الألعاب الالكترونية ملاذ غير آمن للأطفال

الألعاب الشعبية والتقليدية تتقهقر أمام سطوة الألعاب الالكترونية التي تنمي مواهب الطفل ومهاراته الا انها تؤدي بمرور الوقت الى اصابته بمشكلات صحية وبسلوكيات عدوانية وعنيفة.

أطفال ينظرون الى هواتفهم الذكية بلهفة وترقب شديد ويحدقون فيها بامعان ممزوج بنظرات الاعجاب والانبهار ويتسمرون أمام شاشاتها لنصف ساعة او ساعة او حتى لساعات تصل حتى الإدمان عليها، هذه المشاهد تتكرر تقريبا في اغلب المنازل ولدى العائلات سواء المتحدرة من طبقات اجتماعية ميسورة او متوسطة او حتى محدودة الدخل.
وتدار الألعاب الالكترونية من خلال أجهزة متطورة وذكية على غرار جهاز التلفزيون، والهاتف المحمول، وجهاز الكمبيوتر.
وهناك مروحة واسعة ومتنوعة من الألعاب الإلكترونية مثل ألعاب محاكاة الواقع، كألعاب سباق السيارات، وهي تحاول إدخال اللاعب في أجواء تشبه الحقيقية، وألعاب القتال، وألعاب الحركة والمغامرات.
والإقبال على الالعاب الالكترونية في الهواتف الذكية او اجهزة الكمبيوتر عند الاطفال ليس ظاهرة جديدة او وليدة اللحظة والصدفة بل هي عادة ترسخت منذ سنوات وتحولت الى هوس يصل حد الادمان عليها لدى بعض الصغار.
وقد عززت جائحة كورونا واجراءات التباعد الاجتماعي وقيود الاغلاق وغلق المدارس لفترات طويلة من الزمن منذ بداية ظهور الوباء الى اليوم من ظاهرة الاقبال الكثيف على الالعاب الالكترونية.
وصدقت توقعات خبراء بأن قطاع الألعاب الالكترونية كان المستفيد الأكبر من الحجر المرافق لجائحة كوفيد-19 مع تحقيقه نتائج أرقام قياسية.
واعتبرت شركة "فيوتشرسورس" ان "نمو الالعاب الالكترونية سيكون أعلى من معدل القطاع ليبلغ 36% من حصص السوق بحلول 2023 في مقابل 31% في 2019.
وسلط اكبر معرض لألعاب الفيديو في العالم الذي اقيم من 12 إلى 15 حزيران/يونيو الحالي بعد احتجابه السنة الماضية الضوء على اهمية الألعاب الالكترونية في الوقت الحاضر وتوغلها في حياة الكبار والصغار على حد السواء.
واحتفى معرض ألعاب الفيديو الكبير "إي 3" بهذا النوع من الترفيه الذي ساعد كثراً على الصمود خلال الجائحة.
وتتخلل المعرض العالمي سلسلة من العروض التقديمية وعشرات الألعاب لشركات عملاقة كـ"مايكروسوفت" و"نينتندو" يوبيسوفت" و"بيتسيدا".
واستنجد الملايين من البشر في انحاء المعمورة أثناء فترة الوباء بوسائل ترفيه تعتمد على التكنولوجيا المتطورة، وتتيح لهم فرصة للبقاء على تواصل مع الأقارب والأصدقاء واقامة شبكة علاقات جديدة عبر الانترنت مثل ألعاب الفيديو وجلسات المشاهدة الجماعية للأفلام التي تقدمها خدمة "نتفليكس" أو خدمة الدردشة التي يتضمنها برنامج "زووم".
وتمنح الألعاب الالكترونية المحتوية على ألغاز واثارة وتشويق الاطفال مساحة واسعة من التسلية والتفاعل الانساني وتنشط ملكات الخيال الابداعي لديهم، كما انها تساعدهم على الاسترخاء.
وخلص باحثون في جامعة أكسفورد إلى أن الالعاب الالكترونية قد تكون مفيدة للصحة الذهنية، وذلك إثر تحليل سلوك أشخاص من محبي "أنيمل كروسينغ" (نينتندو)، إحدى أكثر الألعاب شعبية في العالم، و"بلانتس فرسز زومبيز" (إلكترونيك آرتس).
وأشار الباحثون إلى أنه "خلافا للمخاوف السائدة بشأن إمكان أن يؤدي الوقت الزائد في اللعب إلى الإدمان مع تبعات سلبية على الصحة الذهنية، خلصنا إلى وجود رابط صغير بين اللعب والراحة النفسية والرفاه".
وأفادوا أن نتائجهم تعزز فكرة أن الألعاب الإلكترونية توفر بديلا مُرضيا للقاءات المباشرة في هذه المرحلة الاستثنائية في ظل تدابير الحجر حول العالم.
ويعزز اللعب عبر الانترنت من ذكاء الطفل ويوسع مداركه المعرفية ويزيد من مستوى التركيز والتدقيق والفهم لديه، ويجعله قادرا على حل المشكلات بطريقة عقلانية ومتوازنة رغم صغر سنه، والتوجه إلى الهدف مباشرة وهو ما يساعده على رسم مستقبله على المدى البعيد بطريقة صحيحة.
وتبعث ألعاب الكمبيوتر في العادة مشاعر الرضى والاطمئنان في قلوب الوالدين عند مشاهدة طفلهما منجذبا الى شاشة الهاتف الذكي او الكمبيوتر ولكنها في الحقيقة تتحول الى سلاح ذو حدين عند الافراط في استخدامها او ادمانها والى ملاذ غير آمن بالنسبة اليهم.
ومنذ 2018، تصنف منظمة الصحة العالمية الإدمان على ألعاب الفيديو ضمن خانة الأمراض الذهنية، في وقت يغفل فيه اغلب الاباء مخاطرها او يقللون من تأثيرها السلبي وسط انشغالهم بالعمل او بشؤون المنزل.
ويؤدي غياب التواصل الاسري الفاعل والحوار المشترك الى ادمان الطفل على العالم الرقمي والافتراضي ويجعله فريسة سهلة له بالاعتماد على قوة وسحر التأثير البصري والصوتي والحركي للألعاب وتنوعها وجاذبيتها.
وتسبب ممارسة الالعاب الالكترونية في اصابة الاطفال  بمشاكل صحية ظرفية او دائمة مثل الاصابة بالسمنة وإجهاد العين، والكسل، والنفور من ممارسة التمارين الرياضية.
كما تلهي هذه الألعاب الصغار عن الدراسة وتجعلهم يعزفون عن التحصيل العلمي والاكاديمي.
وتسبب الألعاب الثرية بمشاهد الضرب والقتل والاجرام في تنشئة الطفل على العنف وتنمي فيه المشاعر السلبية والعدوانية وتجعله يستسهل القتل والانتحار ولا يهاب الجرائم وله قدرة على انتهاك القانون دون خوف وهو ما يهدد سلامة المجتمعات وامنها الداخلي.
وتدس الالعاب الالكترونية السم في العسل حين يتشرب الابناء منها ثقافة الغاب مما يسهل استغلالهم من جانب مافيات الاجرام اوالجماعات المتشددة والارهابية.
وتسحب ألعاب الكمبيوتر او الهواتف الذكية التي تغولت في عصرنا الحالي البساط من تحت اقدام الألعاب الشعبية والتقليدية التي تشارف على التحول الى موضة قديمة عفا عليها الزمن.
وكان الشارع ذلك الفضاء الرحب والواسع مكانا لممارسة العاب متوارثة عبر الاجيال تتميز ببساطتها وعفويتها ولها خصوصية حيث انها تختلف من دولة الى اخرى الا ان ما يجمعها لعبها في الهواء الطلق النقي مثل ألعاب "الرياشة" "التشيلة"، "الكريدة"، "الغميضة"، "اللعب بالكوردة" أو الحبل، "المنقلة"، "الزقطة"، "الحجلة"، "البيس" (الكرة البلورية)، و"أوراق الأبيض والأسود"، و"السبع حجرات"، و"الحنش"....
وكانت هذه الالعاب على بساطتها وسذاجتها مفعمة بالحيوية والطاقة الايجابية، وباعثة للنشاط وللتفاعل وتبادل الخبرات وعقد الصداقات.
ويرى متخصصون أن الألعاب الشعبية القديمة أكسبت الأطفال معارف عن العالم الخارجي ودفعتهم إلى اكتشاف بيئتهم وتراثهم وثقافة مجتمعهم وقيمه لكنها اليوم على وشك التقاعد في ظل سطوة و"تغول" العاب الكمبيوتر والفيديو وانشغال الوالدين بالعمل.
وعمق وباء كورونا من هزيمة الألعاب التقليدية والشعبية التي طالما مثلت تراث الاباء والاجداد حيث ان الاحياء والحدائق التي كانت تعج بحركة الاطفال وصخبهم وصراخهم الطفولي أثناء اللعب اصبحت محاطة بعلامات الخوف والريبة لسهولة نشرها عدوى الفيروس.