العراق وسوريا أو إيران والعرب
ليس صحيحا ما يُقال من أن الحكومة العراقية في مقاربتها السورية قد تحركت بمعزل عن الإملاءات الإيرانية.
إيران التي تحكم العراق منذ عام 2006 وهي السنة التي تولى فيها نوري المالكي الحكم في ولايته الاولى لا يمكنها أن تترك حكومته وهي حكومة ضعيفة كالعادة تقرر شكل ونوع العلاقة مع دولة، طُردت منها لتوها وخسرت من خلالها الممر الحيوي الذي يصل بينها وبين حزب الله.
حزب الله الآن وبسبب انقطاع المدد، يتيم وفقير وعلى وشك أن يسلم سلاحه ويعترف بشكل نهائي بهزيمته.
كانت العلاقات بين العراق وسوريا سيئة دائما بسبب حزبيي البعث المنشق على نفسه. هل تحسنت تلك العلاقات بعد احتلال العراق وانهيار نظام صدام حسين؟ خضع الطرفان، سوريا والعراق إلى علاجات إيرانية لكي تكون الطريق بينهما سالكة. الموالون لإيران من العراقيين عرفوا الطريق إلى سوريا أما السوريون فلم يذهبوا إلى العراق الإيراني على الرغم من أن اللبنانيين اكتشفوا أن المال وفير هناك.
كان نظام بشار الأسد قد فتح أمام الإيرانيين دمشق من بوابة السيدة زينب التي دخل منها العراقيون أيضا.
الآن صار على العراقيين بعد الانقلاب السوري أن يدفعوا مبلغا كبيرا للحصول على التأشيرة السورية التي كانوا يحصلون عليها في الماضي مجانا إذ أنها لم تكن موجودة.
قد لا يعرف البعض أن سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تكن تفرض على العربي شرط الحصول على التأشيرة من أجل الدخول إلى أراضيها.
ذلك صار من الماضي.
وفي عودة إلى العلاقات الإيرانية السورية المرتبكة حاليا فإن إيران ستكون مضطرة لمجاراة المزاج الأميركي والإقليمي من أجل أن تمر مفاوضاتها مع الولايات المتحدة بسلام.
ذلك ما يفسر الإقبال العراقي على المساهمة في الحفلة السورية التي فقد الإيرانيون بسببها الطريق التي تصل بهم إلى لبنان. سوريا التي لم تعد إيرانية ولم تعد ترحب بالعراقيين وهي لا تثق بإيران إضافة إلى أنها يمكن أن تنضم إلى حلف عالمي معاد لها. ذلك ما يمكن حدوثه في أية لحظة.
إيران في حاجة إلى مَن يمثلها في سوريا. لم يعد مرحبا بها هناك بعد أن ساهمت ميليشياتها في ارتكاب مجازر بشعة في حق الشعب السوري.
ولأن سوريا في حاجة إلى المال إضافة إلى نظامها الحالي في حاجة إلى أن يحصل على إجماع عربي في مسألة الاعتراف بشرعيته. ذلك أمر مهم بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل ومن بعدهما تركيا فسيكون مقبولا ولو على مضض أن يكون العراق حاضرا لكي يمثل المصالح الإيرانية التي ذهبت من غير رجعة.
بهذا المعنى الملتبس فإن العراق يشكل بوابة إيران إلى سوريا. وهي بوابة تحرص إيران على أن تظل مفتوحة في انتظار ما يمكن أن يحدث في المستقبل. غير أن ذلك وإن حدث رسميا لا ينفي إن يكون هناك موقف عقائدي مخالف له ومندد به. ذلك ما كشفت عنه تصريحات زعماء الميليشيات وعدد من النواب من ممثلي الأحزاب الموالية لإيران.
من المستبعد في هذه اللحظة الحرجة أن تقول إيران رأيها في محاولة التقارب العراقي السوري. فهي تريد الإبقاء على الإيحاء بأن الحكومة العراقية تتحرك بحرية واستقلال بمعزل عن موقف الميليشيات والأحزاب الولائية التي سيكتفي ممثلوها بالتصريحات من غير اللجوء إلى التصعيد. فالتعليمات الإيرانية واضحة. دعوا كل شيء يمر حسب ما هو مخطط له.
ذلك كله غير غائب عن ذهن الإدارة السورية الجديدة والقوى الدولية والإقليمية التي تدعمها غير أنه لن يشكل عقبة في طريق استمرار التقارب الذي سيضمن على الأقل اعتراف العراق الرسمي بالنظام السياسي في دمشق وقد يكون مفيدا لسوريا في المستقبل على المستوى الاقتصادي.
كل ذلك لا يعني سوى أن هناك انفتاحا حذرا ومحددا سيقع بين البلدين لكي لا تعود العلاقات بينهما إلى ماضيها السيء فما من رغبة لدى الطرفين في التذكير بزمن البعث الذي اختفى بسيئاته وحسناته. سوريا اليوم هي غير سوريا البعث وهي تتطلع حسب ما تُحاط به من عناية عربية مركزة إلى أن تستعيد موقعها في محيطها العربي. ذلك ما لم يسع إليه العراق عبر العشرين سنة الماضية حيث حرصت إيران على أن يبقى العراق واجهتها في صراعها مع العرب.
ذلك تناقض جوهري سيكون له دوره في صياغة نوع ومستوى العلاقة بين البلدين.