أطياف ريا وسكينة تتراءى من شرفة منزلي

البرج المواجه لشرفتي مباشرة عبر شارع قناة السويس، هو برج الإعدام الذي أعدمت فيه سفاحتا الإسكندرية ريا وسكينة وعصابتهما الشهيرة.
ريا وسكينة شقيقتان نزحتا في بداية حياتهما من الصعيد الجواني
قصة ريا وسكينة لا تزال تلقى رواجا من الباحثين والكتاب والفنانين باعتبارها حادثة غير عادية    

أسكن في حي محرم بك، وهو الحي الذي أطلق على اسم "محرم بك" الرجل الذي كلفه محمد علي بقتل فلول المماليك في منازلهم وسبي نسائهم والاستيلاء على أموالهم أثناء مذبحة القلعة عام 1811، ومكافأة له على حسن قيامه بهذه المهمة زوجه محمد علي ابنته تفيدة وعينه محافظا للإسكندرية وقائدا للأسطول المصري، وهو الذي أنشأ هذا الحي العريق وحمل اسمه بعد ذلك إلى الآن.
في هذا الحي وفي هذه المنطقة المحددة التي أقيم فيها وهي المنطقة الواقعة بين شارعي قناة السويس وشارع الرصافة الشهير يوجد في هذا المكان العديد من الأماكن التاريخية المهمة الناطقة بلسان حال التاريخ عما كان يجري بها من أحوال ومواقف والتي كان لها تاريخها الأدبي والاجتماعي والسياسي والثقافي المتفاعل مع ما كان يجري في مصر كلها، فهناك متحف الفنون الجميلة ومكتبة البلدية اللذان كانا منزلين للتاجرين اليهوديين يوسف وجاك منشا، وهما قائمان في شارع منشا الذي أخذ اسمه من عائلة منشا التي كانت تقيم في هذا المكان، وفي هذا الشارع أيضا كان يقيم البارون البلجيكى "فيش" في قصر رفيع الطراز يشبه قصر البارون "إدوارد إمبان" الشهير الكائن في حي مصر الجديدة بالقاهرة، وتحتل هذا القصر الآن القنصلية الصينية بالإسكندرية، وهو قائم على رأس نفس الشارع الذي أقطن فيه وهو شارع أحمد أيوب، وهناك أيضا قصر عالم الأثار الفرنسي وصديق الخديوي إسماعيل "دانينوس" والذي حضر برفقة الأمبراطورة أوجينى أثناء افتتاح قناة السويس عام 1869. 
وفي هذا المكان أنشأ اليهود عدة معابد منها معبد جرين الذي شيدته عائلة جرين عام 1901 والموجود بنفس الشارع الذي يحمل نفس الاسم، وكذلك معبد موسى كاسترو بشارع الرصافة أشهر شوارع الحي الذي أنشيء عام 1920، وعلى مقربة منه شيد ماتوسيان شركة السجائر الشهيرة. وفي هذا المكان أيضا كان يختبئ الخديو توفيق في المنطقة القريبة من ترعة المحمودية أثناء ضرب الإسكندرية عام1881، وفي هذا المكان الذي أتواجد فيه الآن كان يسكن كثير من كبار الضباط الإنجليز إبان الحرب العالمية الثانية، وفيه أيضا ولد العديد من الرموز الفنية والأدبية الكبيرة. ولد توفيق الحكيم والفنانون التشكيليون محمد ناجى وأدهم وسيف وانلي والكاتب نهاد شريف رائد أدب الخيال العلمي، والفنانة بهيجة حافظ، وهند رستم، وغيرهم من رموز الفن والأدب، وفي هذا المكان التحق عبدالناصر بروضة الأطفال بحي محرم بك، وكثير من الوقائع والأحوال شهدها حي محرم بك العريق إلا أن ما يهمني في هذه المقدمة التاريخية، ما أراه من مشاهد مهمة من شرفة منزلي على وجه التحديد من أماكن وآثار تاريخية. 

شوقي بدر يوسف
الكاتب مع الروائى العراقى حميد المختار أمام منزل لورانس داريل في الإسكندرية قبل هدمه

من شرفة منزلى بشارع أحمد أيوب والذي يقطع شارعي قناة السويس المؤدى إلى القاهرة، والذي كان يوما ما ترعة تسمى "ترعة الفرخة"، وشارع المأمون يواجهني مشهدان مهمان لكل منهما تاريخه الأدبي والاجتماعي والذاتي في الإسكندرية. من هذه الشرفة أشاهد مشهدين يثيران في نفسي كثيرا من الشجون والذكريات والهواجس الذاتية لمن يعيش قرب هذين الأثرين المهمين في هذا المكان. 
بجوار هذا المكان توجد البناية التي كان يسكنها الروائي الإنجليزي لورانس داريل صاحب الرباعية الروائية الشهيرة "رباعية الإسكندرية"، وهي البناية القائمة في شارع المأمون، والمتواجد فيه أيضا البرج الذي كانت الفنانة التشكيلية عفت ناجي ترسم فيه لوحاتها الشهيرة والتي كانت فيلا عائلتها الخاصة خلف قصر داريل مباشرة، وكانت تمارس في أحد أبراجها رسم لوحاتها الفنية المبهرة، هذه البناية أمر عليها يوميا أكثر من مرة وهي تثير لدي كثيرا من الهواجس والتداعيات، هي الآن بناية قديمة ومتهالكة ولا أحد يحاول ترميمها والاستفادة من تاريخها الخاص، عندما أمر عليها أتذكر من سبق أن سكنوها قبل ذلك، مثل لورانس داريل صاحب الرباعية، كذلك أقام في هذه البناية الملك زوغو ملك ألبانيا أيام كان منفيا هو وحاشيته أثناء الحرب العالمية الثانية.
المشهد الثاني الذي أشاهده من شرفة منزلي هو البرج الخاص بسجن الحدراء (الحضرة)، وهو البرج المواجه لشرفتي مباشرة عبر شارع قناة السويس، وهو برج الإعدام الذي أعدمت فيه سفاحتا الإسكندرية ريا وسكينة وعصابتهما الشهيرة في ديسمبر/كانون الأول عام 1921، وهو العام الذي ولدت فيه والدتي بحسب شهادة الميلاد التي احتفظ بها لوالدتي في أوراقى الخاصة، وقد ذكرتها في هذا السياق لغرابة الهاجس والتخيّل، هذه الهواجس كثيرا ما تراودني حينما أمر من أمام برج الإعدام بسجن الحدراء الشهير والقائم أمام الشارع الذي أقطنه في حي محرم بك، فما هي قصة هاتين المرأتين وارتباطهما بتاريخ الشر والجريمة في الإسكندرية وفي مصر كلها، حيث كانتا أول امرأتين يحكم عليهما بالإعدام وينفذ فيهما الحكم فعلا، بعد أن روعتا نساء مدينة الإسكندرية وأسرها قرابة سنتين كاملتين لقيامهما بتشكيل عصابة لقتل النساء وسرقة مسوغاتهن في منطقة زنقة الستات بسوق المنشية الشهير وأحياء كرموز وغيط العنب واللبان. الغريب أن هذا الحادثة الشهيرة وقعت عقب ثورة 1919 مباشرة، وكان مخاض هذه الثورة لا يزال دائرا في أنحاء مصر كلها.
ريا وسكينة شقيقتان، اسمهما ريا وسكينة علي همام، نزحتا في بداية حياتهما من الصعيد الجواني، استقرتا في بنى سويف بعض الوقت، ثم نزحتا مرة ثانية إلى كفر الزيات، ثم استقرتا في مدينة الإسكندرية في بدايات القرن العشرين، وعناصر الشر والخلقة الخبيثة كانت تحوط هاتين الشقيقتين في غربتهما الجديدة في الإسكندرية.

وعن تحليل الشر المتأصل في النفس البشرية وما تقوم به من أعمال: "فإن الشر ينشب أظافره الحادة في كل موجود، لمجرد أنه كائن متناه محدود، فإن الإنسان وحده الذي يستشعر الشر بوصفه حدا من الحدود، تكون طبيعته مجبولة على هذا الشر، وهو ينتهز الفرص المواتية لبثه في محيط من حوله ويحاول قدر الإمكان إحاطة نفسه بسياج من السرية والحيطة والحذر لئلا يعرف أحد عنه أي شيء، إن الشجرة الوحيدة المنعزلة لا تشعر بالشقاء، والمنزل المتهدم المتداعي لا يعرف معنى التعاسة، أما الإنسان فهو – كما قال بسكال- موجود شقي يعرف أنه شقي! ولا ينحصر شقاؤنا في شعورنا بالنقص والحرمان والألم والملل والمرض والشيخوخة، وشتى مظاهر الفناء، بل إن هذا الشقاء ليرتبط ارتباطا وثيقا بشعورنا الأخلاقي نفسه، والواقع أنه مهما كان نقاء إرادتنا، فإنه لا بد من أن تجول بخاطرنا في بعض الأحيان نزعات شريرة نجزع لما فيها من خبث أسود مخيف". (مشكلة الإنسان، د. زكريا إبراهيم، مكتبة مصر بالفجالة، القاهرة، د . ت ص 94) هكذا كان الشر متأصلا في نفوس (عصابة ريا وسكينة) هؤلاء الطغمة الشريرة التي جاءت من الصعيد الجواني، إلى هذا المكان وهم يحملون شحنة كبيرة من الشر بدأوا في نشر آثاره على سكان المدينة من النساء طمعا في الذهب والمال والثروة غير عابئين بأي قيم أو دين أو رحمة أو أي شيء من هذا القبيل. وجراء انتشار هذه الحوادث المتكررة في المدينة انتشر الخوف والرعب والهلع في عائلات وأسر الإسكندرية من العصابة التي تختطف النساء والفتيات. وقد بدأت البلاغات تنهال على مسئولي الشرطة وحكمداريتها في الإسكندرية، حتى سقطت هذه العصابة النسائية التي روعّت النساء والأسر في الإسكندرية في ذلك الوقت.   
نحن الآن في منتصف شهر يناير/كانون الثاني 1920 حينما تقدمت السيدة زينب حسن ببلاغ إلى حكمدارية بوليس الإسكندرية عن اختفاء ابنتها نظلة أبو الليل البالغة من العمر 25 عاما! كان هذا هو البلاغ الأول في سلسلة بلاغات اختفاء النساء في مدينة الإسكندرية. قالت صاحبة البلاغ إن ابنتها اختفت منذ عشرة أيام بعد أن زارتها سيدة لم تستطع تحديد أوصافها، وقد تركت ابنتها المختفية نظلة (غسيلها) منشورا فوق السطوح كما هو، كما تركت شقتها دون أن ينقص منها شيء! وعن أوصاف الابنة قالت الأم: إنها نحيفة الجسد، متوسطة الطول، سمراء البشرة، تتزين بغوايش ذهب في يدها وخلخال فضة وخاتم حلق ذهب! وحملّت الأم البوليس عن مسئوليته في حماية ابنتها مسئولية كاملة، كما تخشى الأم أن تكون ابنتها قد قتلت بفعل فاعل لسرقة الحليّ التي تتحلى بها. 

rayya
نشر في مجلة كل الناس

وكان البلاغ التالي له يوم 16 مارس/آذار من نفس العام تلقاه رئيس نيابة الإسكندرية الأهلية من المواطن محمود مرسي عن اختفاء شقيقته زنوبة، حرم حسن محمد زيدان. والغريب في الأمر أن صاحب البلاغ قد ذكر اسم ريا وسكينة وهو يروي قصة اختفاء شقيقته، ولكن الشكوك لم تتجه إليهما! وقد أكد صاحب البلاغ أن أخته زنوبة خرجت لشراء لوازم البيت فتقابلت مع امرأتين هما سكينة وأختها ريا وذهبت معهما إلى بيتهما، ولم تظهر الأخت بعد هذه الواقعة مرة أخرى. وقبل أن تنتبه أجهزة الأمن إلى خطورة ما يجرى أو تفيق من صدمة هذه البلاغات ودهشتها أمام البلاغين السابقين، يتلقى وكيل نيابة المحاكم الأهلية بلاغا من فتاة عمرها خمسة عشر عاما تدعى (أم إبراهيم) عن اختفاء أمها زنوبة عليوة، وهي بائعة طيور عمرها 36 عاما، ومرة أخرى تحدد صاحبة البلاغ اسم سكينة باعتبارها آخر من تقابل مع والدتها زنوبة! في نفس الوقت يتلقى محافظ الإسكندرية بلاغا هو الآخر من حسن الشناوي ويعمل (جنايني) بجوار نقطة بوليس المفروزة بالقباري، يشير فيه صاحب البلاغ أن زوجته نبوية علي اختفت من عشرين يوما! 
وعقب انتشار نبأ هذه البلاغات وعجز البوليس عن الإمساك بعصابة خطف النساء، بدأ الخوف والفزع ينتاب سكان الإسكندرية وغيرها من المدن المجاورة، وتبدأ سلسلة من التحريات حول هذا الموضوع ويبدأ بوليس المدينة في التحرك دون جدوى، وينتشر رعب غير مسبوق فى الإسكندرية وفي منطقة زنقة الستات بالمنشية بالذات وهي الجهة التي كثرت حولها الأقاويل في واقعة اختطاف واختفاء النساء فيها. خاصة وأن الجناة المجهولين ما زالوا يقومون بخطف النساء. 
بلاغ آخر يتلقاه محافظ الإسكندرية من نجار اسمه محمد أحمد رمضان عن اختفاء زوجته فاطمة عبد ربه عمرها حوالي 50 عاما، وتعمل (شيخة مخدميّن) ويقول الزوج إن زوجته خرجت ومعها 54 جنيها وتتزين بـ 18 غويشة وزوج (مباريم) وحلق وكلها من الذهب الخالص، ويدلي الزوج بأوصاف زوجته بأنها قمحية اللون طويلة القامة، وسبق أن فقدت عينها اليمنى لذا فهم ينادونها بـ (فاطمة العوراء) كما أنها ترتدي ملاءة (كوريشة) سوداء، وجلباب كحلي وتلبس في قدميها صندل! تبعه بلاغ آخر باختفاء فتاة عمرها 13 عاما اسمها قنوع عبدالموجود، وبلاغ من تاجر سوري الجنسية اسمه الخواجة وديع جرجس عن اختفاء فتاة عمرها 12 عاما اسمها لولو مرصعي تعمل خادمة له، وقد خرجت لشراء أشياء من السوق ولم تعد، وبلاغ آخر عن اختفاء سليمة إبراهيم الفقي بائعة الكيروسين وتعيش بمفردها في حارة اللبان.
كثرت البلاغات عن اختفاء النساء والفتيات، وأصبح الخوف والهلع يسيطر على كل البيوت في الإسكندرية، وصارت حكايات خطف النساء على كل لسان وحديث المدينة في الإسكندرية وفي مصر كلها، وبدأت الوساوس تثير مخاوف الشرطة وكان لا بد من الوقوف أمام هذا الموضوع بكل قوة، وفي آخر بلاغ يصل إلى اليوزباشى إبراهيم حمدي نائب مأمور قسم بوليس اللبان من السيدة خديجة حرم أحمد علي الموظف بمخازن طنطا. قالت صاحبة البلاغ وهي سودانية الجنسية أن ابنتها فردوس اختفت فجأة وكانت تتزين بمصاغ ثمنه ستون جنيها وزوج من الأساور ثمنه 35 جنيها وحلق قشرة وقلب ذهب معلّق بسلسلة ذهب وخاتمين حريمي بثلاثة جنيهات. في هذه المرة يستدعى اليوزباشي إبراهيم حمدى كل من له علاقة بقصة اختفاء فردوس وينجح في تتبع رحلة خروجها من منزلها حتى لحظة اختفائها وكانت المفاجأة أن يقفز اسم سكينة من جديد لتكون آخر من شوهدت مع فردوس! 
ويتم استدعاء سكينه ولم تكن المرة الأولى التي تدخل فيها سكينة قسم البوليس لسؤالها في حادث اختفاء إحدى السيدات، ومع هذا تخرج سكينة من القسم وقد نجحت ببراعة في إبعاد كل الشبهات عنها وإبطال كل الدلائل ضدها! 
عجزت أجهزة الأمن أمام كل هذه البلاغات وكان لا بد من تدخل عدالة السماء لتنقذ الناس من دوامة الخوف والفزع التي اقتحمت المدينة، ولتقتص للضحايا وتكشف الجناة، وهنا تتوالى المفاجآت من جديد حينما تحكم عدالة السماء قبضتها على الموقف برمته، وتنسج قصة الصدفة التي ستكشف عن أكبر مذبحة للنساء في تاريخ الجريمة في مصر.
كانت البداية صباح يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 1920 حينما تلقى اليوزباشى إبراهيم حمدي إشارة تليفونية من عسكري الدورية بشارع أبي الدرداء بالعثور على جثة امرأة بالطريق العام وتؤكد الإشارة وجود بقايا عظام وشعر رأس طويل بعظام الجمجمة وجميع أعضاء الجسم منفصلة عن بعضها البعض، وبجوار الجثة طرحة من الشاش الأسود وفردة شراب سوداء مقلمة بأبيض ولا يمكن معرفة صاحبة الجثة، وانتقل اليوزباشي إبراهيم حمدى إلى مكان وجود الجثة، وهناك يؤكد زبال المنطقة أنه عثر على الجثة تحت طشت غسيل قديم، وأمام حيرة ضابط البوليس لعدم معرفة صاحبة الجثة وإن كانت من الغائبات المذكورات لديهم أم لا. من ناحية أخرى يتقدم رجل اسمه أحمد مرسي عبده ببلاغ إلى الكونستابل الإنجليزي جون فيليبس النوبتجي بقسم اللبان يقول فيه إنه أثناء قيامه بالحفر داخل حجرته لإدخال المياه والقيام ببعض أعمال السباكة فوجئ بالعثور على عظام آدمية لجثة كاملة دفعته للإبلاغ.

ريا وسكينة
العصابة

ويتحمس ملازم شاب بقسم اللبان أمام البلاغ المثير فيسرع بنفسه إلى بيت الرجل الذي لم يكن يبعد عن القسم أكثر من 50 مترا، يرى الملازم الجثة بعينيه فيتحمس أكثر للتحقيق والبحث عن هذه القضية المثيرة للغط، ويكتشف في النهاية أنه أمام مفاجأة جديدة لم تكن فى الحسبان. أكدت تحريات الملازم الشاب أن البيت الذي عثر فيها الرجل على جثة آدمية كان يستأجره رجل اسمه محمد أحمد السمني وكان هذا السمني يؤجر حجرات البيت من الباطن لحسابه الخاص، ومن بين هؤلاء الذين استأجروا من الباطن فى الفترة الماضية كانت سكينة بنت علي همام، وصالح سليمان، ومحمد شكيرة، وأن سكينة سبق لها أن استأجرت هذه الحجرة من السمني وتركتها مرغمة بعد طرد المستأجر للسمني بحكم قضائي من هذا المكان. وقد حاولت سكينة العودة إلى هذا المكان بأي وسيلة ولكن صاحب المنزل رفض رفضا قاطعا حيث ضاق السكان بسلوكها والنساء الخليعات اللاتي كن يترددن عليها مع بعض الرجال البلطجية. 
ويتوالى ظهور بعض الجثث، وحاولت ريا أن تخدع أختها سكينة كما حاولت سكينة أيضا أن تخدع الشرطة وتورط معها بعض الرجال، في نفس الوقت لاحظ أحد المخبريين السريين واسمه أحمد البرقي انبعاث رائحة بخور مكثفة من غرفة ريا بالدور الأرضي بمنزل خديجة أم زوجها حسب الله بشارع علي بك الكبير، وأكد المخبر أن دخان البخور كان ينطلق من نافذة الحجرة بشكل مريب مما أثار شكوكه فقرر أن يدخل الحجرة التي يعلم تمام العلم أن صاحبتها هي ريا أخت سكينه، وعندما سألها المخبر عن سر إشعال هذه الكمية الكبيرة من البخور في حجرتها، حاولت التملّص من الإجابة، مما زاد الشك في نفس المخبر الذي أسرع إلى اليوزباشي إبراهيم حمدي نائب مأمور قسم اللبان ليبلغه شكوكه في أمر غرفة ريا. على الفور تنتقل قوة من ضباط الشرطة والمخبرين والصولات إلى الغرفة ليجدوا أنفسهم أمام مفاجأة جديدة، حيث تم اكتشاف عدة جثث لنساء مدفونات تحت بلاط الحجرة وتصاب ريا بالهلع ويزداد ارتباكها، كما تم العثور أيضا على ختم حسب الله المربوط في حبل دائري يبدو أن حسب الله كان يعلقه في رقبته وسقط منه وهو يدفن إحدى الجثث. وانهارت ريا خاصة بعد العثور على جثة ثالثة. وتعترف بعد العثور على جثث المجني عليهن فردوس وزنوبة بنت عليوة وأمينة.
وبعد القبض على جميع المتهمين تظهر مفاجأة جديدة على يد الصول محمد الشحات، حيث أكدت تحرياته بأن ريا كانت تستأجر حجرة أخرى بحارة النجاة المتفرعة من شارع سيدي اسكندر وتنتقل قوة البوليس بسرعة إلى العنوان الجديد، ويعثر البوليس على جثث أخرى فى جميع الغرف التي كانت تستأجرها كل من ريا وسكينة في المنازل رقم 5 شارع ماكوريس، و38 شارع علي بك الكبير، و8 حارة النجاة، و6 حارة النجارة، ويصدر الأمر بتشميع منزل سكينه، ويبدأ البوليس في جمع الأدلة من خلال تفتيش بيوت جميع المتهمين المقبوض عليهم، ويعثر الملازم أحمد عبدالله من قوة المباحث على مصوغات وصور وكمبيالة بمئة وعشرين جنيها في بيت المتهم عرابي حسان كما يعثر أيضا على أوراق وأحراز أخرى في بيت أحمد الجدر، وفي هذا الوقت لم يكن حماس الملازم الشاب عبدالغفار قد فتر فقد تابع الحفر في حجرة ريا حتى عثر على جثة جديدة لإحدى النساء، بعدها تطير معلومة جديدة إلى مأمور قسم اللبان محمد كمال بأن ريا كانت تسكن في بيت آخر بمنطقة كرموز، ويؤكد شيخ الحارة هذه المعلومة ويقول إن ريا تركت هذا السكن بحجة أن المنطقة سيئة السمعة، ويتم الحفر في مسكن كرموز ويعثر على جثة امرأة جديدة!
ويتوالى ظهور الأدلة الدامغة، ومنها العثور على جلباب إحدى المجنى عليهن وهي نبوية في بيت سكينة وأكدت بعض النسوة من صديقات نبوية ذلك. 

حاولت سكينة التملص من كل هذه الحجج والأدلة إلا أن ريا اعترفت اعترافا مفصلا على كل حوادث القتل بالتفصيل. وحاولت كل من الأختين أن ترمي التهمة على الأخرى. كما اعترف بقية أفراد العصابة بقصة قتل 17 سيدة وفتاة. ووضعت النيابة يدها على كل التفاصيل الخاصة بهذه القضية المروعة التي كانت حديث المدينة والدنيا كلها في ذلك الوقت. 
وفي جلسة المحاكمة العلنية التي انعقدت يوم 10 مايو/آيار 1921، وكان حضور هذه المحاكمة يتم بتذاكر خاصة لمن أراد حضورها من الجمهور العادي الذي كان يزدحم أمام بوابات المحكمة لمشاهدة المتهمين في القفص، وفي مرافعته التاريخية لهذه القضية قال رئيس نيابة جنايات الإسكندرية: "هذه الجريمة من أفظع الجرائم وهي أول جريمة من نوعها في مصر حتى أن الجمهور الذي حضرها كان يريد تمزيق المتهمين إربا قبل وصولهن إلى مبنى المحكمة". وبعد أن سرد كل الوقائع المتعلقة بالقضية قال: "إن النيابة تطلب الحكم بالإعدام على المتهمين السبعة الأول بمن فيهم (الحرمتين ريا وسكينة)، لأن الأسباب التي كانت تبرر عدم الحكم بالإعدام على النسوة قد زالت، وهي أن الأعدام كان يتم خارج السجن. أما الآن فالإعدام يتم داخل السجن، وتطلب النيابة معاقبة المتهمين الثاني والتاسع بالأشغال الشاقة المؤبدة ومعاقبة الصائغ بالحبس ست سنوات". 
وهذا ما حكمت به المحكمة بجلستها العلنية المنعقدة بسراى محكمة الإسكندرية الأهلية في يوم الاثنين 16 مايو/آيار سنة 1921 الموافق 8 رمضان سنة 1339). ومن واقع الأوراق يستدل على أن هذه القضية قيدت بجدول النقض تحت رقم 1937 سنة 28 قضائية وحكم فيها من محكمة النقض والإبرام برفض الطعن في 30 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1921 ونفذ حكم الإعدام داخل برج سجن الحدراء يوم 21 و22 ديسمبر/كانون الأول سنة 1921.
وبإعدام ريا وسكينة وعصابتها أسدل الستار على قضية العصر وعصابة خطف النساء في الإسكندرية، وانتقلت هذه القصة من واقع التاريخ الاجتماعي للجريمة وتحقيقات البوليس والنيابة إلى المتخيّل الفني والأدبي، فتناولت صحف هذه الأيام هذا الموضوع بالتحليل والتمحيص لفترة طويلة، ثم بدأت السينما والباحثون يتناولون موضوع "ريا وسكينة" لأهميته على واقع المجتمع والناس، فكتب صلاح عيسى عن قصة ريا وسكينة موضوعا مسلسلا نشر في مجلة كل الناس، وفي عام 1953 تم إنتاج فيلم "ريا وسكينة" بطولة أنور وجدي وشكري سرحان وقامت ببطولة ريا الفنانة نجمة إبراهيم ودور سكينة الفنانة زوزو حمدي الحكيم، كما قام النجم الكوميدى إسماعيل يس ببطولة فيلم "إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة" شاركه فيها أيضا نفس نجوم الفيلم السابق، ثم قامت شريهان ويونس شلبي وحسن عابدين بالاشتراك في فيلم آخر عن ريا وسكينة عام 1983، وانتقلت ريا وسكينة إلى المسرح حينما قاسمت شادية وسهير البابلي عبدالمنعم مدبولى وأحمد بدير مسرحية "ريا وسكينة"، وانتقلت القصة إلى التليفزيون في مسلسل "ريا وسكينة" إنتاج 2005. 

rayya
ريا وسكينة

ولا تزال هذه القصة تلقى رواجا من الباحثين والكتاب والفنانين باعتبارها حادثة غير عادية حدثت في أماكن بعينها في مدينة الإسكندرية، وكلما نظرت من شرفة منزلي إلى الجانب الآخر من المشهد أرى أمامي برج سجن الحدراء الذي أعدمت فيه ريا وسكينة، فاستشعر بأن الله حق وأن الجريمة لا تفيد وأن العدل لا بد وأن يتحقق. 
الغريب في هذا البحث أنني اكتشفت وأنا أقوم بكتابته على شيء ذاتى يخصني أنا شخصيا، فقد اكتشفت من التواريخ الموجودة في الحكم الذي صدر على ريا وسكينة والذي تم في 16 مايو/آيار 1921 الموافق 8 رمضان عام 1339، أن والدتي قد ولدت في منتصف شهر رمضان من عام 1339، حيث إن تاريخ ولادتها كان يوم 22 مايو/آيار 1921 أي بعد صدور الحكم في الحادثة الشهيرة بستة أيام فقط. واعتقد أن والدتي نفسها لا تعرف شيئا عن هذا الموضوع، فهي لم تخبرني ولم تصرّح بهذا الأمر لأحد على الإطلاق إنما الشيء بالشيء يذكر، وقد رحلت والدتي يوم 26 يناير/كانون الثاني 2021 أي عن عمر قارب من المائة عام. وما جعلني أولي الاهتمام بهذه الحادثة التاريخية – حادثة ريا وسكينة – شيئين هما رؤيتي الدائمة لسجن الحضرة أمامي من شرفة مىزلي، الأمر الثاني هو حكاية قديمة سبق لجدتي أن أوردتها لي وأنا في سن صغيرة من أنها قد قابلت ريا وسكينة في منطقة زنقة الستات بحي المنشية وهي المنطقة القريبة من قسم اللبان والتي هي المنطقة التي كانت كثيرا ما تتردد عليها لشراء أشياء تخص عملها في الحياكة، وقد رأتهما رؤية العين. وقد علمت بعد ذلك حكايتهما من معارفها في ذلك الوقت. كذلك كان لتاريخ الحكم عليهما، وتاريخ ولادة والدتي كان هو الآخر ما جعلني أنظر كثيرا من شرفة منزلي إلى حجرة الإعدام القائمة أمامي في سجن الحضرة أو سجن الحدراء كما كان يسمى في الماضي.