وباء الأمراض النفسية يعصف بصحة التونسيين

نسبة الاكتئاب في صفوف التونسيين تبلغ 40 بالمائة، وجائحة كورونا والفقر والبطالة وانسداد الآفاق تلقي بهم في دوامة ادمان الكحول والمخدرات والانتحار.

في ظل انتشار الفقر والبطالة الى جانب التدهور المستمر في القدرة الشرائية وانسداد الآفاق وضبابية المستقبل، يضرب وباء الأمراض النفسية التونسيين بقوة ويؤدي الى اصابتهم بالاكتئاب والأرق والضغط النفسي وداء الفصام.
وتؤثر الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والنزاعات والخلافات السياسية بشكل واضح على صحة التونسيين النفسية، وبلغت نسبة الاكتئاب بينهم 40 بالمائة.
ويؤدي الإحباط الذي يسيطر على المناخ العام في البلاد إلى اضطرابات نفسية قد تُصبح أكثر تعقيداً في حال التأخر في العلاج.
ووفقا لاحصائيات رسمية يوجد 518 ألف تونسي يعانون من الاضطرابات النفسية الناتجة عن الاكتئاب.
وصنفت دراسة أعدتها منظمة البارومتر العربي حول الصحة النفسية بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العراق ضمن أكثر الشعوب معاناة من الاكتئاب بنسبة 43%، تليه تونس بـ40%، وفلسطين بـ37%.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فان نسبة الاقبال على الحبوب المهدئة في تونس بلغت 15 بالمائة كما ان المدمنين فيها يعودون إلى مراكز العلاج ثلاث مرات بعد شفائهم.
وتشكّل الأمراض النفسية 98 بالمائة من أسباب الإجازات الطويلة في القطاع الحكومي. 
وافاد مؤشّر السعادة الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لسنة 2021 ان التونسيين من الشعوب الأقل سعادة في العالم إذ احتلت بلدهم المرتبة 166 عالميا وتقدمت في الترتيب العربي على قطاع غزة الفلسطيني (184) وصنعاء اليمنية (185).
وتضاعفت معاناة التونسيين جراء انتشار جائحة كورونا واجراءات التباعد الاجتماعي وقيود الإغلاق والحجر الصحي.
وعمقت الازمة الصحية العالمية من مشاعر التوجس والخوف وحتى الذعر من المستقبل الغامض ومن المجهول ودفع آلاف التونسيين فاتورة الوباء بفقدانهم عملهم وموطن رزقهم او خسارة اشهر طويلة من الدراسة.
 كما ان اكتساح الاخبار الأليمة عن اصابات كثيرة بكورونا وفقدان احباء وأصدقاء بالعدوى الفيروسية فاقم من مشاعر القلق والإحباط وحتى اليأس لديهم.
واعتبر أطباء ان جائحة كورونا قد ضاعفت الإدمان على استهلاك الكحول والأدوية المخدرة وادت الى استفحال ظاهرة العنف الأسري والانتحار.
وتؤجج الاضطرابات النفسية الناتجة عن استهلاك المواد المخدرة انتشار الجريمة والعنف في الشارع وداخل العائلات وقد تصل إلى حدّ القتل في بعض الأحيان، ما يستدعي نقل المريض إلى أقسام الأمراض النفسية أو المستشفيات المتخصصة بموجب قرار قضائي.
ولا تستثني الآثار السلبية للجائحة الكبار والصغار على حد السواء حيث ان تداعياتها النفسية تزيد حدة عند مرضى يعانون بطبيعتهم من اضطرابات نفسية مزمنة، وعلى مواطنيين عاديين لا يعانون من أية أمراض نفسية لكنهم دخلوا في دوامة شقاء النفس والروح في زمن كورونا.
وارغم الوباء الأطفال على العزلة والانزواء بعيدا بشاشات هواتفهم الذكية داخل منازلهم في حين انهم في حاجة ماسية الى اللعب في الهواء الطلق والتعلم والدراسة وربط علاقات مع اصدقائهم لتطوير قدراتهم الفكرية والذهنية وتنمية مهاراتهم. 
وخلق الوباء ندوبا وجروحا نفسية عميقة لا تندمل بسرعة حتى لدى الناجين من الوباء اذا تلاحقهم نظرات الحيطة والخوف منهم اينما حلوا مما دفع بعضهم الى الدخول في مستنقع العزلة والاكتئاب.
ودقت تقارير رسمية للجمعية التونسية للأطباء النفسانيين ومستشفى الرازي ناقوس الخطر من انتشار أنواع مختلفة من الأمراض النفسية بين التونسيين تتراوح بين الارهاق والاجهاد النفسي والاكتئاب ونوبات الفزع والهلع وصولا الى الفصام.
وأفاد الأخصائي في الأمراض النفسية أنور جراية أن حوالي 60 ألف تونسي مصابون بداء الفصام أو ما يعرف بالانفصام في الشخصية وذلك وفق إحصائيات تقديرية.
ومن بين علامات داء الفصام العنف والقيام بسلوكات عدوانية لا مبرر لها مثل الاعتداء بالعنف اللفظي والجسدي على الأساتذة والأبوين والاشقاء والانقطاع عن الدراسة   ومقاطعة الأسرة، والنوم لساعات طويلة وادمان السجائر والكحول والمخدرات.
ويصنف المختصون مرض الفصام ضمن قائمة أخطر الأمراض النفسية ويمكن ان ينجر عنه في حالات متقدمة الانتحار، لكن وسائل التثقيف والتوعية بخطورته ما تزال شبه منعدمة في تونس.
وفي تقرير صادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بلغت حالات الانتحار ومحاولة الانتحار المسجلة خلال السداسي الأول من سنة 2019 على سبيل المثال في تونس حوالي 146 حالة، 70 بالمئة منها لدى الذكور و30 بالمئة لدى الإناث.
ويعتبر الذكور فريسة سهلة للانتحار خصوصا بالنسبة للشريحة العمرية بين 26 و35 سنة، تليها الفئة العمرية من 36 إلى 45 سنة ثم الفئة العمرية الأقل من 15 سنة.
وارجع التقرير تعدد أسباب الانتحار أو محاولة الانتحار إلى تزايد الضغوط النفسية والبطالة والتفكك الاسري الى جانب حوداث الاعتداءات الجنسية المسلطة على النساء والاطفال.
وتعتبر الصحة النفسية في تونس من الامور الثانوية ولم تحصل على الاهتمام المطلوب من الحكومات المتعاقبة للبلاد كما ان بعض التونسيين يعتبرون ان زيارة طبيب نفسي هو ترف وليس ضرورة وهو حكرا على الاثرياء او المشاهير.
ويرزح المستشفى العام الوحيد للأمراض النفسية بمحافظة منوبة تحت وطأة مرضى يحتاجون الى الدعم النفسي والى وسائل علاج متطورة تخفف عنهم عاهاتهم النفسية.
وقد تعرض المستشفى الحكومي "الرازي" للأمراض النفسية الى ضغوط متزايدة جراء جائحة كورونا وإجراءات الحجر المنزلي، حيث سجلت نسبة الإقبال على العيادات الخارجية التابعة له ارتفاعا يتراوح بين 10 و15 في المئة في السنوات الأخيرة.
والمستشفى الحكومي الوحيد و"اليتيم" المختص في الأمراض النفسية والمتواجد في منطقة معزولة نوعا ما يعاني من ترهل معداته وتجهيزاته الطبية وهو مطالب بتوفير خدمات طبية لأكثر من 10 آلاف مريض يتم ايداعهم سنويا في مختلف أقسام المستشفى.
ويعجز مستشفى الرازي في كثير من الاحيان عن توفير خدمات صحية كافية في ظل تزايد عدد المرضى النفسيين لا سيما في زمن كورونا الذين تتطلب حالاتهم الإقامة في المستشفى والمتابعة الطبية الشاملة.
ويتسبب غياب أقسام طبية متخصصة في علاج الاضطرابات النفسية والعقلية في المحافظات الداخلية في ضغط كبير على المستشفى الحكومي الوحيد المتخصص في البلاد. 
ويصطدم التونسيين بارتفاع فاتورة العلاج النفسي في المستشفيات او العيادات الخاصة ما يؤدي إلى زيادة الضغوط على الأقسام المتخصصة في المستشفيات الحكومية.