الحروب بالوكالة الى غير رجعة

تعب اللبنانيون من حروب الآخرين على أرضهم؟ بالتأكيد. لكن الإيرانيين أنفسهم تعبوا من حروبهم على الآخرين وأنفسهم بدورهم.

موقفان متناقضان برزا تزامنا مع تشييع حسن نصرالله في "المدينة الرياضية" بالعاصمة بيروت. الاول، ما قد جاء في جانب من الرسالة التي وجهها المرشد الاعلى في إيران، علي خامنئي، لمناسبة التشييع حيث قال فيها إن "على إسرائيل أن تعلم أن مقاومة الاغتصاب والظلم والاستكبار لن تنتهي وستستمر حتى تحقيق غايتها النهائية". أما الثاني وهو الاهم والاكثر إلفاتا للنظر، فقد كان تأكيد الرئيس اللبناني خلال لقائه وفد إيراني بالقصر الرئاسي في بعبدا، أن لبنان تعب من حروب الآخرين!

وعندما نقول إن الموقف الثاني هو الاهم والاكثر إلفاتا للنظر، لعدة عوامل وأسباب؛ لأنه وللمرة الاولى يصدر هكذا تصريح صريح يتسم بالحزم والجرأة البالغة وعند إستقبال وفد إيراني! هكذا موقف قطعا كان بمثابة إنتحار لمن كان يعلنه قبل الاحداث والتطورات التي أسفرت عن تقليم الظفر الايراني في لبنان، مع ملاحظة أهم، وهي إن موقف الرئيس اللبناني يتسم بالمصداقية ويعبر عن رأي الشارع اللبناني، بل وحتى العربي.

اللبنانيون وغيرهم من الشعوب في المنطقة، قد ضاقوا ذرعا بالحروب العبثية واللامجدية التي تبادر بها ميليشيات وأحزاب تتصرف وكأنها صاحبة القرار في وقت صارت فيها الحكومات أشبه ما تكون بمجرد هياكل مجردة من أرواحها، والتصريح الرئاسي سارد الذكر، كما يبدو قد أعاد الروح للهيكل اللبناني وهو يؤسس لمرحلة وعهد جديد في المنطقة تم تدشينه بسقوط نظام بشار الاسد وضمور حزب الله اللبناني.

بهذا السياق، وعلى ذكر إن لبنان قد تعب من حروب الآخرين، لكن، هناك ثمة ملاحظة مهمة جدا لابد من التنويه عنها، وهي إن"حروب الآخرين"، أو بالاحرى حروب إيران التي لم تكن ستنتهي لولا ما جرى وبشكل خاص في عام 2024، هي بالاساس، حروب ذات سقف زمني تم تحديده في طهران، إذ ليس بحروب إندلعت على أساس إرادة الشعوب كما في حرب أكتوبر1973، مثلا، بل هي حروب جرت إثارتها من أجل مصلحة نظام وحتى في كثير من الاحيان من أجل مشاغلة الشعب الايراني بها وصرفه عن مواجهة النظام وبشكل خاص إذ ما أخذنا بنظر الاعتبار والاهمية إن أخطر الحروب التي أثارتها طهران قد جرت بعد إنتفاضة 16 سبتمبر2022، التي دامت لأشهر. ولكن ولأن ما بني على الباطل باطل، فقد جاء الوقت الذي يجري فيه تشييع الحروب بالوكالة بالتزامن مع تشييع حسن نصرالله، وفي ذلك أكثر من درس وعبرة ومعنى ليس للحكم القائم في إيران وإنما لأولئك الذين لا يزالون يدورون في فلكه.