أخلاقيات الذكاء الاصطناعي والدور الإماراتي

هل سنتقبل الروبوتات بيننا في المجتمع وما هي آثار ذلك على القيم والعلاقات الإنسانية؟

يشهد قطاع الذكاء الإصطناعي حالياً تقدماً سريعاً ومذهلاً ومتزايداً، وسباقاً محموماً وتنافساً وإستثماراً هائلاً، وبخاصة في الدول المتقدمة، وقد دخل الذكاء الإصطناعي بالفعل في العديد من مجالات وأنشطة الحياة اليومية، مثل مجالات الرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم والمجالات العسكرية والأمنية وخدمات الطيران، والخدمات المنزلية، وغيرها، فتكنولوجيات مثل التعرف على الصوت وأنظمة الملاحة في السيارات وبرامج الدردشة والشبكات الاجتماعية واقتراحات الشراء وغيرها، تستخدم بالفعل في مجتمعاتنا الحديثة وسهلت حياتنا اليومية. وقد أصبحت تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي صناعة عالمية واعدة، كما أصبح مستوى تطويرها معياراً لقياس قوة الدولة الصناعية.

ولكن.. يجب أن يسير الإهتمام بوعود وفرص الذكاء الإصطناعي جنباً الى جنب مع التحديات والمخاطر والأخلاقيات الناجمة عن تطورات وتطبيقات الذكاء الإصطناعي، فهناك العديد من التساؤلات الإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية والقانونية المشروعة والجديرة بالبحث والنقاش في وقت مبكر، والتي أشرت الى بعضها في كتابي بالإشتراك (مع الكاتبة والباحثة صفات سلامة) بعنوان "تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته"، والصادر ضمن سلسلة "دراسات إستراتيجية"، عن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية" في أبوظبي، والتي من بينها المخاوف من تهديدها للوظائف والأعمال، ومدى القبول الإجتماعي للروبوتات وكيفية التواصل والتفاعل بينها وبين البشر، بالإضافة الى قضايا السلامة والأمن والخصوصية والثقة والمسؤولية في التعامل مع الذكاء الإصطناعي والروبوتات.

على سبيل المثال هناك حالياً مخاوف وتساؤلات أخلاقية وإجتماعية مشروعة ومعقدة نتيجة تفاعل وتعامل أنظمة الذكاء الإصطناعي والروبوتات مع البشر، من بينها: هل سنتقبل الروبوتات بيننا في المجتمع وآثار ذلك على القيم والعلاقات الإنسانية، وهل سنسمح للروبوتات أن تقوم برعايتنا والعناية بنا في المنزل أو خلال وجودنا بالمستشفى؟ وكيف ستكون نظرتنا للروبوتات الشبيهة بالبشر والقادرة على التعرف على مشاعرنا؟ بالإضافة الى حدود المسؤولية والمساءلة والخصوصية عند إستخدام الروبوتات، مثلاً: إذا أصاب الذكاء الإصطناعي أو الروبوت عطل أو خلل في برمجياته وتسبب في حدوث أضرار لشخص ما، من هو المسؤول؟ هل صاحب الروبوت أم الشركة المصنعة له أم الروبوت نفسه؟ وماذا يحدث لو تمكن أحد القراصنة المهاجمين من التسلل وإختراق الأنظمة الإلكترونية في الروبوتات والتحكم بها عن بعد؟ وإلى أي درجة من الأمان يجب أن تكون عليه أنظمة الذكاء الإصطناعي والروبوتات قبل أن يتم نشرها في المجتمع ككل؟ والمخاوف من تهديد وإنتهاك الروبوت للخصوصية الشخصية للأفراد، وهل يجب أن يكون للـ "سيبورغ" (بشر مزودون بأجزاء روبوتية) وضع قانوني خاص في حالة إذا تعطلت الأجزاء الروبوتية وتسببت في أذى وضرر لشخص ما؟ وماهي الضوابط والتشريعات القانونية والأخلاقية المناسبة قبل نشر أنظمة الذكاء الإصطناعي والروبوتات في مجتمعاتنا؟

لا تزال مثل هذه التساؤلات المشروعة والمثيرة للجدل وغيرها بحاجة الى نقاشات ومناظرات مفتوحة للتوصل الى أطر وضوابط أخلاقية مناسبة وجيرة بالثقة تحكم التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الإصطناعي وتعزز من فرص تبنيها والإستفادة منها.

وقد أدركت الإمارات مبكراً أهمية ذلك وبصفة عاجلة، وسارت بخطوات متسارعة كغيرها من دول العالم المتقدمة نحو التوصل للمبادئ والأخلاقيات التي يجب مراعاتها أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي، وقامت بالفعل مؤسسة "حكومة دبي الذكية" مطلع العام الجاري بإصدار "مبادئ وإرشادات أخلاقيات الذكاء الإصطناعي"، وقد حظيت بإهتمام كبير، كما يجري تنقيحها وتحسينها بإستمرار بهدف التوصل لإتفاق واسع النطاق وتبني سياسات متفق عليها لدعم وتمكين الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي ليس في دبي فحسب، بل في العالم أجمع. كما أن "دبي الذكية" قامت بتشكيل مجلس إستشاري لـ "مبادئ وإرشادات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي"، يقوم بعقد لقاءات للتباحث والنقاش والتحاور وتبادل المعرفة والخبرات حول الذكاء الإصطناعي ووضع سياسات قابلة للتطبيق للإرتقاء بالخدمات الحكومية وتعزيز فرص تبنيها لحلول الذكاء الاصطناعي.

تميز وريادة وجاهزية دولة الإمارات لثورة الذكاء الإصطناعي، يعكس بصورة واضحة رؤاها وسياساتها الحكيمة والرشيدة في رسم الحاضر والمستقبل الأفضل دائماً.