الأسوأ من كورونا القبول بانتصاره

درس كورونا العالمي وقف عند حدود الهمجية خائفا.
البشرية اصبحت سجينة هاجس عودة فيروس كورونا بقوة
لوثة الخوف من كورونا ستظل موجودة وذلك من خلال التغير في سلوكات الناس
إذا ما استمرت حالة الطوارئ بسبب كورونا فإن نسيان الحياة الطبيعية سيكون امرا ممكنا

ما دامت البشرية لم تتوصل بعد إلى لقاح أو علاج لفايروس كورونا فإن مرحلة ما بعده ستكون افتراضية. يتطلب الأمر الكثير من المغامرة والشجاعة الخرقاء لكي يقول المرء لنفسه مثلا "أنا قادر على السفر" في تحد واضح لعدو غامض قد يقف في انتظاره عند سلم الطائرة حين المغادرة.

سيكون من الصعب الحديث عن مرحلة ما بعد كورونا ما لم يختف الفايروس.

إلى أن يحدث ذلك فإن التردد سيكون لازمة كل فعل وهو سيد كل الأفعال.

ما لم يتعاف البشر من لوثة الخوف من كورونا فإنهم سيبقون سجيني هاجس توقع الاصابة بالمرض في أية لحظة. وهو ما سيحتم بقاء قواعد العيش الاحترازية الصارمة التي تمنع عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي.

وإذا ما استمرت حالة الطوارئ فإن نسيان الحياة الطبيعية سيكون امرا ممكنا. وهو ما سينتقل بـ"كورونا" إلى مجال حيوي جديد، يتسيد من خلاله على عادات البشر ويتحكم بعلاقاتهم. بل ويعيد صياغة أخلاقهم.

كانت تجربة الحظر بما تضمنته من تباعد اجتماعي مفيدة بالنسبة للنظام السياسي بغض النظر عن توجهات ذلك النظام. من خلالها تبين أن عملية زراعة الرقيب الداخلي ليست بتلك الصعوبة التي تتطلب نوعا من الخيال الروائي.

لقد انصاعت البشرية لخوفها، فصار الإنسان يخشى على نفسه من نفسه. لعبت منظمة الصحة العالمية دور الحكومة العالمية التي لا أحد يجرؤ على مخالفة تعليماتها حتى لو لم يكن هناك رقيب.

حدث لم يتوقعه أحد. أن يكون التمرد بوابة لهلاك لا راد له.

الخسائر الهائلة التي تكبدها الاقتصاد العالمي والتي يظن البعض أنها مجرد تمهيد لتحول سيضرب بعصفه مختلف أشكال وأنواع العمل هي ثمن الإيقاع بالإنسان في شبكة لا متناهية من الضعف وانعدام الحيلة.

لن يكون غرور الإنسان بقوته حاضرا في مواجهة المجهول مثلما كان من قبل، بل أن جزءا غير قليل من الثقة بالمستقبل كان قد تلاشى في خضم الكفاح من أجل البقاء. وتلك ظاهرة ستكون نافعة عى مستوى عودة الإنسان إلى بداهته باعتباره كائنا متحررا من صفاته التي اكتسبها من الملكية. ملكية الأشياء الزائلة التي لم تقف بين الإنسان والاصابة بالمرض.

هل أعاد الخوف من الموت البشر إلى سويتهم؟

تصور من ذلك النوع ليس سيئا ولكنه ليس حقيقيا. لا معنى لأن يكون البشر أسوياء في ظل الخوف. ليس الموت وحده ما يُخيف. هناك عنف كامن سيعبر عن نفسه من خلال أشكال متعددة. ما جرى في الولايات المتحدة من احتجاجات ينطوي في الكثير من ملامحه على عنف لم يكن مقصودا لذاته.

سنعيش مرحلة يكون فيها كل البشر، كل البشر، خائفين بعد أن فقدوا الثقة بقوتهم التي تبين أن الشركات الكبرى قد استعملتها ضدهم. لقد تسربت العدوانية تحت البشرة بحيث لم يعد ما هو ناعم يوحي بالاطمئنان.

سيكون الوضع آمنا إذا ما التزمنا بالقواعد التي وضعتها منظمة الصحة الدولية.

بالنسبة للأنظمة السياسية سيكون الوضع تحت السيطرة. وهو تعبير ينطوي على الكثير من الازدراء للبشرية العاقلة.

"سلامة الجنس البشري هي الاهم". ذلك شعار مضلل. فالجنس البشري مستباح وآلة القتل مستمرة في العمل.  

حتى في ظل كورونا كان البشر يُقتلون بسبب الحروب.

لم يكلف المجتمع الدولي نفسه بالتصدي لذلك الموت المجاني الذي تدير آلته عصابات مسلحة لم تردعها تعليمات منظمة الصحة العالمية عن الاستمرار في همجيتها.

درس كورونا العالمي وقف عند حدود الهمجية خائفا. كما لو أن الهمجية تسخر من كل موت ليس من عطاياها.

هل هزمت الهمجية كورونا؟

ذلك خبر سيء. غير أن الأسوأ منه أن المجتمع الدولي لم ير في تلك الهزيمة أمرا سيئا.