أمجد توفيق: جدران من العزلة تفصل بين المثقف والسياسي

الروائي المصري يرى ان اللقاء الوحيد بين هاذين الفئتين ربما هو عندما يتخلى المثقف عن مهمته تحت ضغط العوز المادي والمعيشي ليبقى يهرول وراء السياسي او يقترب منه او يلمع صورته لكي يحصل على مبتغاه في أن يكون له مايريد من جوانب الرزق لسد بعض رمق عائلته التي أضناها الدهر.

كثيرون هم من كتبوا عن العلاقة المتشككة بين المثقف والسياسي، ففي الوقت الذي يسعى السياسي لإستغلال الكثير من المثقفين ضمن ماكنته الدعائية يرفض آخرون أن يكونوا أدوات لتلك الهيمنة وهذا الإستغلال قد يصل الى حد إمتصاص قدرات بعض المثقفين وإستهلاك طاقاتهم من أجل أن يكون السياسي راضيا عنهم في وقت يسعى السياسي على الدوام لأن يقدم له المثقف مايرغب من وجبات شهية تخدم مصالحه وبرنامج حزبه السياسي أو الحركة التي ينتمي اليها.

قلبنا آراء الكثير من الكتاب والباحثين المهتمين بالشأن الفلسفي والاخلاقي والقيمي والإعلامي في العلاقة بين المثقف والسياسي وأعرض في أدناه أفكار رؤى عدد من هؤلاء الأعلام ممن كانت وجهات نظرهم شبه متقاربة في توضيح أبعاد تلك العلاقة.

الكاتب والروائي الأستاذ أمجد توفيق يرى "أن هناك جدرانا من العزلة والافتراق بين المثقف والسياسي بل أن خيوط العلاقة تكاد تفترق على أكثر من صعيد".

لكن اللقاء الوحيد بينهما ربما من وجهة نظره هو عندما يتخلى المثقف عن مهمته تحت ضغط العوز المادي والمعيشي ليبقى يهرول وراء السياسي او يقترب منه او يلمع صورته لكي يحصل على مبتغاه في أن يكون له مايريد من جوانب الرزق لسد بعض رمق عائلته التي أضناها الدهر.

عالم الإجتماع الألماني ماكس فيبر كان قد أشار عام 1919 ضمن كتابَه "العالِم والسياسي" الى أن الطريق الذي يسير عليه السياسي والمثقف لا يلتقيان.. فأولهما يستخدم أدوات التفكير الموضوعي والنقد الجذري ويتعالى على المصالح والتسويات النفعية ويصدر عن "أخلاق القناعة" وثانيهما ينحصر إهتمامه في الدفاع عن السلطة الشرعية التي تحتكر العنف بالقانون منهجه هو التكيف مع الوقائع المستجدة والتزامه هو بـ"أخلاق المسؤولية".

أما عالم الإجتماع إبن خلدون فقد أشار في المقدمة "أن العلماء بين البشر أبعد الناس عن السياسة ومذاهبها". وقد شرح هذا الحكم بأدلة لها جذورها في فلسفة أرسطو.

ويبدو أن إبن خلدون يبرر للسياسي قدرته على التحول المستمر لمجاراة الأوضاع والمتغيرات السياسية "في حين أن العالم أو المثقف من وجهة نظره يبقى أسرى أفكاره النظرية التي لا تتناسب مع الوقائع المتغيرة والأحداث المستجدة التي يتعامل معها السياسي في ممارسته اليومية التي تخضع للتقلب المستمر والمراجعة الدائمة".

أما الكاتب علي حسين عبيد فيرى "أن المثقف والسياسي يتصادمان في حال كان المثقف تنويريا مبدئيا والسياسي مصلحيا أنانيا جاهلا، والجهل هنا ليس بنتيجة أو مستوى التحصيل العلمي وإنما يتعلق بالجهل الثقافي الذي يجعل من السياسي جاهلا بدوره وضاربا للمبادئ والقيم عرض الحائط".

ويضيف: "في هذه الحالة سوف يحدث تصادم قوي بين المثقف والسياسي لأنهما يتناقضان في الأهداف والغايات والأساليب وحتى الأفكار فالمثقف أحد مخارج الثقافة وتناقضه مع السياسي يتأتى من طبيعة ثقافته".

الكاتب علي حسين يعود ليحذر من أن "السياسة تسعى إلى احتواء الثقافة والمثقفين لاسيما في الأنظمة التسلطية وحتى في الأنظمة الديمقراطية الضعيفة والمتوسطة، وهناك حروب تشتعل بين الطرفين كأن الثقافة هي العدو الأول للسياسة، والمثقف هو العدو الأول للسياسي هذه الإشكالية لم تخلُ منها حقبة تاريخية معينة على مدى التاريخ البشري هناك صراع بين المثقف والسياسي".

أما الروائي أمجد توفيق فيعود ليصور لنا شكل العلاقة بين المثقف والسياسي كالاتي: بينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة المثقف وانتصار السياسي.

ويوضح طبيعة المهمة الملقاة على عاتق المثقف ودوره الحضاري والانساني بالقول إن "المثقف معني بالحياة باحث عن المعنى  مغرق بالإهتمام بالجمال لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالإختلاف وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور لذلك لا يمكن للمثقف أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه ومتى ما وافق على ذلك فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره!!

وهنا يؤكد الكاتب أمجد توفيق "إن الثقافة للسياسي قوة  والسياسة للمثقف ضعف".. ذلك أن السياسي من وجهة نظره "رجل ذو برنامج ويطمح لهدف محدد  وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق منهاج البرنامج الذي إختاره".

ويرسم الكاتب والروائي أمجد توفيق معالم تلك العلاقة بين المثقف والسياسي كالآتي "بينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة المثقف وانتصار السياسي".. والمثقف معني بالحياة باحث عن المعنى مغرق بالإهتمام بالجمال لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالإختلاف وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور لذلك لا يمكن للمثقف أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه  ومتى ما وافق على ذلك فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره.

ويعود الكاتب أمجد توفيق ليتساءل عن أوجه العلاقة بين المثقف والسياسي فيقول: من المسؤول.. أهو المثقف الذي تنكر لدوره  أم السياسيون الذين أجمعوا على استلاب دوره  وتحويله إلى بوق مدفوع الأجر؟

ومن جدبد يشير أمجد توفيق الى "إن الثقافة للسياسي قوة، والسياسة للمثقف ضعف". ذلك أن السياسي من وجهة نظره رجل ذو برنامج  ويطمح لهدف محدد  وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق منهاج البرنامج الذي اختاره".

وعن المفارقات بين السياسي والمثقف وكيف يحاول الأول استغلال الآخر يشير الاعلامي أمجد توفيق " الى أنه يطلب من المثقف أن يكون بوقا لهذا السياسي أو ذاك، ويطلب منه منح هالات التضحية والشجاعة والنبوغ لسياسيين لا يجيدون سوى حساب أرباحهم أو خسائرهم ويطلب منه أن يكون مدافعا عن طائفة صنع القدر إنتماءه لها والحقيقة هي استغلال الطائفة لمصلحة سياسيين يستغفلون جمهورهم".

وفي كثير من الحالات، كما يقول الكاتب أمجد توفيق  " فإن يخضع المثقف للابتزاز، بل يحاول أن يشرعنه بحثا عن إنسجام مفقود أو تخدير لضمير. وفي حالات أخر تكون السلبية والابتعاد عن الهم العام هي ما يميز موقفه، أما المثقف المعارض فما أسهل النيل منه  وتلك لعبة يتسلى بها السياسيون".

والحل من وجهة نظره كالآتي: "البحث عن خلاص لا يأتي إلا عبر الصدق الذي يسبقه الاحساس..ويضيف: " أعلم جيدا أنني أدعو المبدع والمثقف إلى مكابدة الألم فالصدق والاحساس أصبحا للأسف الشديد مرادفين للحزن والمعاناة".

وهنا يعود الكاتب والروائي أمجد توفيق مجددا ليعبر عن مرارة الألم في داخل المثقف وكل صاحب شأن كبير فيقول “ما من عظيم  أو نبي  أو مصلح أو صاحب نظرية أو مبدع كبير إلا وكان الألم رفيق دربه.. فالإبداع لا يبنى على السهولة والتطابق  وللتغييرات الحقيقية ثمن يدفعه المضحون من أجله".

وفي ختام هذا العرض تتوضح لدينا الجدلية المتوترة والمضطربة على الدوام في العلاقة بين المثقف والسياسي، حيث أن علامات الإفتراق هي أكثر بكثير من علامات التلاقي، ومن هنا يكون المثقف أمام إمتحان عسير حين يحاول تلبية مطالب السياسي الذي يعمل ضمن حركته السياسية ولو في حدها الأدنى بالرغم من ان الفارق في التوجهات يبقى متباعدا في كثير من ألاحيان لكن السياسي يبقى في كل الأحوال هو المستفيد الأكبر..أما المثقف فهو الخاسر الذي يدرك انه هو من يخسر لكن متطلبات العيش هي من ترغمه للعمل مع سياسيين لايؤمن بنظرياتهم او توجهاتهم السياسية ومع هذا فإن حدة الصراع بين السياسي والمثقف تبقى محتدمة ولن يكون هناك تلاق في المصالح والتوجهات إلا ماندر..