إرث ديمقراطي: هل يستطيع الكويتيون إحياء ثقافتهم السياسية؟
يتصدر الشأن السياسي اهتمامات الكويتيين. لكنّه واجه في السنوات الأخيرة تقلباتٍ أدت إلى تحول دور المجتمع من منصة للتفاعل إلى متلقٍ سلبي للسياسة، ممّا أفقده تأثيره الفعلي على أرض الواقع.
لتفسير ذلك، اود التفريق بين من ينتج السياسة وبين من يستهلكها. فهناك جهات تنتج السياسة وهم الأفراد والجهات التي تُنشئ وتُصمم وتُطور السياسات، كأفكار ومناهج وبرامج ومبادرات، وتشمل هذه الفئة:
1- الحكومة والبرلمان: الذين يضعون القوانين واللوائح التي تحكم المجتمع، ويحددون الميزانيات، ويخصصون الموارد للبرامج والخدمات المختلفة.
2- الجماعات السياسية: والتي تُطور مواقف وتوجهات سياسية تُقدمها للجمهور والبرلمان والحكومة، كما تمارس الضغط على صانعي القرار لدعم مصالحها.
3- الكتل الاجتماعية: وتُمثل مصالح مجموعات معينة من الناس، مثل العمال أو المزارعين أو النساء، وتُشارك في وضع السياسات التي تؤثر على أعضائها.
4- الأندية الثقافية: والتي تناقش وتُطور أفكارًا حول قضايا اجتماعية وسياسية، وتُثقف الجمهور حول هذه القضايا وتُشجع على المشاركة في صنع القرار.
5- المؤتمرات العلمية: وتُقدم منصة لتبادل الأفكار والبحوث القيّمة، ممّا يُساهم في صياغة سياسات مدروسة من قبل صناع القرار، ويُحفّز على الابتكار وإيجاد حلول مُستدامة.
6- الجامعات والأساتذة: وهم الذين ينتجون المعرفة ويقدمون التحليلات السياسية، ويدربون الجيل القادم من صانعي السياسات.
7- الكتاب والمفكرون: وهم النخبة التي تقدم أفكارًا ونظريات سياسية جديدة، ويُؤثرون على الرأي العام ويثرون النقاش السياسي.
بعد تحرير الكويت كانت هذه القائمة فاعلة بدرجة أو أخرى. لكن مع مرور السنوات تم تهميشها بشكل متعمد او بفعل التغيرات الاجتماعية، بحيث ابتعد معظم أعضاء هذه القائمة عن المشاركة في صناعة السياسة، وتحولوا إلى متلقين سلبيين للشأن العام.
فالمجال السياسي يواجه اليوم أزمة نقص حاد في النخب الممارسة لصناعة السياسة وانتاج الأفكار، حيث باتت قلة قليلة فقط من الأفراد تهتم بتطوير أفكار وبرامج وخطط عمل سياسية. كما لم يعد مجلس الأمة أحد ثمرات الشارع، والاغلبية انسحبت من المشاركة في إثراء النقاش العام.
ولم يتبق من مُنتجي السياسة أعلاه سوى شذرة من الذاكرة وعدة نشطاء، وبضع أسماء وعناوين لتجمعات سياسية اسلامية وليبرالية تقتصر مشاركاتهم على التذمر في الدواوين، والتغريد على وسائل التواصل الاجتماعي، والتوقيع على البيانات.
إنّ تصحيح المسار الوطني يتطلب نهضة فكرية شاملة تعيد تنشيط دور النخبة المُنتجة للأفكار والسياسات، وتصحح مسار الممارسة السياسية المشوه، وتحرر الجمهور من سطوة الاستهلاك الفكري، وتمهد الطريق لانتقاله إلى مرحلة الإنتاج والمشاركة.
ويقتضي تحقيق ذلك تكاتفًا وثيقا بين مختلف أطياف المجتمع، بدءًا من الحكومة، مرورًا بمؤسسات المجتمع المدني، وصولًا إلى كلّ فرد وذلك من خلال الاستماع إلى آراء أصحاب الخبرة، وإدماج الثقافة في الشأن السياسي، وهي خطوة أساسية لخلق مجتمع واعٍ ومتفاعل.