"أسنان بيضاء" رواية الكوميديا المتوترة

رواية البريطانية زادي سميث تعتبر درة أعمالها الأدبية التي حققت من خلالها انطلاقتها الكبرى كواحدة من أهم الروائيات البريطانيات خلال العقدين الأخيرين.
النقاد يصفون "أسنان بيضاء" بأنها رحلة برية رائعة، وكوميديا فائقة مكهربة بالأفكار، واحتفاء حقيقي بالواقعية المجنونة
سميث أصدرت روايتها وهي في سن الخامسة والعشرين، أي أنها لم تكن قد وصلت لسنوات النضج الإبداعي

 تعتبر رواية "أسنان بيضاء" للروائية البريطانية زادي سميث، درة أعمالها الأدبية، التي حققت من خلالها انطلاقتها الكبرى كواحدة من أهم الروائيات البريطانيات خلال العقدين الأخيرين. وصفها النقاد بأنها رحلة برية رائعة، وكوميديا فائقة مكهربة بالأفكار، واحتفاء حقيقي بالواقعية المجنونة، وبالرواية المدهشة الممتعة السهلة ما بعد الحداثية.
ولعل المثير للدهشة أن سميث أصدرت هذا العمل وهي في سن الخامسة والعشرين، أي أنها لم تكن قد وصلت لسنوات النضج الإبداعي، وبذلك تُعتبر كاتبة محظوظة وصلتها الشهرة مبكرا  جدا، حيث ولدت زادي سميث في شمال لندن عام 1975، لأب بريطاني وأم جامايكية ودرست الأدب الإنجليزي في جامعة كامبردج وتخرجت في العام 1997. وقد أدرجت رواية "أسنان بيضاء"، ضمن قائمة أفضل 100 رواية باللغة الإنجليزية في القرن العشرين.
نسجت سميث روايتها برهافة سردية فائقة الجمال، جمعت فيها باحترافيةٍ مدهشةٍ بين تفاصيل يومية شديدة العادية والبساطة، وبين أحداثٍ كبرى أثرت في تاريخ العالم وتحولاته المعاصرة.

تصنيف النوع الروائي الذي تنتمي إليه "أسنان بيضاء" أمر عصي على التحديد. نوعًا ما، لأنها تحمل سمات وخصائص أكثر من نوع روائي في الوقت نفسه

تتناول الرواية محاولات المهاجرين للاندماج الثقافي والشعور بالجدارة في المجتمع البريطاني المعاصر، ومخاوفهم تجاه الانصهار وغياب الهوية، وبين قبول القوميين للمهاجرين وقبول المهاجرين للتغيرات الثقافية التي تنتاب الأجيال في مجتمعاتهم الجديدة، يكمن الماضي ويتجلى في أشكال كثيرةٍ عبر أسئلة متنوعة تتعلق بالتحولات الثقافية، وبمجتمعات المهاجرين، وبالصراع الدائم بين الجذور ومتطلبات الحداثة، وصولاً إلى أسئلة التطرف الديني والسياسي والعلمي، غير أن تلك الأحداث العادية في حياة الجميع وراءها دائمًا تواريخ مهمة وأحداث هائلة توزعت في جهات الأرض. وعادت بآثارها في دوافع الشخصيات وأفعالها واهتماماتها واختلافاتها في مجتمع متعدد الثقافات والتوجهات.
يقول المترجم أسامة جاد في مقدمته للرواية: "في سبيل ذلك بذلت زادي سميث جهدًا دراسيًا ومعرفيًا هائلاً في قراءة تاريخ التمرد الهندي 1857، والحقبة الاستعمارية البريطانية في جامايكا قبيل زلزال كينجستون الأضخم 1907، وتاريخ الحرب العالمية الثانية. والحرب الأهلية في اليونان. وصولاً إلى المدونات الفقهية في الإسلام. وإصدارات شهود يهوه من مجلة برج المراقبة، والكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. للوصول إلى وصفة درامية بديعة تتخذ من عالم طب الأسنان مرجعية مركزية لها. حيث القنوات الجذرية للأسنان بمثابة تواريخ ضاربة في القدم. والعيوب والتشوهات التي تصيب الأسنان هي نتاجات تلك التواريخ وتجلياتها في الواقع اليومي. وحيث تلك الأسنان، في بياضها الناصع تحمل المعنى وضده، في انتقالة بين عالمين. هي في بريطانيا علامة طبقية في أحيان كثيرة. فمذيعو التليفزيون ذوي أسنان بيضاء، والأثرياء كذلك، بينما في الكونغو، خلال الحرب كانت الأسنان البيضاء وبالاً على أصحابها من الزنوج الذين يكفي أن تظهر أسنانهم البيضاء حتى يمكن للجنود الإنجليز اقتناصهم”.
تنتقل الكاتبة بالسرد من بنجلاديش إلى الهند في أقصى الشرق إلى بلغاريا واليونان في قلب أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وتمضي الرواية منطلقة من المفهوم الذي قدمه اقتباسها الافتتاحي من إي إم فورستر حول تبعات الماضي والآثار التي تعلق بأي من تصرفاتنا في أي لحظة من الزمان.
تحولات اجتماعية
يمكن اعتبار رواية "أسنان بيضاء" في جزء منها رواية أجيال، ترصد التحولات الاجتماعية التي تطرأ بين جيل جديدٍ والجيل السابق عليه، بين الآباء والأبناء. وهي أيضا رواية واقعية بما تضمنته من شخصياتٍ ومصائر تتقاطع عبر تحولاتٍ اجتماعية كثيرةٍ لتقدم صورة حية لقطعةٍ من الواقع البريطاني المعاصر بكل أسئلة الغضب والكراهية التي تحتشد بها جنة الحلم الأرضي. 

The translated novel
سردية فائقة الجمال

وهي رواية أصوات، تقدم كل شخصية فيها رؤيتها للعالم وإجاباتها على أسئلة الواقع والتاريخ، أسئلة التكيف والجذور، بحسب المرجعيات المختلفة لتلك الشخصيات: دينيةٍ أو علميةٍ، ثقافية أو مجتمعيةٍ، تاريخيةٍ أو ابنة واقعها وبيئتها، وتقدم الحدث الواحد بأكثر من تناول. وأكثر من وجهة نظر ، ومن خلال سير ثلاث عائلاتٍ إنجليزيةٍ من أصولٍ عرقية مختلفةٍ، بالإضافة إلى شخصياتٍ استقتها الكاتبة من مكان إقامتها ومسقط رأسها في حي شمال لندن، حيث يعيش أكبر عدد من الهاجرين متنوعي الجنسيات (هنود وأفارقة وعرب)، تطرح الرواية أسئلة التكيف والتقبل والعنصرية والتطرف لدى الأعراق والإثنيات المتنوعة، التي تشاركت جميعها حلم الجنة الأرضية، ولم تتخلص تمامًا من جذور نقمتها القديمة تجاه الفترة الاستعمارية التي لم تنته آثارها من العالم بعد.
زادي سميث تصف روايتها قائلة: "حسنًا، نعم، باستثناء أني لست على هذا القدر من الإيغال في نزعة تعدد الثقافات. كل ما هناك أنني نصف إنجليزية ونصف جامايكية. وقد جرى وصفي على الدوام وكأني ممثلة لكل الأمم. وأنا لست مؤهلة لذلك. الأمر ليس بهذا القدر من الغرائبية، فقد عشت في شارع ويلزدن ثلاثين عاماً، هي كل عمري، والكثيرون، وبصفةٍ خاصةٍ في أوروبا يسألونني عن أدب المهاجرين، وأنا لست مهاجرة فلقد ولدت في مستشفى في هامبستيد بشمالي لندن".
تنتمي الرواية زمنيا إلى فتراتٍ تاريخيةٍ مختلفة، لأنها تعيد تقديم أحداث من التاريخ وفق منطق درامي ومعرفيٍ يخص الشخصيات وحدها. كما أنها رواية توغل في أسئلة العلم الحديثة، وخاصة علوم الجينات والهندسة الوراثية. ثمة أيضا أسئلة محتشدة بالغضب والكراهية والتطرف اللوني والعرقي  والديني، تشكل مركزياتٍ رئيسةً في هذا العمل الروائي، بالإضافة إلى أسئلة العلم والجمال والحب.
صدرت الرواية في ترجمة جديدة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للمترجم أسامة جاد، الذي يرى أن تصنيف النوع الروائي الذي تنتمي إليه "أسنان بيضاء" أمر عصي على التحديد. نوعًا ما، لأنها تحمل سمات وخصائص أكثر من نوع روائي في الوقت نفسه. (وكالة الصحافة العربية)