تحليل الاعمال الدرامية بين عاطفة الجمهور والنقد الفني

الصراع بين الإحساس والمنطق يعرقل وضوح تلقي الاعمال التلفزيونية.

الرباط ـ يُمثل النقد التلفزيوني حقلًا معقدًا يتقاطع فيه الفن مع الثقافة والتجربة الإنسانية، ويسعى إلى تفكيك النصوص البصرية لفهم دلالاتها الفنية والاجتماعية. إذ يكمن جوهر هذا النقد في التباين بين استقبال الجمهور للأفلام التلفزيونية والمسلسلات الدرامية، الذي يغلب عليه الطابع العاطفي، وبين تحليل الناقد الذي يعتمد على المنطق والمنهجية. فالجمهور ينجذب إلى القصص التي تُحاكي مشاعره وتُثير انفعالاته، بينما يستخدم الناقد أدوات تحليلية مثل المقارنة، والتفكيك السردي، والسياق الثقافي لتقييم جودة العمل.

ويتفاعل الجمهور مع الأفلام التلفزيونية والمسلسلات الدرامية بعاطفة غامرة، إذ تُشكل المشاعر المحرّك الأساسي لتجربة المشاهدة. ففي كتاب "فن مشاهدة الأفلام"، يوضح المنظّر جو بوجز أن الجمهور ينجذب إلى الأعمال التي تُثير استجابات عاطفية فورية، مثل الحزن أو السعادة، من خلال تقنيات سردية مثل الصراعات العاطفية في لحظات الذروة، عندما يُصمم السرد ليُحفّز التعاطف مع الشخصيات من خلال قصص عائلية قوية، تجعل الجمهور يعيش التجربة بإحساسه أكثر من عقله.

هذا الانغماس العاطفي يُتيح للمشاهدين الهروب من ضغوط الحياة اليومية، لكنه، كما يحذر بوجز، قد يؤدي إلى تجاهل العيوب الفنية مثل ضعف الحبكة أو تناقضات الشخصيات. وهكذا تُشكّل العاطفة مدخلًا حيويًا لتجربة الجمهور، لكنها تُعيق تقييمهم الموضوعي للعمل.

ويعتمد الناقد على منهجيات عقلانية لتقييم الأعمال الدرامية، مستخدمًا أدوات مثل المقارنة والتفكيك السردي. ففي كتاب "الفن السينمائي"، يؤكد ديفيد بوردويل وكريستين تومسون على أهمية تحليل العناصر السردية، مثل البنية الدرامية وتطور الشخصيات، لتقييم جودة العمل.

كون الناقد يركز على التحول الرئيسي في الشخصية من خلال دراسة دوافعها وسلوكياتها، متجاوزًا التعاطف العاطفي معها.

وتُتيح هذه المنهجية تقييمًا موضوعيًا يعتمد على مقارنة العمل بأعمال مشابهة. لكن بوردويل يشير إلى أن هذا النهج قد يُفقد الناقد متعة التجربة العاطفية التي يعيشها الجمهور. وبالتالي يُعد التحليل النقدي أداة أساسية لفهم الأعمال الدرامية، لكنه يتطلب حساسية للحفاظ على جوهر التجربة الفنية.

ويؤثر السياق الثقافي والاجتماعي أيضًا على تفسير الأفلام التلفزيونية والمسلسلات الدرامية، سواء من منظور الجمهور أو الناقد. ففي كتاب "فهم الإعلام: امتدادات الإنسان"، يوضح مارشال ماكلوهان أن الوسائط البصرية تُشكّل امتدادًا للتجربة الإنسانية، كونها تعكس قيم المجتمع وتُشكّلها، من منظور تأثيرها على تصوّر الجمهور. مع الإشارة إلى الانحرافات التي قد تثير إشكاليات ثقافية.

بينما الناقد، وفقًا لماكلوهان، يضع العمل في سياقه الثقافي لفهم دلالاته، في حين يتفاعل الجمهور بناءً على قيمه الثقافية الشخصية. وهذا يؤدي إلى تفسيرات متباينة: فالجمهور يرى في المسلسل قصة درامية ممتعة، بينما ينتقد الناقد انحرافه عن الحقائق. وهكذا يُبرز السياق الثقافي تعقيد النقد التلفزيوني، إذ يتطلب مراعاة التأثيرات الاجتماعية دون إغفال التجربة العاطفية.

ويُشكل التوفيق بين التفاعل العاطفي للجمهور والتحليل العقلاني للناقد تحديًا جوهريًا في النقد التلفزيوني. في كتاب "ثقافة النقد"، يناقش كيفن ماكدونالد أن النقد الثقافي يجب أن يدمج بين التحليل الموضوعي والتجربة الذاتية ليكون فعالًا، فهو يعتمد على لحظات درامية معقولة، بينما ينتقد ضعف التماسك السردي من جهة أخرى. هذا النهج يتطلب حساسية لتوقعات الجمهور دون التضحية بالمعايير النقدية، لكنه يواجه عقبات مثل الذاتية الشخصية، والضغوط التجارية التسويقية، ورفض الجمهور للنقد الذي يتعارض مع تجربتهم العاطفية، وهكذا يظل تحقيق نقد متوازن هدفًا صعبًا، إذ يتعين على الناقد احترام مشاعر الجمهور مع تعزيز جودة الإنتاج الفني.

ويُجسد النقد التلفزيوني الصراع الدائم بين العاطفة الجماهيرية والتحليل العقلاني، إذ تُشكّل كل منهما بعدًا أساسيًا لفهم الأفلام التلفزيونية والمسلسلات الدرامية، فبينما تُثري العاطفة تجربة الجمهور وتجعلها ممتعة، يُضيف النقد العقلاني وعيًا بالجودة الفنية والدلالات الثقافية.

لكن، هل يمكن تحقيق توازن حقيقي بين هذين المنظورين في ظل التحديات الثقافية والتجارية، خاصة في زمن الترند؟ وهل ينبغي أن يكون دوره تعزيز المتعة الجماهيرية أم رفع مستوى الذائقة الفنية، أم كليهما؟