رحلة روحية وفكرية لأحمد الشهاوي في 'وصايا الكتابة'
الكتاب يقدم نصائح ثمينةً لكل من يطمح إلى أن يكون كاتبًا، ويدعو القارئ إلى إعادة التفكير في علاقته بالكلمة والإبداع.
الخميس 2025/05/22
يعد كتاب "وصايا الكتابة .. كيف نكتب ولماذا؟" للشاعر والكاتب أحمد الشهاوي سيرةً ذاتيةً لعملية الكتابة وطرائقها تحلُّ كثيرًا من المشكلات التي تواجهُ الشَّاعر والكاتب معًا، وتجيبُ عن أسئلةٍ كثيرةٍ تواجهُ من يحملُ القلم، للوصول إلى باب البيت من دُون تعثُّرٍ، أو ذهاب نحو تيه الأخطاء.
يمُدُّ الكتاب – الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة - قارئه بأدواتٍ عمليةٍ من شأنها أن ترفع النصَّ وتنقذه من الوقوع في مناطق الارتباك. كما تقدم بيانًا لطبيعة الكاتب الذاتية وقدرته على التحدِّي والتصدِّي في مواجهة ما يعترضه من مشكلاتٍ وهو جالسٌ أمام نصِّه سواء أكان يكتب باليد أم يستخدم الكمبيوتر، داعيًا كل كاتبٍ إلى مراجعة نصِّه يدويًّا إذا كان قد أنجزه على الكمبيوتر الذي كثيرًا، بل دائمًا، ما يخدع صاحب الناس واهمًا إياه أنَّ نصَّه كامل لا نقصانَ فيه، ولا يحتاجُ إلى مراجعةٍ أو تحريرٍ أو إعادة كتابة من جديدٍ في بعض أجزائه.
هذا الكتاب الذي يُعدُّ سيرةً لحرف الشهاوي على مدى تجربته المُمتدة في الكتابة يأخذ مُتلقِّيه في خطواتٍ نظريةٍ وعمليةٍ علنيةٍ نحو الدخول إلى عالم الكتابة الرَّحب والمُتعدِّد.
يتناول الكتابُ دوافعَ مؤلفه ومبرِّرات مشروعه الذي ارتأى أنَّ الكُتَّاب العرب صاروا يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على الكتب الأجنبية المترجمة إلى العربية التي تتناول نصائح ووصايا وخطوات الكتابة، وأغلبها ينتمي إلى كتب "التنمية البشرية" أكثر مما ينتمي إلى الأدب، ولعل نُقصان المكتبة العربية من هذا النوع من الكتابة قد حفز الشهاوي ودعاه لأن ينجزَ هذا الكتاب، واصلا تجارب الأسبقين من الأسلاف مثل: أدب الكاتب؛ لابن قُتيبة، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري، والمثل السَّائر في أدب الكاتب والشَّاعر لابن الأثير، وكتاب نقد الشعر لقُدامة بن جعفر، والألفاظ الكتابية للهمذاني، والرسالة العذراء لأبي اليُسر إبراهيم بن محمد الشيباني، والمنسوبة خطأً لابن المدبر، والبيان والتبيين للجاحظ، ورسالة في مدح الكتب والحثِّ على جمعها للجاحظ أيضًا، والعِقْد الفريد لابن عبد ربه، وصبح الأعشى للقلقشندي، وكتاب جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب للهاشمي، وغيرها من الكُتب المؤسِّسة والمؤثِّرة في التراث العربي.
رأى الشَّاعر والكاتب أحمد الشهاوي أن تجارب رُوَّاد الشِّعر العربي القليلة في كتابة سيَرهم الشعرية ووضعها في كتبٍ خلال النصف الثاني من القرن العشرين لم تتواصل تجاربُهم مع الأجيال الجديدة، بل إن أغلبها لم يُعَدْ طبعُهُ، ولعل أشهرها "تجربتي الشعرية" لعبدالوهاب البياتي، و"حياتي في الشعر"، و"على مشارف الخمسين" لصلاح عبدالصبور، و"قصتي مع الشعر"، "من أوراقي المجهولة… سيرة ذاتية ثانية"، و"الشعر قنديلٌ أخضر" لنزار قباني، و"ها أنت أيها الوقت" لأدونيس.
ومن خلال التجربة الشخصية في الكتابة يفتح الشهاوي نوافذ للتعامل مع الكتابة بمفاهيم جديدةٍ لا تنسَى الإرثَ وفي الوقت نفسه تتواصل مع أحدث تقنيات الكتابة في العالم، وتطرح أسئلة الكتابة وطقوسها، وما وراءها.
ويمكنُ اعتبار سيرة الكتابة من جنس السير الذاتية، التي هي سردٌ مفتوحٌ عابرٌ للنَّوع، تعني القارئ والناشىء في الرواية والشعر، وكذا العارف بدروب الكتابة وشعابها بشكل أكبر، حيثُ يتناول الكتاب مراحل التكوين الشعري والثقافي، وأهمية ونوعية الكُتب في حياة الكاتب، كاشفًا الكثير من أسرار عملية صناعة الكتابة.
هو عملٌ يتجاوز كونه مجرد دليل تعليمي لفن الكتابة، ليتحول إلى نصٍّ مليء بالفكر والتجربة العميقة حول علاقة الكاتب بالكتابة كفعل إنساني ورُوحي وفكري. حيثُ يقدِّم أحمد الشهاوي رؤيته الخاصة للكتابة كعملية إبداعية تحمل في طياتها معاناة وسعيًا دائمًا نحو التجويد والابتكار.
وينطلق الكتاب من قناعة الكاتب بأن الكتابة ليست مجرد عملية ميكانيكية، بل فعل يستدعي الالتزام، والتأمُّل، والشغف. ويرى أن الكاتب، مهما بلغ من مهارةٍ أو خبرةٍ، يحتاج دائمًا إلى الإرشاد والنصح، تمامًا كأي إنسان يطلب المعرفة في طريقه إلى الكمال الإبداعي.
يتناول الكتاب في طياته أسئلةً جوهريةً مثل: لماذا نكتب؟ وكيف نكتب؟ ويعطي إجابات تجمع بين الفلسفة، الأدب، والتجربة الشخصية. وأن الكتابة ليست مجرد نشاطٍ ذهني، بل فعل يترك أثرًا في الروح والجسد. يصف الكتابة بأنها صراع دائم بين الأمل واليأس، وبين الحلم والإحباط، وأنها تمثل في جوهرها سعيًا مستمرًا للتعبير عن الذات وإيصالها إلى العالم.
ويركِّز الكتاب أيضًا على أهمية القيم الأساسية في الكتابة، مثل الصدق، والإخلاص، والالتزام، والإتقان.
ويؤكد الشهاوي أن الكاتب الحقيقي يجب أن يكون أمينًا مع نفسه ومع قارئه، وألا يكتب فقط بحثًا عن الشهرة أو النجاح السريع، بل ليُقدم للعالم نصُوصًا صادقة تعبر عن تجربة إنسانية عميقة.
كما يُظهر الشهاوي في كتابه أهمية القراءة كجزءٍ من عملية الكتابة. فهو يرى أن الكاتب لا يمكن أن يكونَ منعزلًا عن التراث الإنساني والثقافي، وأن القراءة هي الزاد الذي يُغذي خيال الكاتب ويثري تجربته. الكتابة، وفقًا له، ليست فقط فعل إنتاج، بل نتيجة لعملية تفاعل طويلة بين الكاتب وما يقرؤه ويعيشه.
أحد أبرز نقاط قوة الكتاب هو لغته، حيث يجمع الشهاوي بين الأسلوب الشعري والتأمُّل الفلسفي، مما يجعل الكتاب ليس مجرد دليل تقني، بل عملًا أدبيًا قائمًا بذاته. النصوص مليئة بالحكمة والإلهام، وتُحفز القارئ على التفكير في معنى الكتابة ودورها في الحياة.
وكتاب "وصايا الكتابة" ليس فقط كتابًا عن الكتابة كحرفةٍ، بل هو رحلة روحية وفكرية تدعو القارئ إلى إعادة التفكير في علاقته بالكلمة والإبداع. يقدم الكتاب نصائح ثمينةً لكل من يطمح إلى أن يكون كاتبًا، ولكنه في الوقت نفسه يُذكِّرنا بأن الكتابة ليست مجرد مهنة، بل هي التزامٌ مستمرٌ بالسعي نحو الحقيقة والجمال.
يقول أحمد الشهاوي: "لا أحدَ يُولَدُ تامًّا كاملًا، فهناك دائمًا نقصٌ يحتاجُ إلى إرشادٍ ينيرُ، أو توجيهٍ يساعدُ أو وصيةٍ تقُودُ، أو نصيحةٍ تمهِّدُ مِمَّن خبَرَ وعرَفَ واحترفَ، والنقصُ بطبيعة الحال يستولي على جُملة البشر، لكنَّ الأهمَّ أن يُدْرِكَ الكاتبُ أو الشَّاعرُ ما ينقصُه، ويعرف أسرارَ "مهنة الكتابة".
وهذا الكتاب يُقدِّم تجربةً مُهِمَّةً اشتغلَ عليها سنواتٍ من حياتهِ مع الحَرْف، وقدَّم كتابًا جديدًا ومختلفًا وضافيًا ضمَّ مئات الوصايا التي تقُود الكاتبَ أو الشَّاعرَ إلى طريقِ الكتابةِ بسهُولةٍ وسلاسةٍ.
هذا الكتاب يوضِّحُ جُزءًا من الطَّريقِ كي يصلَ قارئه إلى ما يبتغِي، فالمرء يظلُّ حتَّى آخر العُمرِ يذهبُ إلى الكتابةِ كأنَّهُ يكتبُ للمرَّةِ الأولى، إنَّها رهبةُ الكتابةِ وقداستها.
أحمد الشَّهاوي يؤكِّد في كتابه هذا "وصايا الكتابة .. كيف نكتبُ ولماذا ؟" أنَّ الكتابةَ الجميلةَ الباقيةَ هي كالحُبِّ تطيلُ العُمرَ، بل وتُنْقِذُ من الإحباطِ والاكتئابِ والموتِ، وتُبْقِي عقلَكَ سليمًا من دُون أضرارٍ أو تَلَفٍ، وتَصْرِفُ نظرَ القاتلِ عن استعمالِ مُسدَّسهِ في وجهِ من اختطفهُ في الظَّلام. الكتابةُ تُغيِّرُ وتُشفِي الرُّوحَ والجسدَ معًا".
ولكي يصيرَ المرءُ كاتبًا جيِّدًا ومُتحقِّقًا، عليه أن ينتظمَ في دفعِ ضرائبِ الكتابةِ؛ التي ليست مَهَمَّةً سهلةً، وتتمثَّلُ تلك الضَّرائبُ اليوميةُ والأسبوعيةُ والشَّهريةُ والسَّنويةُ المُنتظمةُ في القراءةِ، والإتقانِ، والزُّهدِ، والسَّخاءِ، والإخلاصِ، والالتزامِ، والانضباط، والصَّمتِ، والعُزلةِ، والوحدةِ، والتدقيقِ الدَّائمِ في الذَّات، والترحالِ داخل وخارج بلدِكَ، وحبُّ الكتاب قبل حُبِّ الكتابةِ، والتَّرَوِّي، والتخلِّي عمَّا يُعطِّل المسيرةَ، وإعادةُ ما تكتبُ مرَّاتٍ مُتتاليةً، ومن ضمن