أم كلثوم في أبوظبي تغني وتشهد مولد الإمارات العربية المتحدة

محمد الحمامصي
تقدير القيادة لها

أكد الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة في تقدمته للكتاب الذي حمل عنوان \"أم كلثوم في أبوظبي\" للكاتب محمد المر نائب رئيس مجلس إدارة الأرشيف الوطني والذي وقعه في اليوم الأول من انطلاق الدورة 28 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب بجناح الأرشيف الوطني، أن الكتاب يبين أن أبوظبي كانت وستظل واحة وارفة الظلال للثقافة الجادة والفن الرفيع والموسيقى الراقية.

وأن سياسة الشيخ زايد آل نهيان في البناء الحضاري والانفتاح الثقافي واصلها باهتمام كبير الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة بجهود خيرة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي واحتضنها بمحبة شعب الإمارات الوفي النبيل وقدرتها كل دول وشعوب العالم المحبة للحق والخير والجمال.

وأضاف أن الكتاب يؤرخ لاحتفال حضاري وثقافي وفني بديع دعى فيه الشيخ زايد سيدة الغناء العربي والعبقرية الموسيقية أم كلثوم التي أحيت ليالي احتفالات أبوظبي بعيد جلوسه الميمون الخامس وبقرب بزوغ فجر دولة الامارات العربية المتحدة. كان ذلك الحفل الفني الجميل والمناسبة التاريخية المهمة إيذانا ببدء مرحلة جديدة لبلادنا الحبيبة، مرحلة الاستقلال والنهضة والبناء، مرحلة مجيدة قادها الشيخ زايد والآباء المؤسسون من حكام الإمارات وتفاعل معهم أبناء وبنات شعب الإمارات الكريم. كانت البدايات مبشرة وجاءت النتائج ملهمة، كان الغرس واعيا وجاءت الثمار ناضجة.

وقال الكاتب محمد المر الذي تتبع الجهود الكبير التي بذلها الشيخ زايد في تأسيس وبناء دولة الإمارات العربية المتحدة أن \"قدوم أم كلثوم إلى أبوظبي كان حدثا موسيقيا وغنائيا استثنائيا، وأن المستمعين والمحبين لغنائها كانوا كثيرين، وكانت شعبيتها في الإمارات لا تقل عن شعبيتها في دول الخليج والجزيرة العربية وباقي الدول العربية\".

وأضاف أن الشيخ زايد في خضم قيادته لسياسة مظفرة زادت عن نصف قرن من تاريخ بلادنا، لم تغب خلاله عن عينه البوصلة الحضارية، فكان بالإضافة إلى كفاحه السياسي، وإنجازه التنموي، لم يغفل عن البعد الثقافي الذي يبرز الدول بهويتها الخاصة وتراثها المميز.

وقال إنه في جمادي الثاني 1391هـ الموافق أغسطس/آب 1971 حمل عبدالمنعم الملواني المستشار الصحفي للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الرسالة التي كتبها حاكم البلاد إلى السيدة أم كلثوم دعوة منه لسفيرة الغناء بزيارة أبوظبي وإقامة حفلتين بها.

وأضاف المر أن قدوم الفنانة الكبيرة أم كلثوم إلى أبوظبي كان حدثا موسيقيا وغنائيا استثنائيا. وتورد جريدة الاتحاد الإماراتية الرائدة، في أعدادها التي صدرت في تلك المرحلة، متابعة تفصيلية دقيقة لذلك الحدث الفنى المهم، فتذكر الجريدة خلفيات زيارة أم كلثوم لأبو ظبي، مشيرة إلى أنه في الزيارة الأخيرة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى مصر، والتي كان يرأسها آنذاك الرئيس محمد أنور السادات (أبريل/نيسان 1971)، أوفد مانع سعيد العتيبة وزير البترول والصناعة، وعبدالمنعم الملواني المستشار الصحفي لولي العهد الشيخ خليفة إلى سيدة الغناء العربي أم كلثوم لزياراتها فى منزلها والتباحث معها لإحياء حفل غنائي في أبوظبي، بمناسبة الأعياد الوطنية، التي شملت عيد الجلوس الخامس للشيخ زايد وبشائر ولادة دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتضيف جريدة \"الاتحاد\" أن السيدة أم كلثوم كانت تشكو من وعكة ألمت بها في ذلك الوقت، واستقبلت أم كلثوم في فيلتها الوزير مانع العتيبة والصحافي عبدالمنعم الملواني اللذين قدما لها تحيات الشيخ زايد، وناقشا معها موضوع زياراتها لأبوظبي وإحياء حفلات غنائية فيه، وقد رحبت أم كلثوم بالفكرة وأبلغت تحياتها وتقديرها للشيخ زايد، وأكدت لهما أنه لولا وعكة البرد التي كانت تعاني منها، لقامت بزيارته في قصر القبة، مقر إقامته حيث ينزل ضيفا على الرئيس أنور السادات.

وبعد عودة الشيخ زايد إلى أبوظبي إثر زيارته الرسمية لمصر، أرسل رسالة الدعوة الخاصة إلى السيدة أم كلثوم، وقد حملها الملواني، وكان نص الدعوة يشمل تقديرا كبيرا لفنانة عربية راقية ساهمت في النهضة العربية الفنية والحضارية، وفنانة وطنية غنت لآمال وآلام بلادها وأمتها، وكان ذلك واضحا في جهودها لإحياء حفلات غناء في مختلف دول العالم، بحيث يعود ريعها لدعم المجهود المصري الحربي، بعد العدوان الإسرائيلي في الخامس من يونيو/حزيران عام 1967 وجاء نص الدعوة كالتالي:

\"حضرة السيدة الفاضلة كوكب الشرق أم كلثوم المحترمة، بعد التحية إنه لمن دواعي سرورنا دعوة سيدة الغناء العربي الأولى لزيارة أبوظبي للإطلاع عن معالمها عن كثب ومشاهدة ما حققته من إنجازات في فترة وجيزة، كما إنه سيكون مبعث فرح وسرور لنا أن نمتع الأذن بسماع الصوت الشجي والنغم الجميل، آملين أن يتاح لكم الوقت بالقيام بهذه الزيارة، وذلك بمناسبة العيد الوطني لبلادنا، متمنين لكم موفور الصحة، سائلين الله أن يوفقكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. زايد بن سلطان حاكم أبوظبي\".

وتذكر جريدة\"الاتحاد\" أن السيدة أم كلثوم أعلنت بعد قبولها الدعوة الكريمة وأنها ستبدأ موسمها الغنائي الشتوي لهذا العام في أبو ظبي، تحية منها للشيخ زايد.

ولفت المر إلى أن المسارح الموجودة في مدينة أبوظبي آنذاك كانت مسارح دور سينما وأكبر قاعة سينما كانت لا تتسع لأكثر من عدة مئات من المشاهدين وعشاق أم كلثوم بالآلاف، لذلك صدرت الأوامر لكي تقوم وزارة الدفاع بالتنسيق مع باقي الوزارات والدوائر لبناء مسرح مؤقت على أرض النادي الأهلي، الذي أصبح فيما بعد نادي الوحدة، وفي فترة قياسية لا تتعدى الثلاثة أسابيع أقيم المسرح الذي أعد لتكون طاقته الاستيعابية أربعة آلاف كرسي.

وأشار المر إلى أنه عندما حطت طائرة الخطوط الجوية الكويتية في مطار أبوظبي في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1971 كان في استقبال سيدة الغناء العربي العديد من الشخصيات الاماراتية المهمة على رأسهم وزير البترول والشاعر مانع العتيبة وسعيد الدرمكي مدير دائرة التشريعات في أبوظبي وعلى الشرفا نائب مدير دائرة التشريعات وقد فتحت قاعة الشرف بمطار أبوظبي لأم كلثوم تكريما لها ولدورها الفني الريادي. ومن المطار انتقلت والوفد المرافق لها إلى مقر إقامتها في فندق العين بلاس.

وبعد وصولها وجهت أم كلثوم رسالة شكر في جريدة الاتحاد ساردة فيها عواطفها وانفعالاتها بالحفاوة التي استقبلت بها في مطار أبوظبي، قالت:

\"أوجه هذه التحية على صفحات جريدة الاتحاد إلى عظمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي وشعبه الكريم وأشكركم على الحفاوة التي قوبلت بها منذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها إلى هذه الأرض العربية الغالية. ويزيد من سعادتي أنني قد جئت إلى أبوظبي في مناسبة عيد جلوس صاحب العظمة الشيخ زايد والاستعداد للإعلان عن قيام دولة الامارات العربية المتحدة الذي سوف تضيف إلى الأمة رصيدا جديدا من القوة والدعم. ونسأل الله القدير أن يحقق لنا العزة والنصر.. أم كلثوم\".

ورأى المر أن حفل سيدة الغناء في أبوظبي ليلة 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1971 كان حفلا استثنائيا بكل المقاييس فهو حفل غنائي عربي يمثل قمة الإبداع الموسيقى والغنائي العربي، وكيف لا يكون كذلك ونجمته هي أبرز مطربة عربية، وكلمات أغنياتها كتبها أفضل شعراء الأغنية العربية، وألحانها أبدعتها مخيلة أفضل المواهب الموسيقية العربية، والفرقة الموسيقية التي ترافقها بها أفضل العازفين المصريين.

احتشد الآلاف في مسرح وزارة الدفاع وكانت آلاف أخرى تحتشد مكتفية بالوقوف قرب المكان، واضطر رجال الأمن إلى إغلاق الأبواب في الساعة التاسعة والنصف. وقد امتلأ المسرح وفي مقدمته الشيخ زايد وولي عهده الشيخ خليفة وشيوخ آل نهيان والشيخ سلطان بن محمد القاسمي والشيخ حمد بن راشد النعيمي والعديد من شيوخ الإمارات وشخصياتها المهمة وضيوف أبوظبي ومنهم من الكويت الشيخ بدر الصباح، ووزير التربية العراقي، وغيرهم من كبار الشخصيات الخليجية.

غنت أم كلثوم \"أغدا ألقاك\" للشاعر السوداني الهادي آدم وألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب، وأغنية \"الحب كله\" كلمات أحمد شفيق كامل وألحان بليغ حمدي.

وأشار المر إلى أن الشيخ زايد استقبل أم كلثوم في ديوانه بقصر المنهل وتبادل معها الأحاديث الودية. والشيخ زايد في تقديره لأم كلثوم كان يكبر فيها نبوغها في الفنون الغنائية والموسيقية، وهو القائد الذي عرف عنه اهتماماته بالثقافية بمختلف تجلياتها من أدب وشعر وتراث غنائي وموسيقي. وكان يقدر فيها إبداعها كامرأة عصامية شقت طريقها في عالم الموسيقى والغناء العربي حيث ارتقت به وحصلت على حب الشعوب وتقدير القادة والملوك والرؤساء العرب. وكان يثمن عاليا الدور التاريخي والحضاري لمصر وأم كلثوم الذي ارتبط بشعبه وبقيادته بأوثق الروابط.

أيضا في أثناء زيارة أم كلثوم لأبوظبي تمثل تقدير القيادة لها بمأدبة عشاء كبرى أقامتها الشيخة فاطمة بنت مبارك تكريما لأم كلثوم واحتفاء بدورها الريادي في نهضة فن الموسيقى العربية وذكرت جريدة الاتحاد أن الحفل التكريمي حضرته مجموعة من سيدات أبوظبي والدول العربية الشقيقة.

وفي الحفل الثاني الذي جاء في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني ارتدت أم كلثوم ثوبا غامقا وتحلت بعقد من اللؤلؤ الخليجي أهداه لها الشيخ زايد، وكان ذلك الحفل لدعم المجهود الحربي المصري وقد حضرته جموع غفيرة من المواطنين والوافدين العرب والزوار من مختلف الدول العربية الذين جاءوا ليسمعوا أسطورة الغناء العربي في القرن العشرين.

وتميز ختام زيارة أم كلثوم لأبو ظبي بحدث مهم وتوديع حار، أما الحدث فهو أن سيدة الغناء بعد نهاية حفلتها فى الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني بقيت فى ضيافة القيادة فى أبو ظبي لتشهد اليوم التاريخي والحدث السعيد الذي تمثل فى إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1972، وهذه جريدة\"الاتحاد\" توقف المناسبة الوطنية السعيدة والغالية فتقول \"بعد إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، توجه الشيخ خليفة بن زايد ولي العهد إلى ساحة قصر المنهل العامر وأمر برفع العلم ورفع ولى العهد يده بالتحية لعلم (الاتحاد) الذي يرفرف على البلاد لأول مرة، وكانت لحظة تاريخية رائعة، وقد شهدت سيدة الغناء العربي أم كلثوم مراسم رفع العلم الاتحادى، وقدمت بعد ذلك التهنئة إلى الشيخ خليفة، وقالت له \"عقبال علم الوحدة العربية الكبرى\".

أما التوديع الحار فكان بعد ذلك فى مطار أبو ظبي حيث قام بتوديع أم كلثوم وزير الخارجية أحمد خليفة السويدي مع جمع من المسئولين والمواطنين والوافدين الذين تمنوا لسيدة الغناء رحلة سعيدة إلى أرض الكنانة.

وبذلك انتهت زيارة أم كلثوم التاريخية لأبوظبي، وستبقى تلك الزيارة من أهم آخر محطات أم كلثوم الفنية، إذ كانت آخر زيارة خارجية لها وحصلت فيها على التقدير الرسمي المميز والإعجاب الشعبي الكبير، وبعد سنة تقريبا توقفت أم كلثوم عن حفلات الغناء، وتوعكت صحتها، وتوفيت فى 3 فبراير/شباط عام 1975، وقد ودعتها إلى مثواها الأخير جماهير غفيرة من أبناء وبنات الشعب المصري ناهز عددهم على الثلاثة ملايين.

يذكر أن الكتاب الذي قدمه وإشراف عليه محمد المر شارك فيه الكتاب: ناصر عراق، إلياس سحاب، د. أحمد إبراهيم، مصطفى عبدالله، وأخرجه فنيا محمود شمس الدين عبو.