشريط التلفزيوني الذي عُرض على القناة الثانية المغربية ضمن البرمجة الرمضانية لعام 2025، كعمل يحاول التوفيق بين الأسلوب السينمائي والدراما التلفزيونية التقليدية. يعتمد الكلاعي على لقطات بعيدة ومتوسطة تمنح الفيلم طابعًا بصريًا شاسعًا، على عكس اللقطات القريبة التي تهيمن عادةً على الأعمال التلفزيونية لنقل العواطف بشكل مباشر. هذا الخيار يبرز رؤية فنية طموحة تحاكي السينما التجريبية، لكنه يُفقد العمل بعض الحميمية التي يبحث عنها جمهور الشاشة الصغيرة، خاصةً في سياق الموسم الرمضاني، الذي يتطلب إيقاعًا سريعًا وتفاعلاً عاطفيًا فوريًا. الفضاءات الواسعة التي تظهر في اللقطات تعمق إحساس العزلة والفراغ الداخلي للبطل.

يروي السيناريو قصة مخرج سينمائي يعاني من عُسر في كتابة فيلمه الجديد بعد نجاحه الكبير قبل ثلاث سنوات، وهي حبكة تحمل طابعًا شبه سيري ذاتي يشبه تجارب العديد من صناع الأفلام المغاربة. يتتبع السرد مسار البطل في مواجهة الضغوط النفسية والمهنية، من خلال تفاعلاته مع شخصيات ثانوية مثل النادلة، وعلاقته بوالديه، ومنتج الفيلم، مما يكشف عن طبقات من الصراع النفسي والمهني. هذا النهج التأملي يقدم سردًا روائيًا بإيقاع سينمائي، لكنه يفتقر إلى الديناميكية التي تتطلبها الدراما الرمضانية، رغم أنه يجعل العمل أقرب إلى تأمل شخصي في عالم السينما المغربية، خاصةً أثناء التحديات المادية والنفسية التي تترك أثرًا واضحًا على المبدعين. كما أن الفيلم يُعد نقدًا ضمنيًا للبيئة الفنية التي تعيق استمرارية النجاح.

يؤدي الممثلون أدوارهم بمستويات متفاوتة من الإقناع؛ تتألق فريدة بوعزاوي في تجسيد النادلة، بأداء يمزج بين القوة والهشاشة، مضيفةً مصداقية للعلاقة مع المخرج. أما سامي الكلاعي، كممثل شاب ووجه جديد، فيقدم دوره برصانة، لكنه يبدو بحاجة إلى المزيد من الزعامة والتمكن ليتناغم مع الشخصيات الأكثر خبرة. في حين أن أمين الناجي يعتمد على أسلوبه المعروف، لكنه يبدو شارد الذهن في مشهد بحثه عن سيناريو جديد داخل مكتبه، مما يجعل أداؤه في هذا الجزء بطيئًا ومصطنعًا. ورغم ذلك، يظل محافظًا على النمط المتوقع. هذا التباين في الأداء يعكس محاولة الفيلم خلق توازن بين الوجوه المخضرمة والجديدة.

يبين بعض تكوين اللقطات ضعف الانسجام، مثل مشهد طلب شخصية المخرج من النادلة الجلوس معه في المقهى حيث تعمل، وهو مشهد غير واقعي ومفتعل، إذ يفتقر إلى المنطق الدرامي. فمن غير المعقول أن تترك النادلة عملها لتشارك في حوار شخصي في نفس المكان الذي تعمل فيه. كما أن المشاهد التي تضم طليق النادلة تبدو باهتة وغير متماسكة، وكأنها أُضيفت فقط لإطالة مدة الفيلم أو لخلق تعقيدات درامية غير ضرورية، مما يكشف عن ضعف في بعض تفاصيل السيناريو.

يحاول الفيلم من خلال هذه العناصر تقديم رؤية مختلفة للدراما التلفزيونية المغربية، مستلهمًا من السينما في أسلوبه البصري وموضوعه القوي. ينجح في بعض الجوانب، مثل تصوير الأزمة الإبداعية واستخدام الفضاء لتعزيز المعاني، لكنه يعاني من بطء الإيقاع وبعض الاختيارات غير الموفقة في السيناريو والتنفيذ. هذا الطموح للخروج عن المألوف يكون نقطة قوة لعشاق السينما التأملية، لكنه لا يلبي توقعات الجمهور الرمضاني الذي يفضل الإثارة والعاطفة المباشرة، ليظل العمل تجربة تستحق التقدير لجرأتها في الطرح الروائي.

يُعد عبدالسلام الكلاعي مخرجًا مغربيًا سينمائيًا أكثر منه تلفزيونيًا، إذ قدم ثمانية أعمال كمخرج في السينما والتلفزيون. تشمل أفلامه "ستة أشهر ويوم", "صمت الذاكرة"، "ملاك"، "سيدة الفجر"، "مياه سوداء"، "عن الرجال والبحر"، و"ماجدة". بالإضافة إلى مسلسل "عين الحق". تتنوع أعماله بين الأفلام الروائية والمسلسلات، مما يظهر حضوره في المشهد الفني المغربي. كما ساهم في كتابة سبعة من أعماله، إذ كتب السيناريو والحوار لفيلم "ستة أشهر ويوم"، وقام بالتأليف والاقتباس لمسلسل "عين الحق"، كما كتب أفلام "صمت الذاكرة"، "ملاك"، "سيدة الفجر"، "مياه سوداء"، و"عن الرجال والبحر".