أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.. هل لها مكان في جامعاتنا؟

تأسيس أقسام للذكاء الاصطناعي في الجامعات العربية لا يكفي.

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ ولا مفر منه من حياتنا اليومية، من المساعد الصوتي الشخصي الذكي "سيري" إلى السيارات ذاتية القيادة، ومن التنبؤ بحركات سوق الأسهم إلى التنبؤ بالجريمة، ومن التعرف على الوجوه إلى التشخيص الطبي.

ولمواكبة الاهتمامات والتطورات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، بدأت الجامعات العربية في إنشاء كليات للذكاء الاصطناعي أو تغيير مسمى كليات الحاسبات والمعلومات لتصبح كليات الحاسبات والذكاء الاصطناعي.

إلا أن الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في كل من الحياة اليومية وقرارات تغيير الحياة يثير تحديات وتساؤلات ومخاوف أخلاقية معقدة تتعلق بالعدالة والخصوصية والمساءلة. ولهذا بدأت حكومات الدول المتقدمة وشركات التكنولوجيا العالمية وجامعات الدول المتقدمة في رصد ميزانيات ضخمة لتدريس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، على اعتبار أن المعرفة الأخلاقية ورفع مستوى الوعي له أهمية خاصة بالنسبة للقرارات المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، فغالباً ما يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بالتصميم المسؤول للذكاء الاصطناعي من قبل مهندسين ذوي تدريب قليل على الاعتبارات والقضايا الأخلاقية المعقدة. ولهذا بدأت جامعات الدول المتقدمة في إيجاد طرق فعالة لدمج هذه القضايا في المناهج الدراسية للطلاب في تخصصات الذكاء الاصطناعي والمجالات التكنولوجية عموماً. فالتنفيذ والتطبيق الدقيق لأنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون فرصة لتحقيق نتائج أفضل وأقل خطورة.

والسؤال المهم هنا هو: هل برامج ومبادرات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لها مكان في جامعاتنا؟ وهل هناك دور لخبراء العلوم الإنسانية والاجتماعية، انطلاقا من مدخل تعدد التخصصات الذي يشهد اهتماما في الدول المتقدمة ضمن برامج تدريس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي؟

برامج التدريس والمبادرات والحوارات في الجامعات حول الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات، هي برامج ومشروعات بحثية متعدد التخصصات تعالج القضايا والتحديات الأخلاقية الشائكة والمعقدة المرتبطة بتطبيق الذكاء الاصطناعي، إذ أن إنشاء الذكاء الاصطناعى دون النظر في الآثار المحتملة الأخلاقية، قد يؤدي الى مخاطر وعواقب غير مقصودة، الأمر الذي يجعل الطلاب والمهندسين وصانعي السياسات في حوار مع الأخلاقيين والفلاسفة وغيرهم من العلماء، فمن المهم أن يتم تعليم الطلاب والمسؤولين عن الذكاء الاصطناعي من البداية كيفية تصميم أنظمة صحيحة مسؤولة، بدءاً من سلامة البيانات والشفافية، إلى فهم كيفية ارتباط القرارات التكنولوجية بالنتائج على الخدمات المجتمعية في القطاعات المختلفة.

وضمن برامج "أخلاقيات الذكاء الإصطناعي" بجامعات الدول المتقدمة، يفحص الطلاب المسائل والتعقيدات الأخلاقية الناشئة عن التطبيقات المختلفة لتقنية الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال دراسات حالة تستند إلى مواقف في العالم الحقيقي يتم تخيلها لأغراض الدراسة، وتكون نقطة انطلاق للمحادثات والحوارات حول الذكاء الاصطناعى والأخلاقيات، على سبيل المثال، كيف يمكن تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي خالية من أنماط التحيز والظلم المختلفة وقادرة على تحقيق درجة أكبر من الإنصاف؟ وما هي المعايير المقبولة أخلاقيا عند تطبيق هذه الأنظمة؟

مع إنشاء وتأسيس كليات للذكاء الاصطناعي بجامعاتنا العربية، أصبح هناك ضرورة عاجلة أيضاً لتعزيز مكانة كلياتنا وجامعاتنا عالمياً، من خلال أخذ قضية "أخلاقيات الذكاء الاصطناعي" على محمل الجد وإدراجها ضمن برامج ومقررات الذكاء الاصطناعي، لتهيئة المجتمع والأفراد لتقبل التحولات التكنولوجية المقبلة وليس الخوف منها، الأمر الذي يعزز مكانتنا كلاعب رئيسي في البرامج والمبادرات العالمية بشأن التطورات المسؤولة والأخلاقية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي ستغير مجتمعاتنا وحياتنا جذرياً.

يجب أن يسير التطور التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي جنباً إلى جنب مع تطوير المبادئ التوجيهية الأخلاقية، للتأكد من أن الأفراد الذين سيتخرجون ليصبحوا قادة المستقبل، يقدمون للعالم ليس فقط، تطورات تكنولوجية مذهلة، ولكن أيضًا، الجانب الانساني المتمثل في الوعي الأخلاقي بضرورة استخدام هذه التكنولوجيا من أجل الخير الاجتماعي والصالح العام، فالعالم لن يدرك مطلقاً الإمكانات الهائلة للتطورات في الذكاء الاصطناعي، ما لم تسترشد بفهم مشترك لآثارها الأخلاقية على المجتمع.

وأخيراً، قد يكون من المفيد هنا أن أشير الى أن كتابي بالإشتراك (مع الكاتبة والباحثة صفات سلامة)، بعنوان "تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته"، ضمن سلسلة "دراسات إستراتيجية"، عن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية"، يمكن أن يكون بداية، ضمن كتب ودراسات أخرى، لتدريسه ضمن "برامج أخلاقيات الذكاء الإصطناعي" بالجامعات العربية.