أسرار المعجزة الإماراتية في التقدم

كتاب "الإستشراف الاستراتيجي .. الإمارات نموذجا" تأليف مشترك للدكتور عبد مرزوق الظهوري والباحثة الإماراتية بخيته سعيد علي المنصوري.
الإمارات عملت على شيوع المعرفة المتميزة بين مواطنيها وتعظيم قدراتهم على المنافسة دوليا
بخيته سعيد علي المنصوري هي أول امرأة إماراتية وعربية تقوم بطرح كتاب عن طرق التخطيط بالسيناريوهات بالنماذج الميدانية في بيئة العمل الإماراتية
الثقافة العربية بمجملها ثقافة مشدودة للخلف ونظرتنا للأمور قدرية

تعد دولة الإمارات من بين الدول المتقدمة والناجحة التي حققت معدلات مرتفعة في مستوى المعيشة، وتؤمن الإمارات بأن العنصر البشري هو أهم ثروة تملكها، وأن التعليم القائم على الإبداع والابتكار هو الوسيلة الأفضل للتفوق والمنافسة العالمية، ولذلك عملت الإمارات على شيوع المعرفة المتميزة بين مواطنيها وتعظيم قدراتهم على المنافسة دوليا.
والكتاب الصادر حديثا عن دار مداد للنشر والتوزيع في الإمارات تحت عنوان "الإستشراف الاستراتيجي .. الإمارات نموذجا" - تأليف مشترك للدكتور عبد مرزوق الظهوري الأستاذ في كلية التقنية العليا والخبير في علم المعرفة وإدارة الأعمال، والباحثة بخيته سعيد علي المنصوري والتي تعد أطروحتها للدكتوراه عن استشراف المستقبل، وهي أول امرأة إماراتية وعربية تقوم بطرح كتاب عن طرق التخطيط بالسيناريوهات بالنماذج الميدانية في بيئة العمل الإماراتية - يتناول سر المعجزة الإمارتية في التقدم والتنمية، ويتصدر الكتاب مقولة للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يقول فيها: "تنويع مصادر الدخل هدف استراتيجي لسياستنا الاقتصادية، كما أن تنويع مصادر الدخل لا يتم فقط من خلال المبادرات الحكومية، بل من خلال تمكين القطاع الخاص من ممارسة دوره كاملا كشريك في عملية التنمية".
ولا يهدف الاستشراف إلى التكهن بتفاصيل أحداث المستقبل للأفراد أو للمجتمع الإنساني جميعه، وإنما يهدف إلى رسم نهج استباقي واعتماد سيناريوهات يمكن تحويلها إلى واقع ملموس؛ ليرتقي بالعمل المؤسسي على أسس ومعايير مبتكرة، ترتكز على النتائج المحققة لأعلى معدلات رضا المتعاملين، وسعادة الناس، وتحديد الاتجاهات بعيدة المدى، وتخيل مستقبل مرغوب فيه، واقتراح استراتيجيات تحقق الأهداف مع الأخذ بعين الاعتبار التدابير الواجب اتخاذها وتصحيح الانحراف إذا وقع.

الإمارات ستكون أول مختبر عالمي مفتوح لتجربة وتطبيق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة وتسريع خلق أسواق عالمية جديدة

ويعرف الكتاب مفهوم الدراسات المستقبلية بأنها: العلم الذي يرهن التغير في ظاهرة معينة، ويسعى إلى تحديد الاحتمالات المختلفة؛ لتطورها بالمستقبل وتوجيه يساعد على ترجيح احتمال على غيره.
وتشهد الدراسات المستقبلية في عالمنا العربي تراجعا ملحوظا لأن الواقع العربي الراهن يئن تحت وطأة التخلف والتجزئة، ولا يتجاوز النقد فوق هذا الواقع بطرح رؤية مستقبلية جديرة بالعمل من أجلها، كما تغيب الرؤية المستقبلية في بنية العقل العربي، وتطغى النظرة السلبية للمستقبل في ثقافتنا العربية وغياب التقاليد الديمقراطية في البحث العلمي وفي مقدمتها غياب روح الفريق والعمل الجماعي، والحوار والتبادل المعرفي، والتسامح الفكري والسياسي، وقبول التعدد والاختلاف. ناهيك عن القيود المفروضة على حرية تدفق المعلومات وتداولها.
واستشهد المؤلفان باستطلاع يقيس مدى الوعي بالمستقبل ويشف سيطرة التفكير للوراء في الثقافة العربية، وكان السؤال الأول في الاستطلاع: هل سيتمكن العلماء من الوصول إلى عقار يتيح للزوجين القدرة على اختيار نوع الجنين؟ 17% نعم والباقي لا. السؤال الثاني: في الولايات المتحدة 1864، كان معدل المواليد 46 سنة والآن معدل العمر في الولايات المتحدة اقترب من الثمانين، مع هذا التطور هل من الممكن أن يصل معدل العمر إلى 110 سنوات؟ كانت الإجابات الكاسحة تنفي احتمالية ذلك. السؤال الثالث: هل سيكون هناك رحلات سياحية إلى القمر خلال المائة سنة القادمة؟ 73% لا.
الثقافة العربية بمجملها ثقافة مشدودة للخلف ونظرتنا للأمور قدرية، وهذا لا يمنع أنه كانت هناك محاولات لدراسة الزمن والتغير المستمر فيه ومحاولة تطوير تصور مفهوم آخر يتصدى لمفهوم الاستسلام والتسليم لمجريات المستقبل، من خلال دراسة الأحداث الزمنية، ومعرفة أسباب حدوثها، ومن ثم معرفة القوانين التي تناقش تدهور وتقدم الدول والحضارات، كعمل ابن خلدون في دراسة التاريخ، ولكن هذه المحاولات لم تستمر، ولم ينشأ عنها تيار قوي يجابه تيار الاستسلام للقدر.
وتناول الكتاب استراتيجية دولة الإمارات لاستشراف المستقبل، فقطعت في هذا الشأن شوطا كبيرا، وأصبحت مصدرا لتقديم المعرفة للعالم، حيث توفر للحكومات دراسات وإحصاءات لمستقبل العديد من القطاعات الاستراتيجية؛ كالصحة، والطاقة، والتعليم، ووضعت حجر الأساس للشراكة مع القطاع الخاص، في تبني الأفكار لتحويلها إلى واقع ملموس بالمجتمع الإمارتي، كما أنها وضعت تنبؤات مستقبلية لما سيشهده العالم في الأربعين عاما المقبلة؛ كالمزارع العائمة، والأعضاء الجسدية المطبوعة بالطابعة ثلاثية الأبعاد، وتحديات التغير المناخي، والصفوف الدراسية في العالم الافتراضي.
ونجاح الإمارات في خلق هذه القدرة والمرونة وقدرتها الاستباقية الناجحة لخلق اقتصاد مستدام واستكشافها المبكر للتحديات والأزمات المستقبلية وتحليلها ومعالجتها، ووضع الخطط الاستباقية لها، لم يكن وليد اللحظة، ولكن الإمارات بدأت بشكل مبكر في عملية التنويع الاقتصادي، وذلك انطلاقا من قناعتها بأن النفط مصدر طبيعي سوف ينضب في يوم من الأيام بالتأكيد، فعملت على تخفيف اعتماد اقتصادها الوطني على القطاع النفطي كمصدر رئيس للدخل القومي، واستثمرت عائدات هذا القطاع في بناء اقتصاد متوازن، وقادر على النمو والازدهار وبدون استنزاف للموارد.
كما توسعت الإمارات تدريجيا في القطاعات غير النفطية، لضمان أعلى مستويات الاستقرار لاقتصادها؛ فحققت إنجازات استثنائية على صعيد بناء المعرفة، ولاسيما قطاعي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وفي نطاق البنية التحتية إضافة إلى قطاع السياحة، والتجارة الداخلية والخارجية، والطاقة المتجددة، والخدمات المالية والمصرفية، وبعض الصناعات مثل الأدوية، مواد البناء، والبتروكيماويات، والألمونيوم.

وتؤكد الشواهد كلها على أن الجهود التي بذلتها جميع مؤسسات الدولة الاتحادية والمحلية في سبيل تقليل الاعتماد على النفط تمثل دليلا واضحا على أن اقتصاد الدولة يسير بخطى ثابتة في الاتجاه الصحيح، فأصبح الاقتصاد الإماراتي أكثر قوة وتماسكا وقدرة على مواجهة الأزمات الخارجية.
وتعتبر الإمارات أقل الدول النفطية تأثراً بتدهور أسعار النفط، كما أن اقتصادها أكثر مكانة وتنوعا من أي وقت مضى، حيث وصلت إسهامات القطاعات غير النفطية إلى أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، وهناك توقعات بارتفاع هذه النسبة في السنوات القليلة المستقبلية وفقا لاسراتيجية محكمة ضمن رؤية الإمارات 2021، بحيث لا يتجاوز الاعتماد على النفط من الناتج المحلي أكثر من 20%.
وتتمتع الإمارات باستقرار مالي عال، وأكبر دليل على ذلك قدرة الدولة على مواجهة انخفاض أسعار النفط؛ حيث بقيت الأوضاع الاقتصادية في الإمارات مزدهرة على مدار الفترة الماضية، بالتزامن مع توسيع النشاطات بوتيرة قوية، وبقاء مستويات التضخم عند مستويات مطمئنة. كما تعد الإمارات دولة رائدة في نموذج المناطق الحرة في العالم، وذلك لتقديمها امتيازات تجذب المستثمرين الأجانب والشركات العالمية، بما في ذلك فرصة التملك بنسبة مائة بالمائة دون فرض ضرائب، حيث تحتضن أكبر عدد من المناطق الحرة إقليميا، ويعكس نمو تلك المناطق الحرة سياسة التنوع الاقتصادي لدولة الإمارات.
كما تبنت الإمارات استراتيجية شاملة بعنوان "الاستراتيجية الوطنية للابتكار" وتستهدف في جوهرها تعميم ثقافة الإبداع والابتكار لدى فئات المجتمع الإماراتي كافة، سواء تعلق الأمر بجعل الابتكار أسلوب حياة يومية للأفراد والمواطنين، أو أسلوبا لإدارة الشؤون والمهام اليومية في المؤسسات الحكومية والخاصة في المجالات المختلفة.
وتتضمن الاستراتيجية مجموعة من المبادرات منها: إنشاء كلية متخصصة للمستقبل في الدولة، وإرسال بعثات للجامعات الدولية الرئيسة في مجال التخطيط الاستراتيجي، وإطلاق تقرير دوري من مجلس الوزراء حول استشراف المستقبل، يتم تحديثه كل سنة، بناء على التطورات، ويكون مرجعا لكل خطط استشراف المستقبل.
وحققت الإمارات المركز الأول إقليميا، والعاشر عالميا ضمن أكثر الدول تنافسية في العالم استنادا إلى ما كشف عنه أحدث إصدار لتقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2017، والصادر عن المركز التنافسي العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية بمدينة لوزان بسويسرا، أحد أهم الكليات المتخصصة على مستوى العالم في هذا المجال.
وقد أطلقت الإمارات مبادرة "مسرعات المستقبل" بهدف خلق منصة متكاملة لصناعة مستقبل القطاعات الاستراتيجية وتبنت دبي خطة عمل تنفيذية من أربعة محاور تترجم توجهات الثورة الصناعية الرابعة إلى حراك عالمي تتقدمه الإمارات وهي: الأول: العمل على تصميم إطار حوكمة عالمي يضع الأسس العامة والأطر التشريعية والتنظيمية لتطبيق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة. الثاني: سوف تساهم حكومة الإمارات بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" في تأسيس مجالس الثورة الصناعية الرابعة. الثالث: إطلاق برامج لفهم مكونات المنطقة لشبكة خبراء مجالس المستقبل العالمية، وذلك بهدف تعزيز دورها في نقل الخبرات وتبادل المعرفة. الرابع: ستكون الإمارات أول مختبر عالمي مفتوح لتجربة وتطبيق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة وتسريع خلق أسواق عالمية جديدة. 
وقد صرح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي بأن المستقبل لا يأتي إلينا، بل نحن من نستشرفه، ونشكله، ونمسك زمام المبادرة في ابتكار تقنياته وتوظيفها؛ لتحقيق التنمية والتطور، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة، لا أن نقف موقف المتفرج، بل الفاعل والمؤثر في دوران عجلة المستقبل؛ عبر السرعة والابتكار وتوظيف العلوم والتكنولوجيا في كافة المجالات وتبني مجالات للتغيير، وبناء قدرات لأجيال شغوفة بالمعرفة واستشراف المستقبل.