أنا وليلى وسحر العيون.. وخطيئة كاظم الساهر!

حذف بيت في قصيدة لقيصر الغناء العربي يفقد الأغنية البعض من روعتها وسحرها البلاغي، وغياب البيت الشعري الجوهرة يرجعه العديد من الباحثين الى دواع دينية وحتى علمية او الى حرصه على عدم اغضاب معجباته من صاحبات العيون السوداء عند التغني بالعيون الزرقاء.

ربما لم تدخلني قصيدة غنائية مثل "أنا وليلى" في جدل وتساؤل مستمر مثلما احتلت كلمات تلك الأغنية من مكانة، بعد ان تخلى القيصر كاظم الساهر عن إدراج أفضل بيت شعري في هذه القصيدة، وتجاوزه، دون أن أعرف سبب هذا التجاوز على القصيدة الرائعة، وحذف البيت لغرض في نفس الساهر، لكنه ربما أفقد الأغنية بعضا من روعتها وسحرها البلاغي، يوم تغنى الشاعر بالعيون الزرقاء او باللون الأزرق عموما، والذي يشبه في روعته لون السماء، حيث اختاره لها الباري عز وجل ليكون رمزا للجلالة والسمو والهدوء والسكينة وإظهارا لعظمة الخالق وروعة سحره الخلاب، جلت قدرته.
ولا يدري الكثيرون سبب تجاهل القيصر كاظم الساهر لدى غنائه قصيدة الشاعر المعروف حسن المرواني  "أنا وليلى" لأجمل بيت شعري تم حذفه من المقطع الغنائي للقصيدة بالرغم من انها أجمل ما في القصيدة من تعبير بلاغي ..وهي :
لو لم يكن أجمل الألوان أزرقها ما اختاره الله لونا للسموات
طرحت هذا التساؤل وغياب البيت الشعري الجوهرة  التي تم التجاوز عليها في هذه القصيدة المغناة من قبل الساهر، ووضعته على طاولة الجدل وعلى أنظار العديد من الزملاء من الاساتذة والباحثين وكتاب الأعمدة للتوصل الى اجابات شافية عن سر تخلي القيصر كاظم الساهر عن أجمل بيت شعري من قصيدة أنا وليلى  فكانت اجاباتهم على الشكل التالي:
يرى الكاتب العراقي المعروف والصحفي القدير الاستاذ زيد الحلي أن الساهر ربما خشي ان يذكر كلمة السموات  في الأغنية، لأغراض عدم منع الاغنية من بلدان "إسلامية"هذه كانت وجهة نظره بشأن تبرير حذف البيت الشعري المشار اليه اعلاه.
أما الشاعر والكاتب العراقي الكبير الاستاذ سامي مهدي فقد أشار الى أن تجاوزه لهذا البيت ربما يكون خشية تقولات المتزمتين وصغار العقول، وهو ما يتفق الى حد ما مع وجهة نظر الكاتب المعروف زيد الحلي في بعض أوجهها.
لكن للزملاء الآخرين وجهات نظر اخرى، فقد أشار الزميل الصحفي والكاتب المعروف صباح السيلاوي الى انه ربما أراد الساهر ان لا يغضب معجباته ممن ذوات العيون السوداء وتم حذف البيت من القصيدة خلال غنائه لها إكراما للعيون السود.
أما أستاذ الاعلام وخبير الاتصال الإعلامي الزميل المخضرم الدكتور كامل خورشيد والذي تقلد عمادة كلية ميديا الاعلام في عمان لثلاث سنوات، وله اسهامات فاعلة في أوساط الرأي العام العراقي والعربي، فيجيب عن تساؤلات من هذا النوع بقوله :عزيزي أبا ضياء، الأستاذ حامد المحترم، أنت دائما تحلق بنا في أجواء متنوعة، تنوع هذه الحياة التي نعيشها، وتوقظ فينا كوامن الحب المنسي، والعاطفة الخجولة، والأنين المصاحب للماضي، وتمتعنا بكلمات نشعر بحاجة اليها، نهرب منها اليها، وها أنت اليوم، للمرة الثانية، تطرق بوابة القيصر كاظم الساهر، الذي شغل الناس وملأ الدنيا لحنا وطربا وحبا وشغفا، رشاقة قلمك الجميل تسحرنا وتبحر بنا نحو أجواء ليلى وليس فقط الفنان كاظم الساهر لديه ليلاه فقديما قيل كل واحد يبكي على ليلاه".
واضاف "تأملت وقرأت جملة التعليقات، وما أزال، أرى الوجد الملتهب بين السطور، بعيدا على البيت المصادر غنائيا من القصيدة، وبعيدا عن ليلى ذات العيون الزرقاء، فتفسيري المتواضع لهذا هو أن العيون الزرقاء صفة نادرة في مجتمعاتنا، والنادر أحيانا بل غالبا يصبح أغلى من الموجود، ولكن بحالات معينة يصبح التغني بالظاهر المألوف هو المناسب، ويا صديقي حامد، بإختصار، فأن كل العيون حلوة بحلاوة من خلق الله لهم هذه العيون وأبدع في خلقه سبحان الله، ولكن يبدو لي أن أنصار العيون السود هم الأغلبية، ولهذا جاءت الأغنية هكذا، وهذا تفسير بسيط مني ربما أوحى به الي تعليق صديقي الدكتور خالد سلطان.
ويرى خبير علم الإجتماع والخبير بالشأن الاعلامي والاجتماعي الصديق العزيز خالد عبدالرحمن سلطان أن القيصر ربما حذف البيت الشعري الذي ذكرته لأن فيه تخصيصا في حين أن الساهر يريد التعميم ليخاطب عواطف كل النساء ولا يريد أن يخسر جمهورا منهن".
وتابع "أود أن اضيف بأن هذه القصيدة عاصرناها في كلية الآداب - جامعة بغداد حينما كانت تصدح قاعة الحصري بأصوات الشعراء من الطلبة والضيوف وكانت تشكل بصمة للتعبير عن العواطف لدى الطلبة في فترة السبعينات".
أما الكاتب القدير والمحلل المتمكن من نفسه ومن خبراته الصديق العزيز يحيى محمد راضي فقد كانت له وجهة نظر أخرى مختلفة تماما، ارجعها الى أسباب فيزيائية تعود الى تركيبة الألوان وتحليلها وتأثرها بالطيف الشمسي، حتى انه أراد ان يدلل على ان السماء ليست زرقاء كما نراها الان.
وهنا نعرض وجهة نظره هذه للأهمية البالغة التي طرحها، فيقول "اسمح لي أن اختلف في الرأي عما طرح من وجهات نظر فأقول ان الله لم يخلق السماء بلونها الازرق وهي لا لون لها وانما نحن نراها كذلك بفعل عمليات الانكسار للضوء الابيض المكون من الوان الطيف السبعة واصطدامه بمكونات الهواء والغبار فيظهر على صورة اللون الغالب بعد عبوره وعدم امتصاصه من تلك الجزيئات والمواد
واضاف ".لذلك تظهر السماء بلون احمر او اصفر او برتقالي عند الشروق والغروب وباللون الاسود ليلا، وربما تنبه الساهر او نبه على هذه المعلومة فرفع البيت المعني بالحوار حتى لا يسجل عليه انه جاهل بحقيقة الاشياء". 
 لكنني شخصيا أستبعد ان يكون الساهر قد فكر بنفس الطريقة التي فكر فيها الزميل يحيى، إذ لامجال للساهر ولا لغيره ان يدرك حقائق غريبة من هذا النوع، لم تدخل دائرة الجدل من قبل.
أما الدكتور رياض محمد الخبير في الشأن الاعلامي فيقول في تعليقه على الموضوع المثار عزيزي أبوضياء .. دائما ما تتحفنا بمواضيع تحرك المشاعر والأحاسيس وتخلق جوا تفاعليا يثير الشجون وهذا ليس بغريب عليك فلغة الشعر والأدب تمتلكها ومتمكن في توظيفها إلى أبعد الحدود وبما أن الموضوع الذي اثرته يدخل في هذا الإطار، فباعتقادي أن الساهر ابتعد عنه خشية أن لا يثير مشاعر محبيه وهم كثر.
 فالعيون أنواع منها السوداء ويتسم أصحابها بالعصبية. والغيرة والعاطفة القوية والزرقاء يتسم أصحابها بالجرأة وحب الذات والغموض والحساسية والرمادية بالقسوة والعنف والخضراء بقوة الإرادة والعناد والبنية بالرحمة والعطف والخجل وقوة الحجة والعسلية بالهدوء وضبط العواطف.
وربما يكون صديقنا الدكتور رياض اتفق مع طروحات الآخرين في ان الساهر تجنب ذكر هذا البيت الشعري لدى غنائه تلك القصيدة "أنا وليلى" لاغراض عدم إثارة  الآخرين من ذوات العيون السود أو العسلية!!
الزميلة والاعلامية يسرى حسن والمتيمة بعشق الساهر ترى أن "القيصر" الساهر اراد ان تكون ليلى كل العيون وكل النساء وخاصة ان الاغنية تحكي عن الحزن واللوعة وفقدان الحب لتخاطب وتلامس احاسيس ومشاعر كل ليلى.
وقال الشاعر محمد حسام الدين العوادي عن العيون الزرقاء او المطعمة باللون الأخضر :
يا حَرَّ قلبي ووِجدانِي لَوَلهانُ يا ويح مهجتنا والحُسْنُ فتّانُ
تمكّن العشق من قلبي فأرّقهُ فالعينُ ساهرةٌ والعقلُ حيرانُ
رأيتُها بالعُيون الزرقِ ترمُقُنِي فأغرقتني وما للبحرِ شُطئانُ
ألا فجودي على عيني بمبتسِمٍ ونظرةُ العين هذي منك إحسانُ
تبسَّمَتْ فَسَقَتنِي بابتِسَامَتِهَا خمرًا لذيذًا ومنهُ القلبُ سَكرانُ
تبسّمتْ لي فصارَ الكونُ يبسُمُ لِي وخاطبتني فذاكَ الكَلْمُ ألحانُ
فلم ترَ العينُ عَينِي مثلهَا أبدًا كأنْ عُيونِيَ في الجناتِ قد كانُوا
أحببتُهَا مُذْ رأيتُ العينَ والشَّفَةَ أحببتُهَا مُذْ رَأيتُ الشَّعرَ يزدانُ
شقراءُ بيضاءُ مثلَ العاجِ قامَتُهَا مثلَ الرُّخاَمِ وسَاقَاهَا لَأَغْصَانُ
لَهَا عُيُونٌ كمثلِ البحرِ تُغْرِقُنِي خَدٌّ أسيلٌ وساقٌ مِثلُهَا البان
يا ليتَ شِعْرِيَ هلْ أنتِ الملائِكَةُ يا ويحَ قلبِي أَإنسٌ أنتِ أمْ جانُ
إنّ العيونَ التي شافتكِ عاشقةٌ وإنّ قلبِي لرؤياكُمْ لولهانُ
عطرتِ غُرْفَتَنَا يَا وَرْدَةً عَبَقَتْ كَأَنَّ رِيحَكِ إكْليلٌ وَرَيْحَانُ
مَا كَانَ وَصْلُكِ الّا مِثْلَمَا الحُلُمِ لكلِّ شَيْءٍ إذا مَا تَمَّ نُقْصَانُ
أيا ابنَةَ الرّومِ سُبْحَانَ الذِي خَلَقَكْ بَرَاكِ سبحَانَهُ باري و منانُ
كمثلِ حُورِيَّةٍ للأرضِ قدْ نَزَلَتْ لِلُبّنَا خَلَبَتْ فَالعَقْلُ حَيْرَانُ
يا ذات زُرْقِ العيونِ العِشقُ يخنُقُنِي ويلدغُ القلبَ .. بعضُ العشق ثعبانُ
وحبّكُمْ في شراييني .. كذلكَ في قلبي تجمَّعَ أفراحٌ وأحزانُ
إنْ أكتُمِ الحبَّ فالأجفانُ تُعْلِنُهُ فيستوي فيَّ اسرارٌ وإعلانُ
وقد وجدت لكم بعض التأويلات لتبرير استخدام العيون السود للتعبير عن جمال المحبوب فتعالوا إقرأوا :يمتلىء الفن في كل أنحاء العالم بوصف العيون والتغني بها. لا يختلف الأمر في العالم العربي، إذ لطالما كتب شعراءه قصائد في وصف العيون المكحّلة، ولطلما تغنى بها الفنانون في أغان خالدة كأغنية محمد العزبي "عيون بهية" (ألحان بليغ حمدي وكلمات محمد حمزة). ولكن كان للعيون السوداء النصيب الأكبر من المديح.
ولطالما استخدم الشعراء الليل والقمر والنجوم لوصف العيون السوداء المكحلة. إذا ما عدنا إلى نهاية القرن التاسع عشر مع "قدك المياس"، أحد القدود الحلبية التي اشتهر في غنائها الفنان السوري صباح فخري، نجد في أول مقطع من الموشح: "وعيونك سود يا محلاهم، قلبي متلوع بهواهم!!
وكانت دراسة أجراها علماء من المدرسة الطبية في جامعة لويسفيل الأميركية قد كشفت أن لون عيني الإنسان يمكن أن يعتبر مؤشرا على مواهب الإنسان وقدراته.
ويؤكد العلماء بناء على بحوث أن الأشخاص، الذين يتمتعون بعيون زرقاء اللون لديهم مواهب أكثر ومبرمجون على النجاح أكثر مقارنة مع الآخرين.
وتوصل العلماء إلى هذه النتيجة بعد دراسة خضع لها الآلاف، كما اكتشف فريق البحث أن ذوي العيون الزرقاء يحققون نجاحات أكبر في فترة تحصيلهم العلمي وخلال حياتهم المهنية، علاوة على أنهم أكثر جاذبية بالنسبة للجنس اللطيف، وفقا للباحثة على الدراسة جوانا روف.
كما خلصت الدراسة الأميركية إلى أن ذوي العيون الزرقاء يتمتعون بالقدرة على اكتساب المهارات المعقدة أكثر من غيرهم أيضا.
ثم يعود شاعر آخر مغرم بوصف العيون الحور وهو جرير بقوله : ان العيون التي في طرفها حور قتتلنا ثم لم يحيين قتلانا.
الا ان المطرب الشهير المرحوم ناظم الغزالي تقاسم الجمال بين العيون والخدود فاضاع علينا الحقيقة عندما غنى: يا أم العيون السود ماجوز الأنا خدك الكيمر انا أتريك منه.
وقد هامت الفنانة المبدعة المرحومة وردة الجزائرية بأغنيتها العيون السود ..قتلونا..ولا ادري ان كانت الاغلبية للعيون السود ام للعيون الزرق التي تشابه زرقة السماء..هذا ما ننتظره في حواراتكم حول هذا الموضوع.
وأخيرا .أمنياتنا أن يكون إثارة هذا الموضوع الحيوي والمهم لقصيدة "أنا وليلى" التي غناها "القيصر" كاظم الساهر مثار جدل بين زملاء المهنة والمهتمين بالشعر العربي والقصيدة الغنائية وحبذا لو نجد من زملائنا الفنانين وكل المبدعين ما مايضيف لنا شيئا جديدا الى هذا السؤال الذي يبقى لغزا محيرا على كل حال.. في وقت ربما يقهقه القيصر من جدلنا بعد ان يردد مع نفسه قول الشاعر الكبير ابي الطيب المتنبي: أنام مليء جفوني عن شوارها وينبري الخلق جراها ويختصم
لكن الساهر او "الساحر" كاظم ، قد أشعل فتيل جدل دون ان يدري، وربما يستمر هذا الجدل لسنوات، وهو ربما يشجع طلبة الدراسات العليا على ان يكون لهم مادة مغرية ترفع من شأن دراساتهم وبحوثهم، إن فضلوا خوض غمار هذا الجدل "البيزنطي" لكنه سيكون مثار اهتمام الملايين من المتابعين في كل انحاء العالم ، وهو موضوع شيق ومثير وبحاجة الى من يدخل القراء والمشاهدين في عالمه السحري الخلاب، ليؤجج فيهم خصلة التذوق والابداع والغوص في اعماق المكنونات.
تحياتنا وتقديرنا لكل من كانت له إسهامة فاعلة في هذا الجدل.. وتحياتنا للقيصر الساهر الذي تركنا وحدنا نبحث وراءه ونتبادل الاراء وأدخلنا في سجالات لها أول وليس لها آخر، في وقت هو لا يدخل تلك الدائرة ولا يبدو ان امره يهمها، بل هو ربما يغط في نوم عميق على شاكلة شاعرنا الكبير ابي الطيب المتنبي، طيب الله ثراه وأعز شأنه.. وعسى ان نكون قد أوفينا هذا الموضوع الحيوي بعض ما يستحق وحفظنا له بعض هيبته.