اتفاق دبلوماسي على هجوم عسكري منتظر

الرد العسكري على ما أصاب الجيش الأميركي أمر لا مفر منه.

إدارة البيت الأبيض ليست على عجلة من أمرها في الرد على هجوم عدواني زعزع هيبتها، هو الأعنف في سلسلة هجمات تلقتها القوات الأميركية في الشرق الأوسط، شنته ميليشيات مسلحة تنمو قدراتها في حاضنة "ولاية الفقيه" وتأتمر بأوامرها، فهي أسيرة زمن حرج، ومكان أكثر إحراجا، يجعلها مضطرة للتخلي عن تنفيذ الخيار الأصعب، خيار الثأر لجنودها الممددين بين قتيل وجريح دون اتفاق دبلوماسي مسبق مع طهران على الحق الأميركي في الرد العسكري دون توسيع دائرة الحرب إلى حرب مباشرة شاملة لا يرغب بها الطرفان.

إدارة الرئيس جو بايدن لا تريد حربا شاملة مع إيران، تدرك مساوئ عقباها في الزمن المتبقي لعهدته الرئاسية، تتجسد هذه الإرادة في الخطاب الإعلامي المتكرر للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيري حين يقول: "نحن لا نسعى إلى حرب مع إيران، نحن لا نتطلع إلى التصعيد هنا". لكن الرد العسكري على ما أصاب الجيش الأميركي أمر لا مفر منه.

إدارة البيت الأبيض لا تريد حربا تتحاشى خوضها بكل الطرق، لكنها في الوقت ذاته لا تسعى لتفكيك أوزار تلك الحرب المالكة لشروط استمرارها منذ أكثر من أربعين عاما، لكنها ارتأت شكلا آخر للحرب بآليات دبلوماسية مهادنة وعقوبات اقتصادية غير مجدية، أتاح لـ "ولاية الفقيه" التمدد دون رادع في منطقة الشرق الأوسط.

مجلس الأمن القومي يشدد على ضرورة المحافظة على قواعد المواجهة الأميركية-الإيرانية دون تغيير رغم التصعيد غير المسبوق بين الطرفين، ويذكر طهران بذلك في قول جون كيري: "لا نسعى إلى صراع مع النظام الإيراني بالطريقة العسكرية، تحن لا نتطلع إلى التصعيد" ويلوم إيران بلغة دبلوماسية مهادنة على "الخطأ" الذي ارتكبته بإيقاع خسائر بالأرواح في صفوف الجيش الأميركي، وهو ما يتطلب ردا عسكريا عليها أن تقبله.

جو بايدن لا يمتلك صلاحية فك أوزار الحرب مع إيران، ولا يقوى على إحياء الرؤية التي طبقها الرئيس السابق باراك أوباما وأسقطها خليفته دونالد ترامب بإعادة تأهيل دورها في الشرق الأوسط.

لكن بايدن مجبر هذه المرة على توجيه ضربة عسكرية في قلب إيران رغما عنه في ظل ضغط كبير، وعدم الاكتفاء بتوجيه ضربات "جراحية" لا تجدي نفعا لوكلائها في العراق وسوريا واليمن، كخيار أسهل لكنه لا يتكافأ مع حجم الخسائر الأميركية ماديا ومعنويا وبشريا ولا يردع نظام "الولي الفقيه".

خيار ضرب العمق الإيراني يتكافأ مع حجم الضرر الذي أصاب أميركا، جو بايدن غير المتسرع لم يقره بعد بانتظار ما سيسفر عن دوائر الأبحاث الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية الواقفة على قدم وساق في سباق مع الزمن لما يمكن فعله.

إيران تدرك أن الرد الأميركي الهجومي العسكري آت لا محالة، اتخذ القرار فيه بانتظار التنفيذ، لكن لا تتمناه في عقر دارها لتتجنب مواجهة مباشرة مع واشنطن تدرك مخاطرها على مستقبل نظام "ولاية الفقيه" ويفضح فراغ خطاب القوة الذي تتظاهر به، هذا ما سيجعلها منفتحة في حوار دبلوماسي غير معلن دائر حاليا عبر طرف ثالث في قبول هجوم عسكري أميركي فرض على جو بايدن القيام به شرط أن لا يؤدي إلى حرب شاملة تغيير خارطة الشرق الأوسط.