إبراهيم السعافين المتوج بجائزة فلسطين

رواية "ظلال القَطمون" حصيلة جهد مضن جمع بين التوثيق من خلال الروايات التاريخية المكتوبة والشفاهية من جهة، وبين المتخيّل من جهة أخرى. 
صهر التاريخي بالمتخيل مصورًا ملاحم المقاومة الوطنية والقوميّة والإنسانية من خلال مقاومين
سأروي ما هو مهم وقد أغض النظر عمّا لا يهمّ النّاس

بعد فوزه بجائزة الدولة التقديرية في الآداب في الأردن عام 1993 وجائزة الملك فيصل العالمية عام 2001، فاز الكاتب والناقد الأردني الكبير الدكتور إبراهيم السعافين قبل أيام بجائزة فلسطين عن روايته "ظلال القَطمون" الصادرة عن "الأهلية للنشر والتوزيع" في العاصمة الأردنية عمان. وهو الذي كان رئيسًا للجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربيةّ (البوكر)، فضلًا عن عضويته في مجلس أمناء عدد من مؤسسات الجوائز، ومشاركته في التحكيم رئيسًا وعضوًا في لجان التحكيم في عدد من الجوائز والمهرجانات العربية. بالإضافة إلى أنه الرئيس المؤسس لجمعية النقاد الأردنيين وعضو مراسل للمجمع العلمي الهندي منذ عام 1983.
وكنت من أول من هنأوه بحصوله على جائزة فلسطين الكبرى عن روايته وسألته عن ما يعنيه الفوز بها فأجابني: فوزي بجائزة فلسطين له دلالة رمزية من جانبين؛ من وطن الجذور وأرض النكبة المستمرة منذ قرن من الزّمان، وفلسطين الموضوع المركزي لمعظم ما كتبت من شعر ومسرح ورواية وقصة ودراسات مختلفة، فأن يأتي تقدير هذه الرواية من فلسطين فذلك مدعاة للفخر والفرح والاعتزاز .
وعما يمثّله الكتاب الفائز بالنسبة إليه قال للدكتور السّعافين: هذا الكتاب أول كتاب إبداعي لي يتقدم للترشيح لجائزة إبداعيّة، صحيح أنّني لم أتقدّم بنفسي الجائزة؛ فقد تقدّم الناشر مشكورًا، وهذا العمل حصيلة جهد مضن جمع بين التوثيق من خلال الروايات التاريخية المكتوبة والشفاهية من جهة، وبين المتخيّل من جهة أخرى.  

novel
عمل إبداعي وروائي عن القدس وفلسطين 

وقد استنفدت جهدًا مثابرًا طوال سنتين مع خلفية من زمن متطاول، صهرت المادة الخام الوثائقيّة والمتخيّلة في عمل فني حرص على حضور القيمة الجماليّة وجسّد رؤيتي للواقع والتاريخ والقضيّة من دون إخلال بجماليات العمل الروائي، ودون فرض الرّؤية على منطق الشّخوص.
وأطلب منه أن يروي لنا حكايته مع هذه الرواية منذ ناوشته فكرتها إلى أن قرر الدفع بها إلى الناشر فصمت قليلًا ثم بدأ الكلام قائلًا: اعلم أن فكرتها العامة ظلت تدور في رأسي منذ زمن طويل، وهي عنقود من الأسئلة حول القوة والحريّة والعدالة والاستعمار والإمبريالية والتعصب والمعايير المزدوجة والتمييز العنصري والديني والمقاومة وثنائية الضعف والقوّة، والمفارقة بين اصطناع الضحيّة لدور الجلّاد.
 وينهض السؤال الأكبر في رأسي: لماذا هُزمنا، ولماذا اقتلع الشعب الفلسطيني من وطنه ليحل وافدون عابرون يتسلحون بخرافات وأساطير يساندهم العالم كله!
ثمّ بدأتُ أضيف إلى ما لدي من وثائق ومرويات من معلومات ومذكرات شهود عيان، وأشرع في صهر التاريخي بالمتخيل مصورًا ملاحم المقاومة الوطنية والقوميّة والإنسانية من خلال مقاومين مثل: عبدالقادر الحسيني، وداود أنطون، وبطل حصار الفالوجة القائد المصري (الضبع الأسود)، وإبراهيم أبو ديّة بطل معركة القلمون، إلى جانب مقاتلين ومتطوعين عرب في أوج نمو الحس القومي والإسلامي.
ويضيف السعافين قائلًا إن رؤية هذه الرواية قامت على دحض الرواية الصهيونية، وإثبات أن هناك شعبًا له حياة اجتماعية وثقافية واقتصادية، صاحب خبرات زراعية، تسنده حضارة ممتدة في التاريخ. وقد حاولت أن أبيّن اللحمة التي تجمع أبناء فلسطين في وحدة اجتماعية لا تنفصم.
وأسأله: ولمن تهدي هذا الفوز؟ فيقول: أهدي هذا الفوز إلى ذكرى أبي وأمي وإلى كل شهداء الأمّة الذين روّوا بدمائهم ثرى فلسطين الطّهور.
ثم أسأل:  كتبت الشعر والمقال والدراسة الأدبية والبحوث العلمية، ولكن الرواية هي التي تقدمت، فمنحت عنها هذه الجائٔزة المهمة.. فما تعليقك على ذلك، ويجيب: لقد نلت من قبل جائزتين مهمتين عن دراساتي وأعمالي النقديّة؛ أولاهما جائزة الدولة التقديرية في الأردن، وثانيهما جائزة الملك فيصل العالمية، وقد شاركت مسرحيتي "ليالي شمس النهار" كأول مسرحية رئيسيّة في مهرجان جرش الأوّل عام 1981. لكن لهذه الجائزة طعمًا خاصًّا، لأنّها عن عمل يرمز إلى النضال الوطني والقومي والإنساني، ولأنّها ترمز إلى القضيّة العربيّة المركزيّة؛ قضيّة فلسطين.

أهدي هذا الفوز إلى ذكرى أبي وأمي وإلى كل شهداء الأمّة الذين روّوا بدمائهم ثرى فلسطين الطّهور

وأعود لسؤاله: ألا يشجعك هذا على المضي في كتابة الرواية؟ ويجيبني: نعم، هو حافز مهم يشجع على الاستمرار في الكتابة، مع أنّي قطعت شوطًا في كتابة رواية تمتد عل حقبة زمنية طويلة، عمودها الفقري عائلة يُستأنف شتاتها من جديد لتقاسي الغربة في بلد أوروبي وتواجه أقسى التحدّيات.
بالمناسبة أسأله: ألا ترى أن تَصَدُّر الرواية الساحة في العقد الأخير- على الأقل- ظلم فن القصة القصيرة؟ فيقول: يبدو أن تخصيص جوائز كثيرة للرواية هو الذي أوحى للناس بأنّ للرّواية حضورًا أكبر من القصة القصيرة، ولكنني أرى أن القصة القصيرة حاضرة بقوة على أقلام كتّابها، وهي فن جميل ومهم ولا بد من دعمه بتخصيص جوائز وندوات ومؤتمرات تعكس مكانته وأهميته. 
فالقصة القصيرة والقصيرة جدًّا تشغل مساحة أقل، ولذلك تظل مرشحة للقراءة في الصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأواصل: أمتعتنا بخيوط سحبتها من سيرتك الذاتية الحافلة بالمواقف والذكريات، استحضرت فيها بشرًا رحلوا عنا، واستعدت أماكن شهدت جوانب من تكوينك العلمي والذهني والوجداني أيضًا. فمتى تنشر لنا سيرتك الأخاذة؟ يبتسم الدكتور إبراهيم السعافين معبرًا عن ارتياحه لهذا الموضوع الأثير لديه ويقول: أنا عاكف على كتابتها وأتوقّع أن أفرغ من ذلك لأبدأ مرحلة تدقيقها ومراجعتها وأنشرها في غضون الشّهور القليلة القادمة.
وأستفسر منه: لكن ما الذي تحجبه عن القارئ أثناء تدوين هذه السيرة؟ وما الهدف الذي كنت ترمي إليه من كتابتها؟ فيقول: السيرة الذاتية، كما تعلم، انتخاب واختيار، مثلها في ذلك مثل الفنون كلها، وبخاصة فنون السّرد، والبوح عنصر من عناصر السيرة، وطبيعي أن يقال الأهم والمهم. وأصدقك القول إنّ أصدقاء كثيرين من أقطار مختلفة ألحوا عليّ في كتابة سيرتي، ولعل هذه السيرة روايتي للأجيال عن حقب زمنية عشتها، وعن تجارب مختلفة مررت بها تجمع بين الخاص والعام.
ولا أزعم أنني أباهي أو أدّعي أو أعلّم بقدري ما أهمس للقارئ وأروي؛ سأروي ما هو مهم وقد أغض النظر عمّا لا يهمّ النّاس. 

novel
له أكثر من 35 مؤلفًا 

وقد انتهى الحوار لكنني أود أن أذكر أن الدكتور إبراهيم عبدالرّحيم السعافين حصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها عام 1966 والماجستير عام 1972 والدكتوراه عام 1978 من كلية الآداب بجامعة القاهرة. وقد عمل أستاذاً في الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك وجامعة تنيسي الأميركية وجامعة الملك سعود بالرياض وجامعة الإمارات العربية المتحدة وجامعة الشارقة، كما رأس تحرير عدد من المجلات الثقافية والدوريات العلمية، وكان عضوًا في هيئات التحرير والهيئات الاستشارية لعدد من الدوريات العلمية والثقافية في الأردن وعدد آخر من بلدان وطننا العربي، وشغل مناصب إدارية في عدد من الجامعات، وكذلك شغل منصب عضو مجلس أمناء في عدد من الجامعات ومؤسسات الجوائز.
وله أكثر من 35 مؤلفًا في النقد الأدبي والدراسة والإبداع، ومنها: "تطور الرواية العربية الحديثة في بلاد الشام 1980، 1987"، و"مدرسة الإحياء والتراث" 1981، و"نشأة الرواية والمسرحية في فلسطين حتى1948" 1985، و"أصول المقامات" 1987، و"المسرحية العربية الحديثة والتراث" 1990، 2007" 2013، و"الرواية في الأردن" 1995، و"تحولات السرد- دراسات في الرواية العربية" 1996، و"الأقنعة والمرايا..  دراسة في فن جبرا إبراهيم جبرا الروائي" 1996، و"إحسان عباس ناقد بلا ضفاف" 2002، و"تحقيق كتاب الأغاني ( بالاشتراك مع إحسان عباس وبكر عباس) 2002، و"لهب التحولات - دراسات في الشعر العربي الحديث" 2007، و"الرواية العربية تبحر من جديد- دراسات في الرواية العربية" 2007، و"الرواة على بيدر الحكمة- القصة القصيرة في فلسطين والأردن" 2007، و"المبحرون إلى أعالي النخيل- دراسات في أدب الخليج" 2008، و"ليالي شمس النهار" 1982، و"الطريق إلى بيت المقدس" (مسرحية) 2003، و"رواية في ظلال الرمان" ( ترجمة) 1994، "أفق الخيول" (شعر) 2005، و"حوار الحكايات" ( شعر) 2013، و"فخور بأن تكون أنت" (ترجمة) 2016، و"فتنة الناي" (شعر) 2017، و"الطريق إلى سحماتا" (رواية) 2017، و"شعر محمود درويش، تحوّلات الرؤية، تحوّلات اللغة" 2018، و"عائلة بولد" للفتيان من جزئين (ترجمة)  2018، "مقام النّخيل" (شعر)، و"ظلال القَطمون" (رواية)، و"شمس تائهة" (شعر).