القطاع الفني المنكوب يستغيث في تونس

اصدار بطاقات ايداع بالسجن اثر تنظيم حفلة فنية في مطعم سياحي بمحافظة سوسة يجدد الجدل حول معاناة الفنانين التونسيين من اجراءات الاغلاق والحجر الصحي وزيادة وضعيتهم الهشة سوءا.

جدد حفل انتظم السبت في مطعم سياحي بمحافظة سوسة وصدور بطاقات بايداع بالسجن في حق قائمين على السهرة الفنية الجدل حول ظروف عمل الفنان التونسي في ظل اجراءات الحجر الصحي وتداعيات ازمة كورونا على القطاع الثقافي المنكوب.
وافاد الناطق الرسمي بإسم المحكمة الإبتدائية بسوسة أن النيابة العمومية أصدرت بطاقة إيداع بالسجن ضد مالك المطعم السياحي كما أحالت بقية المتهمين على المجلس الجناحي لمقاضاتهم من أجل مخالفة التحجيرات والتدابير الوقائية المعمول بها عند وجود مرض وبائي وانتهاك قانون الطوارئ والحجر الصحي. 
وتناقل ناشطون على مواقع التواصل صورا من الحفل تجسد عدم إحترام البروتوكول الصحي وحضور أعداد كبيرة من الشباب وتجاوز توقيت حظر الجولان لا سيما مع دخول تونس الموجة الرابعة من الوباء.
وفي حين اعتبر البعض ان الحفل خالف القانون وضرب عرض الحائط بالاجراءات المعمول بها الا ان البعض الاخر تحسر على وضعية الفنان الذي اصبح كبش فداء وحرمته الحكومة من حقه في العيش الكريم ومن مورد رزقه واستهجنوا تعرضه الى حملة شرسة تزيد وضعيته المادية والمعنوية هشاشة.
تعيش العديد من القطاعات الحيوية في تونس أزمة كبيرة في ظل عدم قدرتها على الصمود امام آثار اجراءات الاغلاق والحجر الصحي في البلاد التي تعاني بدورها من ارتفاع كبير وخطير في معدل الاصابات والوفيات بفيروس كورونا ينذر بأيام قادمة أكثر صعوبةوتعقيدا.
ويعتبر القطاع الثقافي برمته من بين اكثر المجالات المتضررة من جائحة كورونا حتى ان البعض صنفه بقطاع منكوب يحتضر في ظل اجهاض او تأجيل الوباء للحفلات والمهرجانات والسهرات الخاصة وحتى للأعراس.
وينطلق فرض حظر الجولان في العاشرة ليلا ويسمح قبل هذا التوقيت باقامة حفلات لكن عبر الالتزام باجراءات التباعد وارتداء الكمامات والتقيد بالوقت الا ان من المتعارف عليه ان اجواء السهر والصخب تحلو بين أجنحة الظلام وتمتد الى ساعات الفجر في كثير من الاحيان.
واحتج العديد من الفنانين التونسيين سواء في الشارع او في المنابر الاعلامية على قرارات الحكومة بإلغاء او تعديل الفعاليات الثقافية والفنية، وطالبوا برفع حظر التجول المفروض جراء كورونا بشكل نهائي واستشهدوا باكتظاظ المقاهي والمطاعم ووسائل النقل العامة  وتنظيم التجمعات السياسية الحزبية.
حتى ان احدهم قال بلهجة ساخرة "شبح كورونا يختفي في النهار ويظهر في الليل فقط في تونس". 
ويعاني اغلب الفنانين والموسيقيين في تونس الأمرين بعد تعثر جميع حفلاتهم وأعمالهم، ويعيش معظمهم على أجور يتقاضونها بصفة يومية.
وقد نظمت نقابة المهنيين الموسيقيين في السابق أمام قصر الحكومة بالعاصمة تونس احتجاجات بعنوان "قوتنا في اتحادنا".
ورفع المتظاهرون شعارات من قبيل: "لا لتهميش الثقافة"، و"وزارة الثقافة.. كيف تستقيم والعود أعوج؟".
في حين أكد رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي انشغاله بوضعية الفنانين وتقديره لأهل الثقافة والفكر والإبداع وإيمانه بدورهم الوطني.
وأعلنت الناطقة الرسمية باسم الحكومة، حسناء بن سلمان أن هناك إجراءات جديدة من المنتظر الإعلان عنها والعمل بها بخصوص التظاهرات الثقافية بما فيها مهرجان قرطاج وذلك بعد 27 يونيو /حزيران، إضافة إلى إجراءات تقنية يجري العمل عليها من حيث مراقبة الحضور وتطبيق البروتوكول الصحي فيها.
وخصصت وزارة الثقافة التونسية وفقا لاجراءات استثنائية واستعجالية مجموعة من المنح الى الفنانين والموسيقيين الذي يعيشون اوضاعا معيشية صعبة الا ان الاعانات الحكومية طالتها بدورها سهام الانتقادات واعتبر العديد من العاملين في القطاع الثقافي انه يتم اسنادها على اساس العلاقات الخاصة والمحاباة او انها لا تفي بالحاجة.
واعدت الحكومة بالتعاون مع وزارتي الصحة والثقافة بروتوكولا صحيا بديلا، واعلنت في وقت سابق انها لا تستطيع السماح بعودة كل الأنشطة الفنية والثقافية في ظل تفشي فيروس كورونا.
كما اقرت الحكومة إعادة جدولة الديون المتخلّدة بذمة الفنانين والمبدعين والمؤسسات الثقافية بعنوان انخراط في منظومة الضمان الاجتماعي، وكذلك مضاعفة الراتب التقاعدي لفائدة الفنانين والمبدعين والمثقفين المشمولين بنظام التغطية الاجتماعية الخاص بالحقل الثقافي.
ولئن اثلجت هذه القرارات صدور العديد من الفنانين والمثقفين الا انها خلفت الشعور بالحسرة والحزن والاسى على وضعية المبدع التونسي الذي ينتظر "التفاتة انسانية" من الحكومة لرد اعتباره وهيبته او هبة لمساعدته على مواصلة العيش واعتبروا انها حلول ترقيعية وحتى مبتورة وتذر الرماد على العيون لانها تفتقد الى استراتيجية واضحة المعالم ومتكاملة مبنية على اسس صلبة ومتينة لحفظ ماء وجه الفنان والمثقف وجعله يعيش بكرامة ويوظف طاقاته الكامنة في الابداع والنهوض بالمجتمعات عبر الفن.
 وفي محاولة منه لامتصاص غضب المثقف في تونس  والتهوين من "الظلم" الذي تعرض له لسنوات طويلة، اقر البرلمان التونسي في كانون الثاني/ديسمبر 2017 مشروع "قانون الفنّان والمهن الفنية" الذي اثار بدوره موجة حادة من الجدل في أوساط الفاعلين الثقافيّين والفنيّين في تونس.
ويهدف مشروع القانون لتنظيم القطاع، وضبط الوضعية القانونية للفنان وواجباته وكيفية ممارسة المهن الفنية ويحدد آليات النهوض بالأنشطة الثقافية ودعم منتسبيها، والفصل بين الفنان المحترف والفنان الهاوي، إضافةً إلى مسائل تتعلّق بالبطاقة المهنية والعقود الفنية والرعاية الاجتماعية.
وطالب ماهر الهمامي المشرف على النقابة التونسية للمهن الموسيقية بتسريع تمرير مشروع قانون الفنان لأنه الضامن الوحيد للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمهنية لهم.
وفتح مناخ الحرية والديمقراطية الباب على مصراعيه امام التعددية النقابية التي ترجمت على ارض الواقع بظهور نقابة  جديدة للفنانين التونسيين في نهاية سنة 2020.
وفي ظل تعدد مطالب المثقف التونسي وكثرة مشاغله وضبابية مستقبله لا سيما في ظل الازمة الصحية العالمية الراهنة، اعلن  الفنان التونسي لطفي بوشناق عن تأسيس نقابة اخرى يتولَّى ادارتها أبرز الوجوه الفنية التونسية التي لم تكن مُنخرطة في نقابات فنية تونسية أخرى، منها لطيفة العرفاوي وأسامة فرحات وألفة بن رمضان وآمنة فاخر وشكري بوزيان وحسين العفريت.
وتعمل النقابة الجديدة على إصدار قانون لصالح الفنان التونسي لتضمن له حقوقه المعنوية والمادية.
ولئن يوحي تأسيس أكثر من نقابة في المجال الفني بخدمة الفنان التونسي والارتقاء بالفن ، الا ان ذلك لم يغير كثيرا من المشهد الفني الجامد في البلاد حيث تحولت خلافات وتبادل اتهامات بين النقابتين الى العلن.