أطروحة تتوقف أمام الشخصيات المتمردة والمقهورة والسلطوية في روايات القمحاوي

هدى أبوالمعاطي إختارت البحث في الفن الروائي من بين كتب عزت القمحاوي، واعتمدت في  البحث على المنهج الوصفي القائم على تحليل بنية النص.
أبعاد الهُوية عند الروائي المصري تشتمل على ثلاثة أبعاد: البعد السياسي والبعد النفسي والبعد الجسمي
اللغة هي القالب الذي يصب فيه الروائي أفكاره، ويجسد رؤيته في صورة مادية محسوسة

شهدت جامعة قناة السويس بمدينة الإسماعيلية قبل أيام مناقشة رسالة دكتوراه مقدمة من الباحثة المصرية هدى أبوالمعاطي بعنوان "الهوية في السرد الروائي عند عزت القمحاوي" تناولت فيها تمثلات قضية «الهوية» بأشكالها وتجلياتها المختلفة في رواياته. 
القمحاوي الذي وقع السبت الماضي أحدث كتبه "غرفة المسافرين" أصدر حتى الآن خمسة عشر كتابًا بين الرواية والمجموعات القصصية والنص العابر للأنواع، وقد بدأ هذا اللون الأدبي بكتابه «الأيك في المباهج والأحزان» الذي صدر في سلسلة "كتاب الهلال" عام ٢٠٠٢، ثم «كتاب الغواية» و«ذهب وزجاج» و«العار من الضفتين» حيث تناول القمحاوي في كل كتاب منها موضوعًا أساسيًا من خلال تفكير وحكي مع إشارات إلى الكتب التي تتقاطع مع موضوعه، والكتاب الجديد الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة يتبع الخط ذاته، ويتخذ من السفر موضوعًا له، لكنه ليس كتابًا في الرحلة حصرًا، حيث يتناول معنى السفر بوصفه موتًا لذيذًا مؤقتًا يتخلص فيه المسافر من مسئولياته كالميت، لكنه موت لذيذ يعود منه المسافر ليرى مجددًا ما غادره، ويتوقف أمام اللحظات الخاصة في السفر ومشاعر الإنسان فيه من إعداد الحقيبة إلى تسجيل الأمتعة والتفتيش والخوف من الطيران، كما تحضر وجوه المدن في النص عبر الحكايات وعبر النصوص التي احتفت بالسفر وعلى رأسها «ألف ليلة وليلة» التي يعدها القمحاوي كتابًا في السفر، حيث لا وجود لليالي بدون الرحلة؛ لأن القداسة، والحكمة والغرابة لابد وأن تأتي من بعيد.
فاز القمحاوي بجائزة وميدالية نجيب محفوظ في الرواية عام ٢٠١٢ عن روايته «بيت الديب»، وترجمت إلى الإنجليزية والصينية، بالإضافة إلى ترجمة «مدينة اللذة» وكتاب «العار من الضفتين» إلى الإيطالية، كما وصلت روايته «يكفي أننا معًا» إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام ٢٠١٨. 
ولفتت رواياته مبكرًا نظر الباحثين الجامعيين، حيث كانت روايته الأولى «مدينة اللذة ١٩٩٧» إحدى روايات ثلاث تناولها سعيد الوكيل في رسالته لنيل درجة الدكتوراه كتجليات للجسد في الرواية العربية، مع رواية «وليمة لأعشاب البحر» للروائي السوري حيدر حيدر، و«التبر» للروائي الليبي إبراهيم الكوني، ودخلت رواياته في دراسات جامعية أخرى متعددة المصادر.
وتعد هذه الأطروحة الجديدة الأولى التي تتناول رواياته السبع من «مدينة اللذة» حتى «ما رآه سامي يعقوب» الصادرة العام الماضي.
وقد تشكلت لجنة المناقشة من الدكتورين: أحمد عوين ومحمود الضبع، مشرفين ومناقشين، وعضوية الدكتورين: أحمد عبدالحليم سعفان وجمال زاهر، مناقشين. 

أختارت الكاتبة البحث في الفن الروائي من بين كتب عزت القمحاوي. واعتمدت في  البحث على المنهج الوصفي القائم على تحليل بنية النص، وبيان ما فيها من جمالية عن طريق استخدام الكاتب اللغة وتوظيفه لآليات السرد في إبراز مضمون الهوية.
وتنقسم الرسالة إلى: مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة وقائمة بالمصادر والمراجع.
وقد نوهت في التمهيد بارتباط السرد ارتباطًا وثيقًا بالهوية الوطنية والقومية، حيث تحتاج كل أمة إلى ساردين يساهمون في التأكيد على وجودها بين الأمم، مشيرة إلى تنوع العالم الروائي عند الكاتب محل الدراسة، وكذلك تنوع اللغة التي يستخدمها بين عمل وآخر بما يتناسب مع مقتضيات عالم الرواية وتعدد هويات شخصياتها من حيث المهنة والمستوى الثقافي والذكورة والأنوثة. 
وجاء  الباب الأول تحت عنوان السرد الروائي وإشكاليات الهُوية عند القمحاوي، وفيه تكشف عن ثنائية الأنا والآخر من خلال هُوية السرد الروائي؛ التي تعد ملمحًا بارزًا في أعماله،  وجعل منها هُوية ممتدة تشتبك في رحابها مرجعيات متنوعة فنية وفكرية وثقافية، وتتصل في مجملها بقيم تأصيل الذات وتجذير كيانها.
وكانت روايات القمحاوي من النصوص الروائية التي اشتغلت على إشكالية الهُوية وأبانت عن أهمية السرد في رصد وصياغة مختلف عناصرها وتسخير ما يظهر عليه من إمكانات جمالية في إعادة ترتيب العلاقة مع الذات والآخر.
كما استهدف الروائي القمحاوي في رواياته الجسد الذات والمجسد لفعل القول والكلام، مما جعل الجسد في الرواية يتحول إلى موضع التحليل والكشف، لأنه يعبر عن هاجس ثقافي راهن، قاصدًا ثقافة المحرم والمسكوت عنه، وثقل العادات والقيم المتوارثة عبر خطاب الجسد الواعي بذاته؛ فيرى القمحاوي في تهميش الجسد عنفًا ينفي هُوية المرأة؛ لذلك سعى الروائي إلى البحث عن حرية الجسد والتحرر من قيود الواقع الاجتماعي والقيمي باتجاه التحقق الذاتي للجسد واستعاده قوته.
ولجأت الباحثة إلى توضيح أبعاد الهُوية عند القمحاوي، والتي اشتملت على ثلاثة أبعاد (البعد السياسي – البعد النفسي – البعد الجسمي).
وجاء الباب الثاني تحت عنوان (الهوية والبناء السردي في روايات القمحاوي) سعت فيه للكشف عن هُوية اللغة؛ فاللغة هي القالب الذي يصب فيه الروائي أفكاره، ويجسد رؤيته في صورة مادية محسوسة، وينقل من خلاله رؤيته للناس والأشياء من حوله؛ فباللغة تنطق الشخصيات، وتتكشف الأحداث، وتتضح البيئة، ويتعرف القارئ على طبيعة التجربة التي يخوضها الروائي في رواياته. 
وكشفتُ في لغة القمحاوي عن هُويته الكامنة التي ظهرت من خلال استخدامه لمجموعة من السمات الفنية، التي تضافرت معًا، وشكلت ثراءً فنيًا، وروعة في الإيحاء، وتكوينًا لغويًا متميزًا. 
ومن هذه السمات (اللغة والجسد – اللغة الرمزية والحواس – دلالات الجسد ومهمة الكشف عن الإنتمائية والهُوية – هُوية الصوت – لغة العنوان – لغة التصوير السينمائي – لغة الصمت /العجز- لغة ساخرة – الهُوية وتنوع اللغة).
ثم توجهت الباحثة  للكشف عن الشخصيات التي لها دورٌ رئيس في تجسيد فكرة الهُوية في السرد الروائي، والتي تُعد عنصرا مهما في تسيير أحداث العمل الروائي، واندرجت الشخصية في روايات القمحاوي إلى تصنيفها لمجموعة نماذج للكشف عن عالم الشخصيات في الرواية والتعرف على هُوية شخصياته من خلال التحليل السردي للنصوص ومن هذه النماذج، نموذج الشخصية المتمردة، الشخصية المقهورة، والشخصية السلطوية.
وقد استخدم القمحاوي "تقنية المرايا" ليرسم الشخصية من الداخل وباعتبارها وسيلة للكشف عن المكبوت والمسكوت عنه، إلى جانب استخدامه لتقنية تيار الوعي للكشف عن المحتوى الذهني والنفسي لشخصياته الروائية؛ وعند تحليل الروايات الخاصة بالقمحاوي يتضح استعماله لتيار الوعي بدرجة كبيرة، ومن أبرز هذه التكنيكات: 

University papers
على وعي بأهميه الزمن

أولاً: المونولوج الداخلي المباشر.
وقد تناولت الباحثة الزمن في روايات القمحاوي، معتبرة أنه روائي على وعي بأهميه الزمن، حرص على تحديده بوضوح مما يحقق التوازن في رواياته، وتميز الروائي بفكرة تداخل الأزمنة، وجاء زمن الخطاب السردي موزعًا بين الأزمنة المختلفة التي يحيل كل واحد منها إلى فترة معينة.
ثم تناولت الأمكنة وأبعادها؛ حيث يمكن من خلال المكان اكتشاف الهُوية التي حملت لنا بعض الإشارات الدالة على هوية الكاتب التي تمثلت فيما يسبغه على المكان من أبعاد نفسية وجمالية بالإضافة إلى البعد العجائبي.
ويختص الباب الثالث بعنوان السرد والاتجاهات الأدبية في روايات القمحاوي، وقد تناولت فيه الباحثة الاتجاه الواقعي حيث أبدع القمحاوي في تقديمه لكل جديد والكشف عن الهامش المغيب من المجتمع وكشف الحقائق المطموسة، والاتجاه الواقعي سمة لافتة في العمل الأدبي لأنها تظهره وكأنه جزء من الحياة اليومية التي نعيشها بكل تفاصيلها.
وظهرت الواقعية في عدة محاور ومنها الاتجاه الواقعي في بناء الحدث، والاتجاه الواقعي في الشخصيات، والاتجاه الواقعي في أسلوب الحوار. 
ثم توجهت الباحثة إلى الحديث عن الاتجاه الأسطوري الذي يعد من الوسائل الفنية التي تسهم في بنية الرواية عند القمحاوي، واستعان بها ليكمل جوانب الإطار الوصفي لسرد الواقع وجريان أحداث الرواية، فمن خلال الاتجاه الاسطوري كشفت الدراسة عن الشخصية الأسطورية وأسطرة اللغة والحواس في النص الأسطوري، ثم انتقلتْ بالكشف عن تجليات الأسطورة في رواية "مدينة اللذة" التي تمثلت في ثلاثة محاور: موتيف الجمال، موتيف الحب، موتيف الجنس.
وأخيرًا كشفت الباحثة عن الاتجاه التاريخي الذي لجأ إليه القمحاوي في بعض رواياته، وهذا يرجع إلى بواعث فنية وثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية؛ تدفع بالروائيين إلى العودة إلى التاريخ، وأهمها البحثُ عن الذات الضائعة، واكتشاف معنى الاستمرار والانتماء إلى شيء قد ضاع إلى الأبد، ومسح الغبار عن الصور القديمة وإعادة بناء الماضي.