الجولان المحتل في القانون الدولي

القرار الأميركي بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، على أقصى الاحتمالات، شأن في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب ولا قيمة له دوليا.

اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذكرى التاسعة والعشرين لإعلان إسرائيل ضم الجولان السوري المحتل إلى السيادة الإسرائيلية، وهي ليست بسابقة أميركية، إذ أعلن اعترافه أيضا في ديسمبر/كانون الأول 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، فما هي المفاعيل والآثار القانونية المترتبة على ذلك؟

أولا ثمة العديد من البيئات القانونية التي تحيط بالإطار القانوني للأراضي المحتلة، ويأتي في مقدمتها، قانون الحرب الذي لا يجيز ضم الأراضي لدولة الاحتلال، كما يضع نظاما خاصا للممتلكات الخاصة والعامة في الإقليم المحتل، إضافة إلى الأطر الناظمة للعلاقة مع السكان المدنيين وغيرهم، وبالتالي يُحرم القانون الدولي أي إجراء تنفيذي على مجمل الأراضي المحتلة، باعتبار أن الاحتلال لا يلغي أو ينهي السيادة ومظاهرها لدولة الأساس. كما تنص المواثيق الدولية ومن بينها ميثاق الأمم المتحدة على حفظ سيادات الدول على أراضيها واحترامها، وحدد الأطر العامة من وسائل للتعامل مع بعض مظاهرها.

يعتبر القرار 242/1967 مرجعا رئيسا للأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل، والذي لا يجيز استحواذ الأراضي بالقوة، ورغم ذلك أعلنت إسرائيل في العام 1981 ضم الجولان إلى السيادة الإسرائيلية، الأمر الذي لم يجد أي تأييد دولي، حتى من قبل الولايات المتحدة نفسها آنذاك. وما القرار 497/1981 إلا دليل على إجماع المجتمع الدولي لعدم الرضوخ للقرار الإسرائيلي، حيث أجمع مجلس الأمن وبـ 15 صوتا من بينهم الولايات المتحدة الأميركية نفسها عدم الموافقة على الإجراء الإسرائيلي.كما أن الأمر نفسه تكرر مع اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها أليا، مع بعض الفروق بالنظر للمتغيرات الحاصلة دوليا.

كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 35-122 في 11 ديسمبر/كانون الأول 1980 الذي أدان إسرائيل لفرضها تشريعات تضمنت إحداث تغييرات في الجولان. كما صدر القرار رقم 36-147 الذي أدان إسرائيل لفرض الجنسية الإسرائيلية على المواطنين السوريين في الجولان بالقوة.

إن المرسوم الذي وقَّع عليه الرئيس الأميركي يعتبر شأنا ثنائيا مع إسرائيل، ولا يعتبر اتفاقية دولية شارعة تلزم الغير فيها، إضافة إلى أن واشنطن لا تملك الحق أساسا بموجب الشرائع الدولية أن تعترف بالإجراء الإسرائيلي، وان تعطي أرضا لا تملكها لمن لا يستحقها، الأمر الذي لا مفاعيل قانونية دولية له ويعتبر باطلا من أساسه. وفي أفضل الأحوال؛ يعتبر من الناحية السياسية دعما واضحا من الرئيس الأميركي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية المبكرة المقررة في ابريل/نيسان القادم.

وقياسا على السلوك السياسي الأميركي في التعامل مع القضايا العربية ومنها الأراضي العربية المحتلة، ثمة تخوّف من أن ينسحب الموقف الأميركي من القدس والجولان على الأراضي اللبنانية التي لا زالت تحتلها إسرائيل، أي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وهو أمر بدأ في الظهور ويشكل عاملا إضافيا للتوتر في المنطقة، لاسيما وأنه من القضايا التي لا زالت معلقة بعد الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة في العام 2000.

في العام 1938 أقدم الزعيم النازي أدولف هتلر على ضم اقليم السوديت التشيكوسلوفكي إلى الأراضي الألمانية، واعتبرت من بين الأسباب الرئيسة لانطلاق الحرب العالمية الثانية، كما أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم إليها، مما أدى إلى توتر حاد في العلاقات الدولية. واليوم تعتبر الخطوة الأميركية عاملا إضافيا في توتير الأوضاع في الشرق الأوسط وهي في الأساس تختزن كل عوامل التفجير، إضافة إلى ضرب آخر ما يمكن أن يرتكز عليه من أسس للسلام في الشرق الأوسط وما يؤمل من بعض المبادرات التي طرحت سابقا.

ثمة ضرورة لإعادة لملمة الوضع العربي لمواجهة تلك المخططات، علَّ أن تكون القمة العربية الثلاثين في تونس بيئة مناسبة للتحرك، لمواجهة المفاعيل والآثار المحتملة للقرار الأميركي، لاسيما وأن توقيت القرار يأتي في ظروف حاسمة تتطلب المزيد من التضامن العربي الذي بات أكثر من ضرورة.