'سيد الناس' دراما تائهة في ثنايا التكرار والتشتت
الرباط - تدور أحداث مسلسل "سيد الناس" للمخرج المصري محمد سامي حول شخصية "الجارحي"، الذي تنقلب حياته بعد وفاة والده، حيث يكتشف مفتاحًا غامضًا يقوده إلى ثروة هائلة وأسرار ماضٍ مظلم، فيواجه أعداءً لا يرحمون ويخوض صراعات خطيرة لحماية عائلته وإرثه.
العمل من سيناريو محمد سامي، وبطولة عمرو سعد، إلهام شاهين، أحمد زاهر، أحمد رزق، إنجي المقدم، ريم مصطفى، منة فضالي، رنا رئيس، أحمد فهيم، بشرى، ملك أحمد زاهر، سلوى عثمان، ونشوى مصطفى.
يُبرز مسلسل "سيد الناس" محاولة طموحة لتقديم دراما شعبية تدور حول "الجارحي أبو العباس"، الذي يواجه تحولات جذرية في حياته بعد وفاة والده، إذ يرث ثروة طائلة ويجد نفسه محاطًا بأعداء وصراعات غامضة. لكن هذا الطموح يصطدم بسيناريو يعاني من مشاكل بنيوية عميقة، تتمثل في حوارات مطولة بلا سياق درامي، ومشاهد متفرقة تفتقر إلى التماسك، وإفراط في استخدام الشتائم والألفاظ من دون وقع دقيق، ما يجعل العمل محاولة لجذب الانتباه عبر الصدمة، بدلًا من بناء قصة متينة تحترم ذكاء المشاهد.
تُثقل الحوارات المطولة كاهل المسلسل، كثَرثرة عشوائية لا تخدم تطور الأحداث أو تعميق الشخصيات. ورغم أن هدفها هو نقل الصراعات النفسية والاجتماعية أو بناء علاقات متماسكة بين الأبطال، فإنها تتحول إلى سلسلة من المشادات الكلامية المبالغ فيها، التي غالبًا ما تعتمد على الصياح والألفاظ المملة. هذه الحوارات تفتقر إلى سياق درامي يبرر وجودها، لأنها مفتعلة ومُجهدة للمشاهد.
فمثلًا، المشاهد التي تتضمن شتائم أو لغة نابية لا تضيف قيمة للقصة، بل تُشتّت الجمهور عن الصراع الأساسي، لصالح إثارة زائفة، ما يُضعف الإحساس بالواقعية ويُفقد العمل تماسكه الفني.
وتُكرر القصة تيمات الانتقام والخيانة العائلية المعروفة في الدراما المصرية، من دون تقديم زوايا جديدة تخلق نوعًا من الحيوية. فصراع "الجارحي" مع أعدائه وداخل عائلته يعتمد على نمط مألوف من الخيانات والمؤامرات، لكنه يفتقر إلى الواقعية الدرامية التي تجعل هذا النوع من العقد مثيرًا للاهتمام.
التكرار المستمر لهذه التيمات، من دون محاولة لاستكشاف جوانب جديدة بعيدة عن الخيانات العائلية التقليدية، يُشعر المشاهد بأن القصة عالقة في حلقة مفرغة.
فمسلسل "سيد الناس" مزيج من "الأسطورة" في ما يخص مصنع الحديد والأسلحة والمخدرات، و"العمدة" في ما يخص الرواية العائلية. إذ تُعاد صياغة نفس الصراعات دون إضافة تُبرّر وجودها في سياق جديد.
كما تُعيق المشاهد غير المحبوكة تماسك السيناريو، كجزر منفصلة لا ترتبط بشكل عضوي بالخط الدرامي الرئيسي. أما الانتقالات بين المشاهد فتبدو مضللة وتفتقر إلى التسلسل المنطقي، ما يُربك المشاهد ويُضعف انغماسه في القصة.
ويُطيل الإخراج من مدة اللقطات بشكل مبالغ فيه، ما يُشعر المشاهد بالملل ويُضعف إيقاع القصة. فالمشاهد التي تركز على انفعالات الشخصيات، مثل الغضب أو الصراخ، خاصة في علاقة "الجارحي" بعائلته، تُقدَّم بإطناب غير مبرر، كما تستمر اللقطات لمدة أطول مما يتطلبه الموقف.
هذا الأسلوب، الذي يبدو كمحاولة لتكثيف التوتر، يتحول إلى رتابة بصرية.
ويُثير تصوير الرجل المتدين "عفيفي أبو العباس"، وهو يصارع شهواته الجنسية، تساؤلات حول حساسية السيناريو تجاه القيم الاجتماعية. فالعنصر، الذي يُقدَّم كصراع نفسي للشخصية، يبدو مفتعلًا وغير مدروس، خاصة في سياق شهر رمضان، الذي يحمل طابعًا روحانيًا.
تقديمه بهذا الشكل السطحي يُسيء إلى صورة الدين، ويُثير استياء المشاهدين. هذا الطرح الدرامي يفتقر إلى التوازن بين حرية التعبير الفني واحترام السياق الثقافي، وهو ما يجعل العمل عرضة للرفض من جمهور يتوقع دراما تتماشى مع قيمه.
ويُخفق المسلسل في تحقيق توازن بين الإثارة والفنية، ما يجعله تجربة درامية متعثرة. فرغم الطاقم التمثيلي القوي والإمكانات الإنتاجية العالية، فإن الاعتماد المفرط على الثرثرة والنكد، والمشاهد غير المتماسكة، والتيمات المكررة، يُضعف جاذبية العمل.
كان السيناريو بحاجة إلى حوارات أكثر تركيزًا تخدم القصة، وإيقاع إخراجي أسرع يحافظ على اهتمام المشاهد، وتيمات متنوعة تبتعد عن النمطية. كما كان يمكن للعمل أن يحترم السياق الثقافي والروحاني لجمهوره، من خلال تجنب العناصر المثيرة للجدل التي لا تضيف قيمة درامية.
"سيد الناس" فرصة ضائعة لتقديم دراما شعبية تُلهم وتُمتع، لكنه يترك المشاهد في حيرة بين محاولات الإثارة وغياب الرؤية الفنية.