التعليم الخاص يمدد نفوذه في تونس ولا عزاء للفقراء

خبراء يحذرون من انتشار التعليم الخاص واحتكار الأقلية المحظوظة له وابتلاعه المؤسسات التعليمية العمومية المثقلة بتدني جودة خدماتها وتهالك بنيتها التحتية.

تونس - مع انطلاق العودة المدرسية في تونس والتأهب لرجوع الطلاب الى الجامعات يقرع خبراء ناقوس الخطر من تغول التعليم الخاص وتمدد نفوذه وسعيه الحثيث الى سحب البساط من تحت أقدام التعليم الحكومي الذي طالما مثل مصدر فخر للتونسيين.
ولطالما حصلت منظومة التعليم العمومي في تونس في السنوات التي تلت مرحلة الاستقلال على اشادة الخبراء والمختصين وحتى الأولياء لجودة مناهج التعليم وقتها وبروز أسماء تونسية لامعة في المجالات الأدبية والعلمية، الا أنها سرعان ما تهاوت وأصبحت مثقلة بمشاكل كثيرة شملت قدم وتهالك مناهج التعليم وعدم مواكبتها للعصر الحديث والرقمي الى جانب كثرة الاحتجاجات والاضرابات في صفوف المعلمين والأساتذة واشتعال الصراع في كل مرة بين وزارة التعليم ونقابات أعوان التدريس وحركة المد والزجر بينهم واعتماد لغة التهديد والوعيد على حساب مستقبل  الطلبة والتلاميذ، كما أن استفحال ظاهرة الغش والتزوير في الامتحانات المصيرية زادت الطين بلة.

تعليم
بحث متواصل عن جودة التعليم

وتتسع رقعة التعليم الخاص (رياض أطفال، مدارس ابتدائية وثانوية وجامعات خاصة) وتمدد جغرافيا لتشمل المحافظات الداخلية بعد ان كانت مقتصرة بالخصوص على العاصمة تونس والمدن الكبرى.
ويوجه خبراء تونسيون أصابع الاتهام إلى الانتدابات والتعيينات العشوائية في صفوف المدرسين وتدهور البنية التحتية وضعف الموارد البشرية في المؤسسات التعليمية العمومية، وهي كلها عوامل دفعت أولياء أمور الطلاب إلى الهروب من المؤسسات التعليمية العمومية.
ويهاجر الطلاب من المدارس الحكومية الى نظيرتها الخاصة بدعم وتشجيع من عائلاتهم الذين يبحثون عن مستقبل أفضل لهم ولتجنيبهم شبح البطالة بتعلم الفرنسية والانكليزية منذ الصغر واالمساهمة في تكوين شخصيات متوازنة ومنفتحة على العالم الخارجي بفضل ما يتلقونه من أنشطة فنية وترفيهية في النوادي مختصة.
وبلغ عدد المدارس الخاصة في تونس حسب آخر الاحصائيات أكثر من 650 مدرسة ابتدائية تحتضن أكثر من 50 ألف تلميذ وتلميذة، وتعتبر تونس وأريانة من أكثر المحافظات التي توجد بها مدارس خاصة.
وافادت احصائيات ان معدل استقطاب التعليم الخاص للتلاميذ في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، قد تضاعف خلال الموسم الدراسي 2013 - 2014 نحو تسع مرات مقارنة بالموسم الدراسي 1985 - 1986، وانه يشكل حاليا أكثر من 4 بالمائة من مجموع التلاميذ الدارسين في المرحلة الابتدائية والمرحلتين الإعدادية والثانوية.
ويعتبر البعض أن التعليم العمومي في خطر لا سيما مع الاتجاه السريع نحو خوصصة التعليم أو الحديث عن تعليم للفقراء وآخر للأغنياء في حين يراه البعض الاخر نقطة ايجابية يمكن أن تنهض بجودة التعليم في تونس من جهة وتساعد في حل مشكل البطالة من جهة ثانية. 
لا تُنكر وزارة التربية أفضلية التعليم الابتدائي الخاص على التعليم العمومي، إذ يُرجع المخطط الاستراتيجي القطاعي التربوي 2016-2020، الذي أصدرته في سنة 2016، دوافع الاتجاه الاجتماعي نحو هذا الصنف من التعليم إلى "ملاءمة الحياة المدرسية بهذه المؤسسات لظروف عيش العائلة في الوسط الحضري وإلى البحث عن تكوين جيد للأبناء والتمدرس المبكر وكذلك توفر آليات المتابعة والمرافقة وإلى ملاءمة الزمن المدرسي لهذه المؤسسات للزمن الاجتماعي وإيقاع الحياة".
في حين يرى خبراء ان هجرة الطلبة إلى القطاع الخاص جعلت التعليم في تونس مهددا بالإنقسام إلى نظامين: نظام عمومي متواضع الخدمات لفائدة حشود من المتعلمين الفقراء ونظام خاص رفيع الخدمات لفائدة أقلية محظوظة.