موهبة نسائية تصطدم بالمجتمع المغربي في فيلم 'جهان'
الرباط – تدور أحداث الشريط التلفزيوني "جيهان" للمخرج إدريس الروخ حول فتاة طموحة تسكنها حلم كبير بلعب كرة القدم، لكنها تنحدر من أسرة محافظة تقف في طريق هذا الحلم. بينما تُمنح فرصة ذهبية لتمثيل مدرستها في بطولة دولية لكرة القدم النسوية، فإن رفض والدها التام لممارسة الفتيات لهذه الرياضة، ومتطلبات السفر إلى مدينة أخرى للاستعدادات، يضعها أمام خيار صعب بين التمسك بحلمها أو الاستسلام لقرار والدها.
العمل من سيناريو مصطفى الأزهر، وبطولة كل من عبد الإله عاجل، وسعيدة باعدي، ونهيلة الحماوي، وصباح بن الصديق، وأميمة بوطالب، وسكينة زيادة، وعبد الكريم بولمال، وعبد الغني الصناك، ومحمد الورادي، وسلوى صادق.
يُبرز شريط "جيهان" فكرة جديدة نسبيًا على التلفزيون المغربي، إذ تُعد الأفلام التلفزيونية التي تركز على كرة القدم النسوية نادرة جدًا، وشبه منقرضة في الإنتاجات المحلية. وهذا النوع من الدراما الرياضية يُمثل محاولة جريئة لاستكشاف قضايا اجتماعية من منظور شبابي وأنثوي. وعلى الصعيد العالمي، ليست الفكرة بجديدة، فقد تناولتها العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية في بوليوود وهوليوود، وحتى في السينما الأوروبية، حيث تكررت قصص الفتيات اللواتي يواجهن عراقيل اجتماعية وثقافية لتحقيق أحلامهن الرياضية. وهذا التكرار يجعل الفيلم يبدو مألوفًا للجمهور العالمي، لكنه يظل خطوة مهمة في سياق التلفزيون المغربي للتركيز على قضايا المرأة والرياضة.
ويعاني السيناريو من بعض الثغرات الواضحة التي تؤثر على تماسك القصة، فمثلًا شخصية الفتاة الخصم التي قامت بتصوير "جيهان" في الحمام أو أثناء التدريب بنية إيذائها وخلق مشاكل مع والديها، لم تُواجه أي عقاب أو تبعات لأفعالها. ورغم تلميح الحوار إلى نية تطبيق عقوبة، فإن ردّ الفعل لم يظهر بوضوح. وهذا الغياب يُخل بمنطق الفعل وردّ الفعل، وهو مبدأ أساسي في كتابة السيناريو الدرامي، إذ يترك الجمهور مع شعور بعدم الإنصاف أو النقص في إغلاق هذا الصراع.
كما أن علاقة "جيهان" بخطيبها ظلت غامضة وغير مكتملة، فلم يتم توضيح موقفها من الخطبة، سواء بالرفض الصريح أو القبول، ولم يظهر الخطيب في المشاهد الختامية لتوفير إغلاق درامي لهذا الخط القصصي. هذه الثغرات تجعل بعض مشاهد السيناريو غير محبوكة بإتقان، وتُشتت انتباه المشاهد أو تُضعف التجربة الدرامية.
ويُبرز الأداء التمثيلي في "جيهان" مواهب لافتة، خاصة نهيلة الحماوي في دور البطولة، إذ نجحت في تجسيد شخصية جيهان بمزيج من الطموح والاجتهاد. وهي تمتلك ملامح وأسلوبًا يُشبهان الممثلة المغربية دنيا بوطازوت، ومع تنويع أدوارها، قد تتجاوز نهيلة هذا التشابه لتصبح واحدة من نجمات التمثيل المغربي في المستقبل.
كما قدم عبد الكريم بولمال أداءً مقنعًا وطبيعيًا في دور أستاذ الرياضة واللاعب السابق، وأضاف مصداقية للشخصية من خلال تشخيصه لهذا النوع من الأدوار. أما عودة الممثل القدير عبد الغني الصناك إلى الشاشة التلفزيونية فكانت إضافة قوية، لأنه وجه درامي موهوب غاب طويلًا عن التلفزيون.
ويكشف إدريس الروخ عن تمكنه في الإخراج من خلال احترامه لقواعد الشريط التلفزيوني، إذ استخدم اللقطات القريبة، والقريبة جدًا، والمتوسطة لإبراز الملامح الدرامية، مثل تعبيرات وجه "جيهان" ووالديها وصديقاتها أثناء لحظات الصراع أو التحدي أو الدعم. وهذه التقنيات تُعد من السمات المميزة للدراما التلفزيونية، كونها تُساعد على نقل العواطف بدقة وتقريب المشاهد من التجربة الإنسانية للشخصيات.
لكن تكرار بعض مشاهد التدريب أو المبالغة فيها يطيل مدة العمل، وقد يُشتت ذهن المتلقي أو يُصيبه بالملل، رغم أن القصة مشوقة جماهيريا.
وتُعيق الموسيقى التصويرية، التي رافقت اللحظات الحزينة وعقدة العمل، تجربة الفيلم بسبب افتقارها إلى الطابع المغربي. فالموسيقى بدت أقرب إلى النمط المصري الدرامي الكلاسيكي، مع الاعتماد على الألحان الحزينة التقليدية التي تفتقر إلى الخصوصية الثقافية. وكان من الممكن إثراء العمل باستخدام عناصر موسيقية مغربية، مثل الآلات التقليدية التي تُعبر عن الهوية المحلية، وجعل التجربة السمعية أكثر تميزا. هذا النقص قلل من انسجام الموسيقى مع السياق الثقافي للشريط، كونه مغربيًا وليس مصريًا.
ويُعاني الشريط من إيقاع زمني بطيء بسبب تكرار مشاهد التدريبات، التي كان بالإمكان اختصارها أو استبدالها بلقطات رمزية لنقل فكرة التحضير للبطولة. فكون الفيلم تلفزيونيًا بمدة وإنتاج محدودين، كان من الأفضل اعتماد إيقاع متوسط ومكثف للحفاظ على انتباه الجمهور. هذا التكرار جعل بعض المشاهد تبدو زائدة عن الحاجة. ولو تم تقليص هذه المشاهد أو استخدام مونتاج أكثر ديناميكية، لكانت مدة الفيلم 90 دقيقة كافية تمامًا.