البناء الجمالي في تجربة القراءة

القراءة منهج حياة بأسرها، تصدر عن فكر ووعي بقيمة ما نطّلع عليه من أدب وحوارات ونصوص سردية وبحوث علمية.
النقد يُحدث ذلك التفاعل الخصب ويخلق صيغة استثنائية  لانتعاشة النص
لا ضرورة أن ينخرط القارىء في علاقة مع الكاتب

القراءة منهج حياة بأسرها، تصدر عن فكر ووعي بقيمة ما نطّلع عليه من أدب وحوارات ونصوص سردية وبحوث علمية، وهذا يؤول إلى إلغاء كل فوضى وخواء معرفي، ما عدا تلك الفاعلية والأثر في تقصّي رؤية شفافة لباطن المادة التي تختزل ماهيّة الأفكار وشتى الخلجات، والرؤى المنحازة إلى كينونة النصوص ككل.
فكل نص أدبي قابل للتفسير بوجهة نظر مختلفة، فهو يُبنى على فكرة الإدراك الحسي ّوالقدرة على التعايش معها وكأنها جزء من واقعه. إذن نحن إزاء قراءة مثمرة وفعّالة، وهي التي تصنع الذائقة الأدبية بقدر ما تتحوّل إلى إصغاء للآخر كممارسة وفنّ دون مكابرة أو أحكام مُسبقة، فقط تمعن وتأمل في تلك اللغة الخصبة للوصول إلى إدراك وتأويل ما يتطابق من دلالات وصور في ردهات النص أو البحث.
 فلا وجود لمفاهيم محضة أو حقائق متعالية أو قوالب جاهزة في القراءة، إنما نمط تداولي في إحصاء جمالية ملقاة أمامنا، بعين فاحصة وربما ناقدة لأهل الاختصاص، فينفعل بها القارىء ويتأثر، ويصافحها بجذوة الإمتاع والمؤانسة التي تحدثها النصوص في نفسه التوّاقة لسبر أغوار اللغة.  
وبالتالي فلا ضرورة أن ينخرط القارىء في علاقة مع الكاتب، إنما يرصد تلك الفكرة الحيّة والخلاّقة لابتكار صيغ التفاعل بين الحسّ التأملي وبين بنية النص وجماليته. ولنا في الحدس الإبداعي والفهم الكثير ليحاكي به جملة القصائد والنصوص السردية التي يزخر بها الشعراء والروائيين وغيرهم من رُوّاد الأدب والفكر. 
في حين أن البعض يخلق فجوة أثناء القراءة، ويُطبّق مناهج علم النفس ذاتها على الأدب، وهذا خطأ يقع فيه الكثيرون، فتصبح القراءة تطرّقا لزوايا ضيقة وانحراف في رؤية المؤلف وغوص في الدلالات النفسية والأيديولوجيا التي توّجه قلمه، بصفة قد تكون خاطئة أو صوابا، لكنها تخضع لرؤية الباحث أو القارىء. 
ثمّة فرق بين أن نتعامل مع النص الأدبي كنص جمالي نقرأ دلالاته المتعدّدة ونرصد قيمته الفنية والإبداعية، وبين أن نطبق منهج بعينه على الكاتب، خاصّة أن القارىء العادي لا يمتلك قدرة على التأويل وتحليل الخطاب كأكاديمي أو باحث مختص بل هو يرصد تلك المعاني والمنظورات دون تعلق بالقيم الخصوصية كأحد المظاهر المؤرقة للذات على الرغم من حضور الشغف والبداهة في فعل القراءة.
 وهذه حقيقة قائمة بذاتها، ولا اختلاف أن النقد يُحدث ذلك التفاعل الخصب ويخلق صيغة استثنائية  لانتعاشة النص، وذلك  في كنف نمط تداولي بين الآراء المحفزة والنقد البناء، دون مبالغة أو إقصاء أو نظريات فلسفية تعيق مجرى القراءة المثمرة للكاتب والقارىء على حد السواء.
وبالتالي فأسلوب القراءة له صلة وطيدة بالتنوير والمعرفة والإبداع ككل، لأنها رصد حيويّ وحافز مهمّ للإقبال على الكتاب، والحثّ على طقوسها المبهرة من جهة، في كنف المتعة والإشباع الحسّي والفكري، دون نمطيّة ولا ادعاءات أو تجاذبات، بل تفاوض مرن مع الخطاب اللغوي، لتنتج عنه مبادىء وتطلعات وفهم للتوجهات الملقاة على عاتقنا كقراء قبل فعل الكتابة والنقد.