دراما بلطجة تتنازعها الشاشة الصغيرة والكبيرة في 'الغاوي'

المسلسل يقدم سردا دراميا عن تحول بلطجي سابق إلى بطل شعبي بعد مآسٍ شخصية، في عمل تتقاطع فيه رمزية الحمام والأكشن العنيف مع أداء مكي المتفاوت، لتكشف عن تباين بين فكرة قوية وتنفيذ مشتت.

تدور أحداث مسلسل "الغاوي" للمخرج المصري محمد جمال العدل حول شخصية تُدعى "شمس". بعد فقدان زوجته بصورة مأساوية وتعرّضه لظلم شديد، يقرر أحد أخطر البلطجية تغيير نمط حياته الإجرامي، فيبدأ في مواجهة العديد من التحديات والصعوبات في سبيل تحقيق ذلك، مما يجعله يتحوّل إلى بطل شعبي في نظر أهله وأبناء منطقته الشعبية.

المسلسل من تأليف محمود زهران وطارق الكاشف، وبطولة كل من أحمد مكي، عائشة بن أحمد، عمرو عبدالجليل، كرم جابر، أحمد كمال، وأحمد بدير.

يبرز سيناريو المسلسل القصير "الغاوي" كمحاولة طموحة لتقديم قصة أكشن مشوقة تدور حول شخصية "شمس"، البطل الذي يعود من اعتزاله الجريمة لينتقم لصديقه "فؤش"، ليجد نفسه في مواجهة مع "الخواجة"، الخصم الذي يهدد حياته وحياة عائلته.

تُبيّن أحداث المسلسل أنه أكثر ملاءمة لفيلم سينمائي مكثّف بدلاً من مسلسل تلفزيوني، إذ تتجلى قوة فكرته في قدرته على الدمج بين الأكشن العنيف والصراعات الشخصية، مما يجعله أقرب إلى أفلام الجريمة والابتزاز السينمائية. وتبدأ القصة بحدث درامي يتمثل في مقتل شخصية "فؤش" بعد خداعه من "الخواجة"، ويدفع "شمس" للعودة إلى عالم الجريمة. هذا المدخل يحمل زخمًا سينمائيًا واضحًا، حيث يمكن تخيّل الفيلم يبدأ بـ"فلاش باك" يظهر "شمس" و"فؤش" في ذروة حياتهما الإجرامية، ثم ينتقل إلى حياة "شمس" الهادئة قبل أن يُجبر على الانتقام. لكن في تنسيق المسلسل، يتم توزيع هذا الزخم عبر 15 حلقة، مما يؤدي إلى تكرار الأحداث، مثل عمليات الخطف المتكررة لأفراد عائلة "شمس"، وإضعاف التوتر. بينما كان من الممكن تكثيف الصراع في فيلم مدته 90–120 دقيقة، مع التركيز على مواجهة "شمس" و"الخواجة" كعقدة مركزية للحفاظ على إيقاع سريع. وهذا التشتت في السرد يبرز عيبًا رئيسيًا، لأن الفكرة تناسب بنية سينمائية خطية أكثر من بنية تلفزيونية تعتمد على الاستدامة.

وتتميز الصراعات الدرامية في المسلسل بطابعها العنيف والمباشر، مما يجعلها بعيدة عن الدراما التلفزيونية التقليدية التي تعتمد على الصراعات العاطفية أو الاجتماعية الممتدة. فعلى سبيل المثال، ابتزاز "الخواجة" لـ"شمس" عبر خطف "يونس" و"حنان"، وتهديده بحياة عائلته مقابل استعادة ساعة ثمينة، يخلق توترًا فوريًا يناسب ذروة فيلم سينمائي أيضًا. بينما في المسلسل، تُطيل هذه الصراعات عبر حلقات متعددة، مما يؤدي إلى شعور بالتكرار. فالصراعات الجانبية مثل خيانة "راجح" أو زواج "حنان"، تُضيف تعقيدًا غير ضروري يُضعف التركيز على العقدة الرئيسية. بينما لو كان فيلمًا، يمكن دمج هذه الأحداث في تسلسل واحد مكثّف، مع التركيز على الساعة كرمز للصراع، وتقليل الشخصيات الثانوية للحفاظ على انتباه الجمهور. هذا النهج كان سيجعل العقدة أكثر شدًا وجاذبية، حيث يظل الجمهور مشدودًا إلى مصير "شمس" دون تشتت.

تُبيّن جمالية إدخال الحمام كمهنة تعبّر عن السلام الذي يطمح إليه "شمس" بعد تركه عالم البلطجة بُعدًا رمزيًا مميزًا؛ فالحمام كرمز للحرية والهدوء، يُعبّر عن رغبة "شمس" في الخلاص من ماضيه العنيف. هذا العنصر يظهر بوضوح في الحلقة السادسة، عندما يتلقى "شمس" فيديو يُظهر قتل حمامه، وهو ما يُمثل تدمير أمله في السلام. هذه الرمزية تُضيف بُعدًا لعلاقة الشخصية بالحمام، وبين ماضيه وحاضره. لكن لو كانت القصة سينمائية، كان يمكن استغلال هذا الرمز بشكل أكثر تركيزًا، مثل استخدام مشاهد متكررة تُظهر "شمس" يعتني بالحمام كتعبير عن ندمه، ثم تدميره كمحفّز للذروة. أما في أحداث المسلسل، يظل هذا العنصر فعالًا لكنه يفقد بعض تأثيره بسبب تركيز السرد على الأكشن أكثر من الحبكة الدرامية.

يُعد أداء أحمد مكي في دور "شمس" نقطة قوة وتحديًا في آن واحد. فمكي، بصفته ممثلًا رصينًا، ينجح في تجسيد شخصية "شمس"، خاصة في لحظات الغضب والحزن، مثل رد فعله على مقتل "فؤش" أو "يونس". لكنه يواجه تحديًا في صوته الخشن وغير الواضح أحيانًا بسبب نبرته البطيئة. بينما في مشاهد الأكشن، يتألق مكي بحضوره القوي وحركاته الديناميكية. أما في الحوارات العاطفية، مثل مواجهاته مع "فاطمة" أو "حنان"، فيبدو صوته أقل تأثيرًا. ولو تم التركيز على مشاهد الأكشن والحد من الحوارات العاطفية الطويلة للاستفادة من نقاط قوة مكي، لكان ذلك أفضل لتجنب الإيقاع البطيء والملل.