المعجم الذهني، قضايا بنية المعرفة وتموقع الدلالة في الدماغ: مفهوم الحرية نموذجا

الأنشطة الذهنية والقُدُرات التصنيفية تَتَموقَع في المعجم الذهني داخل دماغ الإنسان، وذلك على شكل مستويات معرفية ذهنية ثلاثية. والفضل في هذا التحديد الدقيق يعود إلى كَوْن علم المعرفة الحديث يَنهَل خصوصا من العلوم الطبيعية كعلم البيولوجيا وعلم الأعصاب، وتُقربنا هذه العلوم من استكشاف عمليات ووظائف الجهاز العصبيّ في علاقته باللغة والدلالة.

تقديم

تُعد قضية بنية المعرفة وتَموقُع الدلالة في دماغ الإنسان من أهم القضايا اللغوية التي تقوم عليها الدراسات اللسانية المعرفية الحديثة، وذلك عند رصد العلاقات الترابطية النفسية الحاصلة في دلالات الكلمات ثم تحليلهابناء على معارف ذهنية وخارج لغوية. فالمعارف المذكورة تَخضع لعمليات ترابطية تُساهم في انزياح الدلالة من مركزية إلى أخرى هامشية، وتَكُون لهذهالعمليات الذهنية أثر كبير في عملية التواصل بين أفراد الجماعة اللغوية. وتَدخُل دينامية البنية المعرفية (die kognitive Struktur) وتَموقُع الدلالة ضمن طبيعة اللغات الإنسانية نتيجة لتفاعل عناصر معرفية ذهنية مع أخرى خارج لغوية. وتُصبح التفاعلات الذهنية ضمن المعرفة المعجمية في اللغة المفردة في دينامية دائمة. ونُنبِّه في هذا السياق إلى أن موضوع، بِنية المعرفة وتموقع الدلالة في دماغ الإنسان، يحتاج في دراسته وتحليله إلى الجمع بين علوم طبيعية وإنسانية مختلفة على السواء مع تحديد الفروق الدقيقة بين المعارف الذهنية، ويَرجع هذا الأمر إلى طبيعة اللغة الإنسانية وارتباط هذه الأخيرة بالكلمة ودلالتها.

وقبل التصدي لإشكالية تَموقُع الدلالة في دماغ الإنسان وماهية بنية المعرفة الذهنية، نَطْرَح السؤال الآتي:

كيف يمكننا الاستفادة من اللسانيات المعرفية الحديثة، انطلاقا من بِنية المعرفة الذهنية، لتحديد تَموقُع الدلالة وفهم موروثنا اللغوي المعجمي؟

المعجم الذهني وتَمَوقُع الدلالة في البنية المعرفية الذهنية: تَتَبَنْيَن دلالة الكلمة في المعجم الذهني (mentales Lexikon) على أساس أنساق معرفية، وأنها في الخطاب السياقي، لا تستقر على حال، بل تتغير من عصر إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى؛

ويَرجِع هذا الأمر إلى كون "نسق اللغة يُعتبر ديناميا، وذلك بناء على عناصره التفاعلية الفردية منها والاجتماعية." انظر شميت/هيرينجر (2011، ص. 31)

واستنادا إلى النسق اللغوي الدينامي (das dynamisch- sprachliche Netz)المذكور قَدَّم الدرس اللساني الحديث حلولا منهجية ومعرفية استفادت من نظرية النماذج الأصلية (Prototypentheorie)عند تحديد مركزية أو هامشية أية دلالة من جهة، واستفادت أيضا من نظرية الأطر عند تواجد المرجع إما على واجهة الصورة وإما على الخلفية داخل الإطار من جهة أخرى. ووَجَدَت النظرية اللسانية المعرفية النفسية في علم الدلالة المعرفي (kognitive Semantik)نُقْطَة تَقاطع عناصر لغوية بأخرى خارج لغوية مع التركيز على بنيات الدلالة التصورية، بحيث تَكُون العلاقات بين الدلالة التصورية وبين المرجع تشابهية أو تماسية أو تباينية.

 وفي ضوء ما سبق ذكره يمكن اعتبار اللغة وتغير تَموقُع دلالات كلماتها ظاهرة إنسانية بامتياز، ويمكن عن طريق دراسة النماذج الكلامية الصادرة عن أفراد الجماعة اللغوية الوصول إلى قواعد وعوامل مشتركة للُغَةٍ عربيةٍ تُساير دينامية الجماعة اللغوية، وبذلك يُصبِح تَحديد تَموقُع الدلالة في البنية المعرفية الأساس النموذجي الذي يمثل الجانب الدينامي من اللغة. وعند تحليل اللغة وعلاقتها التفاعلية بعناصر أخرى، تنطلق اللسانيات المعرفية من المبدأ الآتي:

  تَضُم المعرفة جميع البنيات والإجراءات المعرفية التي يتوفر عليها الإنسان، وحينها تصبح اللغة بمثابة تلك القدرة المعرفية النوعية للإنسان المرتبطة بباقي القدرات المعرفية الإنسانية الأخرى، مثل: الإدراك والتصور والتأليف إلخ.

وتُمَثِّل البنيات جزءا جوهريا في اللسانيات المعرفية وأيضا في علم الإدراك المعرفي(die Kognition)، عندما "تقدم لنا البنيات توضيحا حول الأنشطة الذهنية والقُدُرات التصنيفية بالإضافة إلى توضيح تأثيرات المعلومات المُخَزَّنة لمدة طويلة." انظر شفارتس (2008، ص. 33)

فالأنشطة الذهنية والقُدُرات التصنيفية تَتَموقَع في المعجم الذهني داخل دماغ الإنسان، وذلك على شكل مستويات معرفية ذهنية ثلاثية. والفضل في هذا التحديد الدقيق يعود إلى كَوْن علم المعرفة الحديث يَنهَل خصوصا من العلوم الطبيعية كعلم البيولوجيا وعلم الأعصاب، وتُقربنا هذه العلوم من استكشاف عمليات ووظائف الجهاز العصبيّ في علاقته باللغة والدلالة. فنسق الإدراك المعرفي عند الإنسان يكون محوريًا وأساسيًا عندما يتعلق الأمر بتخزين المعلومات واستدعائها، بالإضافة إلى توفيره للآليات الضرورية عند الحدث الكلامي؛ "ولإنتاج تعابير لغوية أو فهمها يجب علينا أن نكون قادرين على تخزين اللغة والتجارب التي هي نتاج لعمليات التعلم ثم استدعائها عند الحاجة إليها. فالتواصل اللغوي ينبني دائما على تفعيل كلا من اللغة والمعرفة، فبدون المعارف اللغوية والموسوعية لا نستطيع لا إنتاج اللغة ولا فهمها."انظر ريكهايت/فايس/أيكماير(2010، ص. 37)

فوجود كل من المعارف اللغوية والموسوعية المذكورة تُساعدنا على فهم علاقات ترابطية نفسية تَقوم على علم الجشطالت النفسي.ومن هذا المنطلق يُصبح ضروريا، لِفهم دلالة الكلمات العربية بشكل واضح وصحيح، الفصل الدقيق بين الدلالة التصورية القديمة وبين الدلالة التصورية الجديدة إزاء المرجع، حيث يتضح أنَّ دلالة الكلمة الجديدة قد تلتقي فيها معانٍ لغوية بأخرى اصطلاحية ذات طابع ديني محددة بتجربة وثقافة دينيتين ومؤطرة بقوالب تصورية خارج لغوية وأيضا بالمنظومة اللهجية الكبرى للجماعة اللغوية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان مفهوم الحرية بمعناها الضيق تدل في العصر الجاهلي على عدم التبعية لباقي القبائل وتمتع السادة بجميع الحقوق بخلاف العبيد فحقهم كان بيَد مالكهم، ومن هنا كان الإنسان "الحُرُّ: نَقيضُ العَبد."[1]انظر معجم العين (ج. 3/ص 24) وهكذا كانت الحرية موجودة عند العرب في العصر الجاهلي، وذلك كممارسة واقعية داخل البيئة العربية القبلية وبالأخص من طرف زعماء وأشراف العرب، "ولكن الذي فهموه من الحرية هي الحرية الشخصية لا الاجتماعية، فهم لا يدينون بالطاعة لرئيس ولا حاكم، تاريخهم في الجاهلية-حتى وفي الإسلام-حروب داخلية، وعهد عمر بن الخطاب كان عصرهم الذهبي؛ لأنه شغلهم عن حروبهم الداخلية بحروب خارجية، ولأنه رضي الله عنه منح فهما عميقا ممتازا لنفسية العرب."[2] ينظر أحمد أمين (1969، ص. 38)

فالدلالة التصورية كانت عند عمر رضي الله عنه ذات بنية معرفية مؤطَّرة بمعارفموسوعية ودلالات إيحائية والتي جعلت من نفس المرجع خارج لغوي (الحرية) نقطة تقاطع وتَمَفْصُل لنفس الوحدة الدلالية المُخَزَّنة في المعجم الذهني للإنسان العربي آنذاك؛فالتقاطع الحاصل في العملية الترابطية النفسية تكمن في نقل المتكلم، لمرجع دلالي مجرد (الحرية الفردية)عن طريق تحويل تصوره الذهني المتعلق بماهية المرجع، إلى علامة لغوية ذات دلالة جديدة (الحرية داخل الجماعة اللغوية).فدلالة المرجع خارج لغوي (الحرية كسلوك فعلي)كانت مُتَمَوقِعة في المنظومة اللهجية الكبرى للجماعة اللغوية داخل البيئة الصحراوية القائمة بالأساس على العصبية القبلية.وفي هذا السياق تكمن قيمة المنظومة اللهجية الكبرى في كونها تمثل مجالَ تحقق التصور الخارجي للكلمة وأنها لا تختلف بذلك عن الوحدة الدلالية لأنهما معا ينتميان إلى المعرفة اللغوية المفردة للمتكلم، إلا أن الأولى لا تغطي المنظومة اللغوية ككل، بل تشمل فقط المعجم في كليته؛ بمعنى أن علامات المنظومة اللهجية لا تتعدى أن تكون عبارة عن علامات مكانية واجتماعية وأسلوبية وتصورية، تُقَنن استعمال كل كلمة عند حدث الكلام أو الكتابة." ، لكن متكلم لغة بعينها قد يحيط بمعرفة أوسع حول الكلمات في ثروته اللغويةضمن التصور الداخلي للكلمة.ويُذكَر في هذا الصدد أن الانزياح الذي لَحِق المرجع خارج لغوي (الحرية الفردية)، المبنينة على دلالتين تصوريتين مختلفتين مما أدى إلى انزياح تماسي تبايني لَحِق مفهوم الحرب، حيث تغيَّر تموقعه في العلاقة التركيبية الأفقية من داخلية إلى خارجية.والسبب الجوهري في تغير التموقُع الحاصل يرجع إلى دينامية المعرفة الموسوعية والدلالة الإيحائية  لنفس المرجع خارج لغوي.وعلى هذا الاعتبار فإن عنصر خارج اللغة لا يعني بالضرورة وجود تصورات موحدة لكل المتكلمين لنفس الجماعة اللغوية. فالدلالة الإيحائية للمرجع خارج لغوي تخضع بدورها لعامل الانزياح، بينما يبقى المفهوم الإيحائي الضيق لِدلالة الكلمة وتموقعها في المعجم الذهني ثابتا، إلا أن هناك حالات كثيرة يتغير فيها موقع الدلالة الإيحائية، وذلك بتغير المعرفة الموسوعية والمرتبطة بدورها بتغير الأحداث مع مرور الزمن.فالمعارف الموسوعية والدلالات الإيحائية المقصودة عند بلانك تشمل كل ما يرتبط بفهم الكلمة في إطار معرفة الجماعة اللغوية انظر بلانك (1997،ص.76)

فمفهوم الحرية، داخل الجماعة اللغوية العربية، كان إذنفي عمومه حكرا على الفرد القوي سواء أكان هذا الفرد حاكما أم سيدا أم فارسا قويا.أما الحرية بعد مجيء الإسلام فأخذت معنى الخضوع لإرادة الله،وبذلك تغيرت دلالة الحرية داخل المجتمع الإسلامي عندما أصبحت الحياة الاجتماعية الجديدة بمثابة ذلك المسرح الواسع الكبير، الذي التزم فيه كل فرد بدور خاص محدد بقيٍم إسلامية معينة، فإذا لم يفهم الفرد حقيقة وماهية الحرية على أساس المعجم الإسلامي ولم يُحسن أداء دوره الاجتماعي المؤسس على الاحترام المتبادل وجد صعوبات كثيرة في الاندماج مع جماعته اللغوية. وقد يؤدي عدم الاندماج المذكور إلى مشاكل في التواصل، لأن دور كل فرد من أفراد الجماعة اللغوية القائم على الحرية يعتمد على دور غيره في تحقيق الحرية كسلوك حضاري بالمعنى الإسلامي، ومن ثَمَّ تتأثر دلالة الحرية،ويتأثر أيضا تموقعها في المعجم الذهني، بفعل الممارسة الحياتية واللغوية؛ فتطبيق الحرية، عند مجيء الإسلام،أخذ شكلا حضاريا راقيا؛ عندما لم يَقُم الرسول الكريم بحبس فرد في سجن حصين إنما حبس المجتمع بجميع أفراده عن هذا الفرد المذنب، وهكذا كان هذا النوع من العقاب التأديبي أكبر وأشد،في تأثيره وفاعليته، من عَزل الفرد عن مجتمعه، لكن القصد من وراء هذا التعامل  الجديد كان تربويا خالصا.ويكون بذلك تَموقُع دلالة الحرية،داخل المعرفة المعجمية في اللغة المفردة، متمظهرا في ترك الإسلام المُذنب حرّاً طليقا في وسط المجتمع وفي المقابل حبْس المجتمع عنه –ويُسجل في هذا السياق أن هذا النوع من العقاب لا يشمل أفراد مُجرمين ويشكلون خطرا على أمن الفرد والدولة-. ورغم تحرك هذا المُذنب بحُرية فإنه لا يجد من يتكلم معه أو يشاركه حياته. وحدث ذلك عندما حبس المسلمون أنفسهم عن ثلاثة من الصحابة الذين تخلفوا عن الخروج مع الرسول الكريم في غزوة تبوك، "وفي هذه الغزوة تخلف كعب بن مالك من بني سلمة، ومرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية الواقفي، وكانوا صالحين، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامهم مدة خمسين يوماً (...)."وعن المعاناة النفسية عند المقاطعة الجماعية المذكورة يحكي لنا الصحابي الجليل كعب بن مالك بقوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف. فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الارض فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة." [3]ينظر ابن كثير (ج. 4/صص. 44-48)

ويُذكَر هنا أن الإطار الزماني لغزوة تبوك كانت هي السنة التاسعة للهجرة، أما المكان المنظومة اللهجية الفرعية الجغرافية (das diatopische System)فكان يتراوح بين المدينة ومنطقة تسمى بتبوك. وهكذا يتبين لنا تغير تَموقُع دلالة الحرية في المعجم الإسلامي عندما قاطع كل الناس هؤلاء الثلاثة. وبهذه المقاطعة الجماعية أصبحت ممارسة الحرية تأخذ مفهوما جديدا في المجتمع الإسلامي، وذلك عندما سُجِنَ أفراد المجتمع عن المُذنب الذي سُلِب حريته بقطيعة المجتمع له، والقصد من وراء كل هذا هو التأديب لا التعذيب.

وكما أن الدلالة المركزية يحدِّدها نظام اللغة العربية والموقع في سياق الخطاب استنادا إلى العرف اللغوي الاعتباطي المُحدد للدلالة المعجمية التي تربط بين الكلمة ومدلولها، فإن تَموقُع الدلالة في المعجم الذهني يُساعدنا أولًا على تحديد الدلالة المقصودة بناء على المستويات المعرفية الثلاثة في ذهن المتكلم من ناحية، ويساعدنا ثانيًا على استكمال دلالة الكلمة في إطار العلاقة السيميائية التي تربط الدلالة التصورية بالمرجع من ناحية أخرى. فدلالة الكلمة العربية مرتبطة بالتصورات الذهنية للإنسان العربي التي تعكس مجموعة من العناصر المؤطرة لحياة الإنسان العربي منها لغوية وأخرى خارج لغوية؛وعلى هذا الاعتبار فإن تحديد تَموقُع الدلالة في البنية المعرفية الذهنية يَرجِع إلى الأمر الآتي: "يَشترط تطور المكونات الدلالية وجود بنيات وعمليات معرفية أساسية، التي تقع ضمن تكوين البنية الإدراكية والتصورية عند الإنسان."انظر شفارتس (2008، ص. 155)

فَفَهْم دلالات الكلمات وتحديد تَموقُعها يقتضي توفر المتكلم على معرفة موسوعية كافية وقدرة على التمييز بين الدلالات الإيحائية بعضها عن بعض، لأن المعرفة خارج لغوية تُمثِّل مَكْمَن العناصر التي تُؤطِّر استعمال كل كلمة، وأن الإدراكات المعرفية (die kognitiven Wahrnehmungen)التي تأتي نتيجة تفاعل العناصر خارج لغوية ومعجمية وسيماتية بعضها مع بعض  محكومة بتصورات ذهنية تختلف باختلاف الزمان والمكان. ونظرا لأهمية ودور المستويات المعرفية في رصد تَموقُع الدلالة، قام بلانك (1997، ص. 94)بتحديد مكان كل مستوى على حدة في المعجم الذهني. وانطلاقا من هذا التحديد فإن المعرفة السيماتية في اللغة المفردة، وما تحتوي عليه من وحدة دلالية،تُكَوِّن الجوهر وأيضا  المجال المهم والأكثر تجريدا لكل من المعرفة الدلالية ودلالات الكلمات.

وعليه فإن المعرفة الدلالية في هذا  المستوى تمثل النواة عندما تعمل الوحدة الدلالية على تحديد دلالة كل وحدة معجمية وتمييزها عن باقي الوحدات المعجمية الأخرى، وذلك بالمعنى البنيوي السوسيري.أما الطبقة الثانية في المعجم الذهني فتتوفر على المقاطع المعرفية المتعلقة بالكلمة نفسها، بمعنى أن المستوى المعجمي يُقدم لنا المعرفة حول الوحدة المعجمية وكذلك بتحديد مكانها في المعجم الذهني، بالإضافةإلى ضبط القواعد التي تخضع لها الوحدة الدلالية عند حدث الكلام.أما في الطبقة الخارجية فتوجد المعرفة الموسوعية وكذلك أجزاء الدلالة التي تُحدِّد تَصَوُّر الشيء والوضع المشار إليهما حول ما قيل مسبقا.

فالفضل في تحديد تَموقُع الدلالة في المعجم الذهني يرجع إلى استفادةاللسانيات المعرفية النفسية الألمانية من نظريات لسانية أوربية وأمريكية على السواء وأيضا من علوم إنسانية وطبيعية متعددة

خلاصة

نظرة جديدة إلى الموروث اللغوي المعجمي بناء على المعجم الذهني:

استطعنا مع القارئ الكريم، من خلال هذه المقالة اللسانية العلمية، الدخول من بَوَّابَة المعجم الذهني للإنسان العربي للخروج باستنتاجات معرفية لسانية حديثة مُؤَدَّاها: إن الجزيئات، المُكَوِّنة لِلْعَمَليات الذهنية والخارج لغوية والمترابطة بعضها مع بعض، تقوم على تحديد تَموقُع الدلالة المركزية عندما تأخذ العلامات اللغوية المركزية واجهة الصورة الجشطالتية على أساس تشابهي أو تماسي أو تبايني، وبذلك تُشكل التعابير الإشارية (الدوال) والمحتويات الإشارية (المدلولات) مستوى المعرفة المعجمية المكون من تصورات داخلية وخارجية للكلمات وأيضا من علاقات تركيبية أُفُقِية تَربِط فيما بينها علاقات معرفية وسيماتية تلتقي كلها في اللغة المفردة، على حين تطرح الدلالات التصورية بنيات إدراكية معرفية التي تندرج تحت التصورات الذهنية الخارج لغوية. وبناء عليه تُتِيح لنا العلاقات الترابطية السيميائية تحديد تَمَوقُع الدلالة في معجمنا الذهني ثم رَصْد الانزياحات الحاصلةفي أية كلمة على نحوٍ واضح ودقيق يُمَكِّننا من تَتبُّع هذه الانزياحات في دلالات الكلمات ثم تحليلها. وتساعدنا العلاقات الترابطية المذكورة أيضا على فهم كيفية تَبَنْيُن تصوراتنا الذهنية التي تتصل بالمرجع خارج لغوي وتمر عبر مُكونَي التعبير الإشاري (الدال) والمحتوى الإشاري (المدلول) لتتحول إلى علامة لغوية مُمَعجمة (lexikalisiert)ومتداولة بين أفراد الجماعة اللغوية.ومن ثَمَّ يمكن القول إن قضية تَموقُع الدلالة بين الثابت والمتغير قضية جوهرية ضمن نسق اللغات الإنسانية وبالأخص اللغة العربية الفصيحة، إلا أن مدى دينامية تغير تَموقُع هذه الدلالة المعجمي تبقى رهينة الاستعمال اللغوي، والأمر الذي يمكن مناقشته هنا بشيء من العلمية والضبط هو انزياح تَموقُع الدلالة والعلاقات الترابطية المعرفية والنفسية المسؤولة عن ذلك.

والله ولي التوفيق


المراجع أحمد بن الخليل الفراهيدي معجم العين. تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي. الناشر: مكتبة الهلال، بيروت، (2003) عدد الأجزاء: 8

أحمد أمين    فجر الإسلام. الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، الطبعة العاشرة، (1969)

ابن كثير السيرة النبوية. تحقيق: مصطفى عبد الواحد. الناشر: دار الطباعة المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، (1976)

Blank A. (1997) Prinzipien des lexikalischen Bedeutungswandels am Beispiel der romanischen Sprachen, Tübingen: Max Niemeyer Verlag

Bußmann H. (2002) Lexikon der Sprachwissenschaft, 3, aktualisierte und erweiterte Auflage. Stuttgart: Alfred Kröner Verlag.•

Drescher M. (2003) sprachliche Affektivität, Tübingen : Max Niemeyer Verlag.

Heringer H. (2011) Texte analysieren und verstehen eine linguistische Einführung,Paderborn : Wilhelm Fink Verlag

Kleiber G. (1993) Prototypensemantik Eine Einführung, Tübingen: Narr Verlag.

Pafel J./ Reich I. (2016) Einführung in die Semantik Grundlagen -analysen Theorien, Stuttgart : Metzler Verlag Rickheit G./ Weiss S./Eikmeyer J. (2010) kognitive Linguistik Theorien, Modelle, Methoden, Tübingen und Basel: Francke Verlag

Schwarz m. (2008) Einführung in die kognitive Linguistik, dritte, vollständig bearbeitete, Auflage. Tübingen und Basel: Francke verlag

[1]

[3].