إنسانيتنا وقد ذهبت إلى مكان آخر

ما الذي تملكه إيران لكي تسلط قاسم سليماني ملكا علينا والآن حسين أمير عبداللهيان.
كان هناك دم ولكنه الدم المستباح وكان هناك دين ولكنه يفرق ولا يجمع
بالرغم من هزائمنا لا نزال الأفضل. هزائمنا انتصار مثلما حدث في 1991 و2006
نحن غرباء في أوطاننا. غرباء في منافينا. صنعنا أوثانا وعبدناها

هناك مَن يفكر في عودة العراق إلى محيطه العربي. هناك مَن يفكر في استرداد لبنان من حزب الله. وهناك مَن يظن أن انهاء الحرب في سوريا من شأنه أن يعيدها إلى زمن الياسمين.

كل ذلك جميل على مستوى التمني ولكنها أفكار خيالية ما أن تلامس الواقع حتى تتبخر. يُلوح البعض بخرافة الزمن الجميل الذي لم يكن جميلا إلا إذا قارناه بحاضرنا القبيح. ولكن ما الذي حدث لكي تبدو الأمور عصية على الحل إلى درجة المستحيل؟

من المؤكد أننا مشينا في الطريق الخطأ. لكن مَن نحن؟

مواطنون مقيمون في الداخل ومواطنون منفيون ولاجئون ومبعثرون. أبناء أوفياء ومحتالون أذكياء. حكماء وطائشون. فلاسفة وهراطقة. طلبة مدارس وعاطلون. لصوص ونزيهون. كلنا مثلما هم كلهم. كلنا من غير استثناء أخذنا البلد والدولة والتاريخ والثروة والنخيل والمياه النقية والغيوم والشعر من المتنبي إلى السياب والزيتون والارز وخزانات البنوك المركزية وآبار النفط ومناجم الفوسفات، أخذنا الطبيعة بكل هباتها، الحقول والمطر، الصحراء والنفط، العقل واخوان الصفا والمعتزلة وصقر قريش وجبران خليل جبران وفتية الكهف الى منطقة لا يمكن العودة منها.

نحن فعلنا كل ذلك ولم يفعله بنا أحد.

لم نكن مجتمعات منسجمة. كل العوامل الوطنية المشتركة التي حفظناها عن ظهر قلب كانت عبارة عن معادلات رياضية، تُنسى بعد اختبار نهاية السنة. كان هناك دم ولكنه الدم المستباح الذي لم يتوقف عن النزف. كان هناك دين ولكنه الدين الذي يفرق ولا يجمع، سكاكينه كثيرة وليست هناك عبرة من خشوعه. زورنا الدين أم أقبلنا عليه بعد أن زوروه لنا وصار سببا مقنعا للقتل؟ اللغة. تلك واحدة من أكثر النكات بلاهة. الأميون المحتالون القراصنة اللصوص الجبناء المذلون المهانون المسحوقون النهابون المرتزقة الكذابون الصامتون الخائفون البلهاء المستسلمون لا لغة تجمع بينهم. لهم لغاتهم المؤقتة التي تهدم ولا تبني، تمزق ولا تلم، تجرح ولا تداوي. إنها لغة اللعن والشتم والتآمر والتعصب والعداء والكراهية. اللغة التي تغتصب الأرض والعرض والفكر والمال.

لقد فعلنا كل ما هو مطلوب منا لكي نُهزم. نعيش مهزومين. نتماهى مع هزائمنا ولا نبحث عن أسبابها لنعالجها ذلك لأننا نكره جلد الذات. ما هذا الشعور بالدونية؟ بالرغم من هزائمنا لا نزال الأفضل. هزائمنا انتصار. دُمرت البنية التحتية للبنان عام 2006 فيما خرج حزب الله من تلك الحرب منتصرا. قبل ذلك في عام 1991 دمرت الولايات المتحدة كل شيء في العراق بحجة تحرير الكويت غير أن بغداد ظلت "منصورة".

ما الذي فعلناه لأنفسنا لنكون بهذه الدرجة من العجز عن التعامل بايجابية مع ما يحدث لنا؟ صرنا كائنات إنسانية من نوع مختلف. نعاني من الظلم. العالم يظلمنا. العالم يعادينا. العالم ينفر منا. ولكن لم نفعل شيئا من أجل أن ينتبه العالم إلى حماقة ما يفعل. ليس شرطا ان نعلن عن عدائنا للعالم لكي يعرف أن ما يفعله بنا ليس صحيحا. لا يكمن الحل في أن نواجه كراهيته بكراهية. علينا ان نستعيد أولا مصادر قوتنا وهي كثيرة. ما الذي تملكه إيران لكي تسلط قاسم سليماني ملكا علينا والآن حسين أمير عبداللهيان. ما هذا العبث المريض. نلتفت إلى الماضي القريب فنرى جمال عبدالناصر وحافظ الأسد والشيخ زايد والملك فيصل والحبيب بورقيبة وصدام حسين وهواري بومدين. اما حاضرنا فإن عبداللهيان هو لعنته الوحيدة.

نحس. حظ سيء. قدر الهي. مكتوب على الجبين. رسالة من الغيب. اختبار من أجل حياة أفضل. الآخرة لنا ولهم ثرواتنا.     

لقد صنعنا غربتنا بأنفسنا. نحن غرباء في أوطاننا. غرباء في منافينا. صنعنا أوثانا وعبدناها فإذا بها تتهاوى لتحل محلها دمى صالحة للتحريك مثلما يشاء الآخرون الذين صاروا شركاء في الوطن. لم يشعر الرئيس بشار الأسد بالعار حين أثنى على الإيرانيين الذي خدموا سوريا على حساب السوريين الذين فلتوا من العقاب. رئيس يحب شعبه بشروط. تلك ليست مشكلته بل هي مشكلة السوريين الذين أسسوا لعلاقة من ذلك النوع. ارتضوا أن يتخلوا عن كونهم شعبا لكي يكونوا رعايا.

"أنت تسأل والحزب يجيب" كانت تلك الجملة قد كُتبت على لافتات وزعت بين مختلف المدن العراقية في سبعينات القرن العشرين. ما من أحد يملك اليقين سوى الحزب. من حق الشعب أن يسأل. ذلك ما نظر إليه البعثيون على أساس كونه أعلى درجات الديمقراطية.

لم يكن ذلك اختراعا بعثيا. حتى الشيوعيون العراقيون ساهموا في الترويج له إلى أن تم ترحليهم من العراق عام 1979. كان العراقيون، كل العراقيين، بعثيين وإن لم ينتموا. ألم تكن تلك إشارة إلى فناء إنسانية شعب؟