الحروفية المغربية بين الأمس واليوم

الحروفية المغربية تشكل مادة فنية مستقلة في الشأن الفني العالمي، لأنها متحت مقوماتها الجمالية من الأسس الفنية للخط العربي.
الحروفية في المغرب انطلقت من الخط المسند المغربي الذي ارتبط بطقوس روحية عبر ممارسات نفعية وجمالية منذ القرن الخامس الهجري
العلاقة بين المادة الحروفية والأسس الجمالية فيها تتخذ مسارات متفرعة
تشكيل مسار ينطوي على مقصديات فنية وجمالية وبلاغية جديدة

تشكل الحروفية المغربية في عمومها مادة فنية مستقلة في الشأن الفني العالمي، لأنها متحت مقوماتها الجمالية من الأسس الفنية للخط العربي، وطرقت القيمة الرمزية للحرف العربي في نطاق التمثل البلاغي والتأويلي، ما أكسبها طابعا فنيا متفردا، وأظهرت القوة التشكيلية للحرف العربي ليطاوع المجال التعبيري في نطاق واسع. فقد شكلت الحروفية عموما دعامة فنية لتمثيل الهوية المغربية، فاستطاع الفنان المغربي أن يستثمرها إلى أبعد الحدود ويسهم في مأسسة مدرسة حروفية مغربية ذات أسس ومقومات عربية إسلامية شملت عدة أنواع من الخطوط، وأنواع من التشكيلات الجمالية، فانتشر العمل الحروفي الحديث منذ أربعينية القرن العشرين مع نخبة من المبدعين المغاربة الذين استلهموا إنتاجاتهم الحروفية من التراث المغربي العربي الأصيل، حيث تتمتع الحروفية بتميز قوي في النسيج الثقافي المغربي، حيث اتخذ الحرف العربي بالمغرب ألوانا متنوعة من التشكل في الفضاء الفني، واتخذ مساحة بصرية جعلت منه بؤرة تشكيلية عبر ممارسات وظيفية وطقوس روحية وصوفية. 
وقد انطلقت الحروفية في المغرب من الخط المسند المغربي الذي ارتبط بطقوس روحية عبر ممارسات نفعية وجمالية منذ القرن الخامس الهجري، في نطاق تكوين بنائي مرتبط بفلسفة كل عصر من العصور التاريخية المغربية، حيث تبدى الأسلوب الحروفي في مجموعة من النصوص الجمالية شكلت من خلالها الحروف رموزا وعلامـــات بصرية مصاحبة للألوان والأشكال والصور والرسوم، جعلت القارئ يقف أمام إبداع حروفي قابل للقراءة والتأويل، ويوحي بمعان ودلالات متنوعة في نطاق القيمة التعبيرية والفنية لجمالية العمل الفني الذي قوامه الخط المسند المغربي، حيث يمكن تصنيف كتابة تلك الحروف من حيث شكلها، في خانة الفن الحروفي البصري، عن طريق تطويع الأدلة الخطية الكتابية المجسدة تحديدا في الطلسمية والرمزية الغريبة وبعثرة النظم الحروفي وتغيير في أسلوب التركيب، لتتبدى فيه القيمة الفنية والتعبيرية بائنة.  

Calligraphy
تنوعات حروفية 

وتتخذ العلاقة بين المادة الحروفية والأسس الجمالية فيها مسارات متفرعة، تستفيد من وظائف الحروف البنائية ومن صورها وأشكالها، في تشكيل مسار ينطوي على مقصديات فنية وجمالية وبلاغية جديدة.
في حين اتخذت الحروفية المغربية الحديثة طابعا آخر ومسارا تشكيليا قارب الفن التشكيلي في مقوماته الفنية وأسسه الجمالية، فقد ظهرت في أربعينيات القرن العشرين تنوعات حروفية غذت المشهد الفني بالمغرب وقدمت رؤية جديدة انطلاقا من التراث المغربي العريق، خاصة مع بروز تقنيات جديدة ومواد صباغية حديثة امتزجت بالحروف فشكلت لغة متقدمة في الفن العالمي، باعتبار أن الحروفية هي فن يتحقق من امتزاج اللغة والشكل واللون لينتجوا تشكيلا جماليا. 
وقد أطر هذه التجربة المغربية رواد من الأجيال الأول والثاني والثالث بممارسات واعية تمظهرت في أعمالهم التي عرفت تطورا عبر مراحل، وذلك نتيجة بروز وعي بالقيمة الفنية للمجال الحروفي وكذلك لاستيعاب الموروث الثقافي، إذ استطاع كل جيل في مرحلته أن يبلور مفهوما جديدا للحروفية بالمغرب. وقد كان لكل هؤلاء أثر قوي في تشكيل فضاء حروفي يتمتع بكل المقومات الفنية والجمالية التي عكست رؤيتهم الفنية الجديدة، فهؤلاء جميعهم كان لهم أثر بارز في تقديم مشهد حروفي مغربي متنوع في كيفيات تناول الحرف داخل الفضاء، وهو مسلك تجاوزه الحروفيون المغاربة المعاصرون حيث جعلوا من تحرير الحرف بؤرة في فضاء حروفي خارج عن النمط الكلاسيكي المعتاد. 
وتم الاعتماد على مفردات الثقافة العربية الإسلامية لإظهار قدرات الخط العربي بمفاهيم جديدة رامت توظيف بنية الحرف وبلورة القيم الإبداعية التشكيلية في منجز حروفي فني متميز ومنجز بصري معاصر، نتاج أعمال جادة مثّلها عدد من الحروفيين المغاربة في أعمالهم الحروفية، إذ جعلوا من التجربة الحروفية المعاصرة مادة خصبة للإبداع وقدموا مشهدا جماليا بصياغة جديدة أثروا من خلالها الحمولة الحروفية بإنتاجات بالغة الأهمية شدت انتباه النقاد من خارج المغرب، فخصصوا مقالات نقدية عن التجارب المغربية لما قدموه من رؤية حروفية جديدة معاصرة.