التطور الدلالي للغة

الألفاظ تتغير من آن إلى آن ومن مرحلة إلى مرحلة، والكلمات هي كالكائن الحي تندثر أو تموت أو تحيا أو تعيش هذا بالإضافة إلى دخول ألفاظ جديدة.
اللفظ حين يعطي مدلولا معينًا لا يظل هذا المدلول ثابتًا على مدار الأيام ومرور الزمان
الشعراء والأدباء ومجامع اللغة هم المسئولون الأوَل عن تطور الدلالة
قضية المعنى هي أهم شيء بالنسبة للقصيدة أو للجملة النثرية
الهمزة تؤدي إلى 27 معنى حينما تزداد على الكلمة

ليس هناك شك في أن اللغة وعاء للأفكار، كما أنها صورة للهوية القومية للناس، وهي الوسيلة الأولى والأساسية لوسائل التعبير، وإذا كان الأدباء يقولون إن اللغة هي المادة الأساسية للأديب، فليس من شك أن الأديب يعاني عددًا من المشاكل أهمها الدلالة وتطور هذه الدلالة، فاللفظ حين يعطي مدلولا معينًا لا يظل هذا المدلول ثابتًا على مدار الأيام ومرور الزمان.

وأكد الناقد د. عبدالله سرور أن الكلمة في العصر الجاهلي تعطي مدلولا يختلف عنه في العصر العباسي، كما أنهما يختلفان من مدلول هذه الكلمة اليوم. هذه مشكلة، إضافة إلى أن محاولات التجديد في الأدب اليوم قد أكثرت من التركيز على ما يسمى بتفجير اللغة ومحاولة استخدامها في نواح جديدة، كل هذا دفع التطور الدلالي للغة إلى الأمام.

وقد أوضح الدكتور زين الخويسكي، أستاذ علم النحو واللغة في كل التربية جامعة الإسكندرية، في إحدى محاضرات؛ أن علم اللغة الحديث حينما يعرض لظاهرة لغوية سواء كانت ممثلة بالشعر أو النثر فإنه يعرض هذا من خلال أربعة مستويات هي: المستوى الصوتي، والمستوى النحوي، والمستوى الصرفي، والمستوى الدلالي. وركّز على المستوى الدلالي أو تطور الدلالة وما ظهر عن هذا التطور من مظاهر.

ويرى الخويسكي أن قضية المعنى هي أهم شيء بالنسبة للقصيدة أو للجملة النثرية أو أي معنى ينجم عنه كلام، فالمهم إذن هو المعنى، المعنى المراد مما يقال. (اللفظة + الفكر) أي أن نعرف معنى هذه الصيغة أو معنى هذه اللفظة من خلال الفكر. فنحن حينما نفكر فإننا لا نفكر بألفاظ، وإنما نتكلم ونفكر من خلال جمل سواء كانت إسميه أو فعلية.

إذن يجب أن نقف على جوانب الجملة، اللفظة ومعناها أو الصيغة ومعناها، فالألفاظ تتغير من آن إلى آن، ومن مرحلة إلى مرحلة، والكلمات هي كالكائن الحي تندثر أو تموت أو تحيا أو تعيش، هذا بالإضافة إلى دخول ألفاظ جديدة. فهناك إذن ألفاظ اندثرت وألفاظ ماتت، وألفاظ تغيرت دلالتها، أي نفس اللفظة، ولكنها تحمل معنى آخر في عصر آخر.

ولكي نقف على دلالة الألفاظ لا بد أن نعي: المقال والمقام. ولكل مقام مقال كما يقول المثل. فالمقام هو الركيزة الأولى التي تتصل بالجانب الوصفي للكلمة، أما المقال فيتصل بالجانب الوظيفي. والمقام حينما يقال فيه كلام لا بد أن يكون مرتبطًا بمستويات اجتماعية أو بموقف معين أو بحالة معينة. ولكي نفهم المقام الذي قيل فيه هذا الكلام، ودليلنا على ذلك أن الناس يمكن أن يكونوا غير راضين عن الحَجَّاج ين يوسف الثقفي حينما يحكمون على كلمة قالها في مقام معين، وهي "أنا ابن جلا". ولكن حين نعلم حقيقة الكلام، وأن عبدالملك بن مروان أرسله إلى العراق .. إلى آخر القصة المعروفة فإننا نستحسن كلام الحجاج.

وفي مقام الكلام، ومن خلال الحديث عن المعنى والدلالة نجد أن هناك علاقة قوية جدا بين الكلام والصرف، بين الدلالة والصوت، ولا يمكننا الفصل بينهما، فتدرج الصوت يؤثر تأثيرًا عميقًا في المعنى مثلا "السلام" و"يا سلام".

ويؤكد الخويسكي أن تطور الدلالة يكون خاضعًا لعاملين أساسيين هما: الاستعمال، والحاجة إلى هذا الاستعمال. فمن العوامل التي أدت إلى تطور اللغة الاستعمال ويدخل تحت الاستعمال: سواء الفهم، وبلى الألفاظ، والابتذال.

وبالنسبة لسوء الفهم فهناك العديد من الألفاظ التي يمكن أن يُساء فهمها، ومن ذلك ما نراه من سوء الفهم عند الأطفال، مثل اسم اللعبة التي يلعب بها،  فأحيانا يعطي الطفل اسمًا للعبة من عنده، غير اسمها الحقيقي، وسوء الفهم موجود في كتب التراث وكتب اللغة، وقد نوه عنه العرب القدامى.

وبالنسبة لبلى الألفاظ فهو يرجع في أساسه إلى التقارب الصوتي للحروف، ونحن نعلم أن هناك تقاربًا بين السين والتاء مثلا، مثل السغب والتغب، وقد يحدث العكس، فمثلا كلمة "القمَّاش" قي اللغة القديمة هي بمعنى أرذل الناس.

أما بالنسبة للابتذال، وهذه قضية مهمة بالنسبة للمعاني، فهي قضية غير محببة في اللغة، فالابتذال كل ما هو غير مقبول، وهناك عدة عوامل أدت إلى الابتذال منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو عاطفي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي.

إن مظاهر تطور الدلالة تتبدى، كما يراها الخويسكي، في عدة أمور منها تخصيص الدلالة، ومنها رُقي الدلالة أو انحطاط الدلالة أو تعميم الدلالة. فبالنسبة لتخصيص الدلالة قولنا: شجرة. ثم شجرة البرتقال، ثم شجرة البرتقال في حديقتي، خصصت أكثر وأكثر. ويرجع تطور الدلالة للعصر ذاته ولاستخدام الكلمة.

ويرى د. زين الخويسكي أن الشعراء والأدباء ومجامع اللغة هم المسئولون الأوَل عن تطور الدلالة، وأيضا التأثير والتأثر والانفتاح على الثقافات المختلفة.

أما بالنسبة للدلالة وعلاقتها بالصرف، فإنه لا يمكن فهم الدلالة دون الرجوع إلى الصرف، فزيادة المبنى، كما نعرف، تؤدي إلى زيادة المعنى، مثل "نزل المطر"، و"أنزل المطر". إن الهمزة تؤدي إلى حوالي 27 معنى حينما تزداد على الكلمة، أما التضعيف فيؤدي إلى حوالي 21 معنى حينما يزداد على الكلمة .. الخ. إذن هناك علاقة قوية جدا بين الدلالة والصرف.